المشاركات

عرض الرسائل ذات التصنيف مقتطفات

أحلام مميتة: مقتبس من كتاب الأيديولوجية والعرض المسرحي

صورة
إن أي أفكار مهما كانت خصبة في بدايتها تبلى بعد فترة من الزمن. وبعض الأيديولوجيات حققت الحرية لفترة وجيزة ثم أصبحت مميتة في اللحظة التالية. ونحن جميعًا نعلم هذا. فهذه هي الحقيقة الوحيدة التي يجب أن تكون واضحة ونحن نقترب من نهاية القرن العشرين بمسلسله الذي لا ينتهي لمذابح الأيديولوجية. وأعتقد أن هذا الوضوح يجعل من فكرة الثورة بوعودها بحياة حقيقية -والاعتقاد في إمكان تحقيقها، وأنها يجب أن تتحقق- لم يعد ممكنا.[•••] ولكننا يجب علينا كلما فكرنا في الأيديولوجية، والتزمنا بها كفكر نضحي من أجله بأنفسنا، يجب علينا أن نتذكر شيئا آخر نحاول أن نمحوه من ذاكرتنا: وهو أنه إذا كان هناك شيء مخيب للآمال في الفكر نفسه فهو أن هذا الفكر يتحول إلى شيء مميت عندما يتحول إلى مؤسسات، وهو يصبح مخيبا للآمال بدرجة أكبر عندما يتحول، بعد أن يتنكر في ثياب الممارسة النقدية، إلى سيناريو قهري للتصحيح. فكما يحاول موليير أن يبين، وأحيانا بأسلوب مرضي قد يصل إلى النفور من الذات، أننا لا يمكننا استثناء الفكر الثوري من هذا، فقد رأينا في الفن الذي قدم خلال هذا القرن تشابها بين الفكر الذي يطالب بالحرية وبين الحكم الشمولي -وقد نب

يعلمنا الخوف (مقتطف)

صورة
     كل نقص في الحب والإنصاف في علاقتنا الاجتماعية يلقى جزاءه في الخوف. إذا وقفت من زميلي في علاقتي به موقفا بسيطا فإني لا أجد غضاضة عندما ألقاه. إننا نلتقي كما يلتقي الماء بالماء. أو كما يختلط تياران من الهواء، في امتزاج كامل وتداخل في الطبائع. غير أننا لو انحرفنا عن البساطة، وحاولنا المناصفة، أو كان هناك خير لي ليس فيه خير لجاري، فإنه يشعر بالإساءة، ويبتعد عني بمقدار ما ابتعدت عنه. لا تبحث عيناه عن عيني بعدها، وينشب الخصام بيننا، وتقوم في نفسه الكراهية، وفي نفسي الخوف.      كل مساوئ المجتمع القديمة، العامة والخاصة، كل ملك أو نفوذ جاء ظلما إنما يلقى الانتقام على صورة واحدة. يعلمنا الخوف الحكمة الكبرى، وهو رائد كل انقلاب. يعلمنا شيئا واحدا، وذلك أن هناك فسادًا حيثما ظهر. هو أشبه بالحدأة أو الغراب، قد لا نرى جيدًا ما يحومان حوله، إلا أنك تثق من وجود الموت والجيف الممزقة في مكان ما. إن أملاكنا هيابة، وقوانينا هيابة، وطبقاتنا المثقفة هيابة. وقد أنذر طائر الخوف بالشر منذ آماد طويلة، وقطب جبينه وتذمر من الحكومة ومن الملك، ولم يوجد ذلك الطائر الدنس هناك من غير داع. وإنما كان يشير إلى أخطاء ك

دراسات الخطاب النقدية: السلطة والسيطرة على الخطاب العام (مقتطف)

صورة
بقلم: توين فان دايك ترجمة: غيداء العلي وتبين هذه المعايير -بصورة واضحة- أن الباحثين في مجال دراسات الخطاب النقدية لا يقفون موقف "المحايد"، بل يلتزمون بالانخراط دفاعًا عن مصالح الفئات المهيمن عليها (كالأقليات) في المجتمع، ويلتزمون بهذا الموقف بكل صراحة ووضوح، وفي حين يتبنى البحث الاجتماعي "الحيادية" موقفًا اجتماعيًا أو سياسيًا أو أيديولوجيا ضمنيًا (أو في الواقع ينفي اتخاذ مثل هذا الموقف، وهذا -بحد ذاته- اتخاذ موقف)، يعترف الباحثون في مجال دراسات الخطاب النقدية بالتزاماتهم الخاصة في مجال البحث ومكانتهم في المجتمع ويدركونها ويتأملون فيها، فهم لا يعون فحسب الأهمية العلمية لاختياراتهم لأولويات الأبحاث والنظريات والمناهج أو البيانات وموضوعاتها فحسب، بل يدركون الدور السياسي الاجتماعي لها أيضا، ولا يقومون بدراسة مجردة للمشكلات الاجتماعية؛ لأنها موضوعات مثيرة للاهتمام فحسب، بل لأن هدفهم صريح وواضح وهو الإسهام في إحداث تغيير اجتماعي محدد لصالح المجموعات المهيمن عليها، وهم يقدمون نقدا ذاتيا لمعرفة ما إذا كانت نتائج بحوثهم قد تفيد الموقف المهيمن للجماعات القوية في المجتمع، وفضل

