المشاركات

الأفكار والتاريخ (مقتطف)

صورة
جون هرمان راندال ترجمة: جورج طعمة وهكذا تجد الأفراد جيلا بعد جيل يكيفون أبنية العهود السابقة لتطابق حاجاتهم ورغائبهم، فتارة يحتفظون بها كاملة دون أي تحوير مكتفين بمجرد تغيير استعمالها. وتارة يضيفون أحجارًا جديدة وأشكالا جديدة. وأحيانًا أخرى يهدمونها ويعيدون بناءها بالمواد القديمة. ومع ذلك تستمر الحياة لتكرر في حيوية جديدة، ومن غير اكتراث لما كان من قبل، دورة الولادة والأمل والفشل والموت، في ظل إمبراطور أو أمير، أو بابا،، أو ملك أو دكتاتور. حقًا إن روما هي المدينة الخالدة: خالدة بقصورها وأبنيتها القديمة، خالدة بأشواقها وآمالها الجديدة، وكأنها جديرة بأن تكون رمزًا للإنسانية التي اعتبرتها لمدة طويلة مركزها.  وما تاريخ الإنسانية سوى تاريخ جهود وأبنية تتناولها يد الإنسان بالتعديل المستمر فتتسع لتآلف التيارات الجديدة للحياة. وهو أيضًا قصة جدران قديمة شاخت فعملت فيها معاول التهديم ثم أعيد بناؤها بأشكال جديدة. وقصة البرابرة القساة وما جنته أيديهم المدنسة على الأبنية الأثرية الشامخة من تشويه وتخريب، وقصة الكنائس القديمة التي حافظ عليها المؤمنون بورع وتقى، والقصور التي دمر

لماذا؟

صورة
ألبير كامو ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد ليست هناك إلا مشكلة فلسفية هامة واحدة ألا وهي مشكلة الانتحار. فالحكم عما إذا كانت الحياة جديرة بأن تعاش أم لا، إنما يرتفع إلى الجواب على المسألة الأساسية في الفلسفة وتأتي كل مسألة أخرى بعد ذلك [...] فإذا سألت نفسي كيف يمكنني أن أحكم بأن هذا السؤال أكثر أهمية من غيرها، فإنني أجيب بأن المرء يحكم عن طريق الأفعال التي تستتبع منه. عمري ما شاهدت إنسانًا ينتحرُ من أجل البحث الأنطولوجي. وإن جالليو الذي ذكر حقيقة علمية ذات أهمية كبيرة، نبذها بمنتهى السهولة حالما تعرضت حياته للخطر. وبمعنى ما من المعاني، حسنًا فعل. وما كانت هذه الحقيقة تستحق عناء المخاطرة. فسواء كانت الأرض هي التي تدور حول الشمس أو الشمس هي التي تدور حول الأرض فهي مسألة من قبيل عدم الاكتراث العميق. بل يمكننا أن نقول إنها مسألة عقيمة. ومن جهة أخرى أرى، أناسًا كثيرين يموتون بسبب أن الحياة عندهم تستحق أن تعاش. وأرى آخرين يذهبون ضحية القتل بسبب الأفكار أو الأوهام التي تزودهم بسبب كاف للحياة (وما يقال عنه سبب كاف للحياة هو سبب رائع للموت) ولهذا فإنني أخلص إلى أن معنى الحياة

ما يمكن للرواية وحدها أن تكشفه (مقتطفات)

صورة
ميلان كونديرا ترجمة: بدر الدين عرودكي تصاحب الرواية الإنسان على الدوام وبإخلاص منذ بداية الأزمنة الحديثة. لقد سيطر "هوى المعرفة" (هذا الهوى الذي يعتبره هوسرل جوهر الروحانية الأوروبية) آنئذ على الإنسان كيما يدرس الحياة المحسوسة للإنسان ويحميه ضد "نسيان الكائن"، حتى يضع "عالم الحياة" تحت إنارة مستمرة. بهذا المعنى إنما أفهم وأشارك عناد هرمان بروخ عندما كان يكرر بلا هوادة: اكتشاف ما يمكن للرواية وحدها أن تكشفه، هو ذا ما يؤلف مبرر وجود الرواية. إن الرواية التي لا تكشف جزءًا من الوجود لا يزال مجهولا هي رواية لا أخلاقية. إن المعرفة هي أخلاقية الرواية الوحيدة.  *** *** *** إن روح الرواية هي روح التعقيد. كل رواية تقول للقارئ: "إن الأشياء أكثر تعقيدًا مما تظن". إنها الحقيقة الأبدية للرواية، لكنها لا تُسمِعُ نفسها إلا بصعوبة في لغط الأجوبة البسيطة والسريعة التي تسبق السؤال وتستبعده. في نظر روح عصرنا: إما أن تكون أنا كارنينا على حق، أو أن يكون زوجها على حق، وتبدو حكمة سرفانتس القديمة التي تحدثنا عن صعوبة المعرفة وعن الحقيقة التي ل

الجسد الراقص والتقدم في العمر

صورة
تأليف: ستيفن ب وينرايت، وبرايان س تيرنر ترجمة: أسامة الغزولي التجسيد والصورة المشتركة عند الراقص اللوحة لإدجار ديجا (Edgar Degas) غالبًا ما يقال في علم الاجتماع الحديث: إن الجسد أصبح مشروعًا في المجتمع المعاصر، حيث الحمية والتدريب وأسلوب الحياة، بل والجراحة التجميليلة تستخدم لإنتاج جسد يتسق مع تعريفنا لأنفسنا، فالجسد يمكن أن نراه "ككيان هو بسبيله إلى أن يكون؛ كمشروع يجب أن نشتغل عليه وننجزه كجزء من الهوية الذاتية للفرد" (شيلينغ 1993: 5) وبالنسبة للراقص المحترف، قد تبدو فرضية شيلينغ معتدلة أكثر من اللازم، لأن التحول إلى راقص باليه كلاسيكي يتطلب أن يكون الجسد جوهر الهوية ذاته. ونظام الباليه ينتج نوعًا معينًا من الجسد ويحافظ عليه، فلا يمكن فصله عن هوية الراقص. وكما قال رودولف نورييف: "أنا راقص" ( سولواي 1998) ويقول بول (1999: 275): "لو أمكن للجسد أن ينطق فإن لغة البالية الكلاسيكي يجب أن تكون الأكثر طلاقة في الوجود". لكن الطلاقة في هذه اللغة الخاصة بالجسد لا تتحصل إلا عبر جدول بدني عقابي". وتعلق راقصة البالية الأولى في البا

يلحقُ بالوحدة

صورة
loneliness  by  Lanre Buraimoh مال إلى الانفراد، إذا رأي اثنين يتحدثان نأى، إذا أفسح الخطى وأوشك على الاقتراب من أحدهم يتجاوزه بسرعة فكأنه يلحق بالوحدة.! (مقتطف من:  هاتف المغيب ل جمال الغيطاني)

الخوف ونظرية التطور (مقتطفات)

صورة
دايفيد باس تبدي الجرذان رهابًا مذهلا من الجديد، أو نفورًا قويًا من الأطعمة الجديدة (غير المألوفة). توزع الجرذان بشكل نموذجي الأطعمة الجديدة وغير المألوفة في عينات جد صغيرة. وعندما تفعل ذلك فإنها تأكل الأطعمة الجديدة كل على حدة – ولا يحدث أبدًا أن تأكلها مع بعضها. ومن خلال الإبقاء على صغر عينات الطعام الجديد وفصلها عن بعضها بعضًا يكون لدى الجرذان فرصة كي تتعلم ما الذي يجعلها تمرض، وهو ما يجنبها الإفراط في استهلاك السموم التي قد تحمل خطر الموت. ومن الطريف أن الجرذ الذي يأكل طعامًا مألوفًا وآخر جديدًا في الوجبة نفسها ويمرض على إثرها، فإنه يتجنب بعد ذلك الطعام الجديد وحدة. ويبدو كأنه يفترض أن الطعام المألوف سليم، وأن الطعام الجديد هو مصدر المرض.  وهكذا يمتلك الجرذ طاقمًا من الآليات المتطورة لحل المشكلات التكيفية الخاصة بانتقاء الطعام.  *** *** *** أصبح الطعام واستهلاكه من المجازات شائعة الاستعمال. حيث تصبح القصص الطويلة "صعبة الابتلاع" والنثر المتقعر "صعب الهضم"، وضربة الحظ السعيدة "حلوة"، والكتاب الجديد "مثمر" والخيبة ال

يستحيل أن تنزل نفس النهر مرتين (مقاطع من كتاب: "التطور الخالق")

صورة
هنري بيرجسون هنري برجسون إني ألاحظ أولا أنني أنتقل من حال إلى حال، فأنا أشعر بالحر أو أحس البرد، وقد أكون مبتهجًا أو حزينًا، وقد أعمل أو لا أقوم بعمل ما، وألاحظ ما يحيط بي أو أفكر في شيء آخر، فالإحساسات والعواطف والإرادات والتصورات هي التغيرات التي تتقاسم وجودي، والتي تلونه كل منها بلون خاص واحدة بعد أخرى. فأنا إذن في تغير مستمر، بل ليس هذا القول كافيًا فإن التغير أكثر أصالة مما عسى يظن المرء في الوهلة الأولى.  وحقيقة أني أتحدث عن حالة من حالاتي، كما لو كانت حالة واحدة، نعم إنني أتغير، غير أن التغير لا يعدو أن يكون انتقالا من حالة إلى تلك التي تليها؛ ويحلو لي، فيما يتعلق بكل حالة على حدة، أن أعتقد أنها تظل على ما هي عليه طيلة الوقت التي تحدث فيه. ومع هذا، فإن مجهودًا ضئيلا من الانتباه أبذله ربما كشف لي أنه ما من وجدان، وما من تصور، وما من إرادة إلا وتتغير في كل لحظة، ولو أن حالة نفسية ما توقفت عن التغير لتوقف زمنها عن الجريان. فلنأخذ أشد الحالات الداخلية ثباتًا، وهي الإدراك البصري لموضوع خارجي ثابت. فمهما ظل هذا الموضوع هو بعينه، ومهما لاحظته من جانب بعينه، ومن نفس الزاوية