أحلام المساجين (مقتطف)

صورة
أعتقد أن «لسنج» هو الذي قال ذات مرة: «توجد أشياء تؤدي بك إلى أن تفقد عقلك، وإلا فإنه لا يوجد لديك ما تفقده». ثم إن رد الفعل غير السوي إزاء موقف غير سوي هو استجابة سوية. بل إننا الأطباء النفسيون نتوقع أن تكون ردود أفعال الانسان إزاء موقف  غير سوي، كأن يحول إلى مستشفى للأمراض العقلية، ردود أفعال غير سوية قياسا إلى درجة سوائه، وفي ذلك يمثل أيضًا رد فعل الإنسان إزاء ادخاله معسكر اعتقال حالة غير سوية للعقل، ولكن إذا حكمنا عليها موضوعيا فإنها تعتبر حالة سوية، وأنها - كما سنشير إلى ذلك فيما بعد -رد فعل طبيعي تجاه مثل هذه الظروف. هذه الاستجابات قد بدأت تتغير في غضون أيام قليلة. يتضح ذلك في انتقال السجين من الطور الأول [الصدمة] إلى الثاني؛ وهو طور البلادة النسبية، حيث يصل به إلى نوع من الموت الانفعالي. *** كانت البلادة - وهي العرض الرئيسي للمرحلة الثانية - وهي الميكانزم الضروري للدفاع عن الذات. لقد أصبح الواقع مظلما، وغدت كل الجهود وكل الانفعالات متمركزة حول مهمة واحدة: المحافظة على الحياة -حياة الفرد ذاتها وحياة زميله. لقد كان من المتواتر أن تسمع المسجونين، بعد عودتهم في المساء الى المعسكر من

الشعر والإلهام عند الإغريق (مقتبسات)

صورة
وكما يتضح بالفعل من أقدم الإشارات، كانت "المدينة الدولة" الإغريقية القديمة والدعوة القومية الإغريقية هما الإطار الذي تم فيه التمييز بين الشعر والنبوءة، وهو ما تعكسه كلمة "مغني" "aoidos" من ناحية، وكلمتا "عراف" "mantis" و"رسول" "kerux" من الناحية الأخرى. Francois Girardon - Apollo and the Six Nymphs, 1673  ولقد سبق ورأينا كيف دخل العراف والرسول في فئة الصناع الحرفيين "demiourgoi" مثلهما مثل المغني. وبينما يماثل مفهوم "المغني" مفهومنا الحديث لكلمة الشاعر، فإن كلمتي"عراف" "mantis" و"رسول" "kerux" تماثلان معًا بالكاد مفهومنا الحالي لكلمة "عراف". ولقد سبقت تلك المرحلة التي حدث فيها التمييز مرحلة أخرى مبكرة كانت فيها وظيفة الشاعر والعراف واحدة دون تمييز بينهما. وتتضح هذه المرحلة في الإشارات التي ترد في ملحمة "أنساب الآلهة" حيث يقول هيسيودوس إن ربات الفنون ظهرن له على جبل هيليكون Helicon ووهبنه نعمة الصوت المقدس الذي يمكنه، ليس فقط من التغ

الهوية والتنوع (اقتباس)

صورة
Jie Ma (الهند المنفتحة أم الهند المنغلقة؟ / بقلم: سانجاي سوبرحمانيام؛ ترجمة: خليل كلفت؛ مراجعة: بشير السباعي)  وقد درس المأسوف عليه دينيس لومبار بطريقة ملائمة جدًا بنية إندونسيا في كتاب يحمل عنوانًا له دلالته : le carrefour javanais (1988) [تقاطع طرق جاوة]. وهو يعرض فيه تكوين ثقافة وفقًا لعملية تراكب: على هذا النحو نجد في جاوة طبقة من التغريب سطحية نسبيًا (نتيجة للوجود الاستعمار الهولندي) ، ثم طبقة مختلطة من التأثيرات الصينية والإسلامية، وعند مستوى ثالث طبقة من التأثير "الهندوسي"، أو على الأقل الهندي، وهكذا، وهكذا إلخ.. غير أن "أصوليًا" جاويًا، سيكون مضطرًا، عند البحث عن جذوره الأصلية الحقيقية، إلى أن يتوغل بعيدًا جدًا من أجل العثور على شيء له دلالته يكون أصيلا تمامًا من الجزيرة. فهل يمكن القول، بالتالي، إن جاوة غير موجودة، لأن كل شيء نشأ في مكان آخر؟ أم ينبغي القول على العكس، إن الخصوصية الجاوية موجودة على وجه التحديد في الطريقة التي تمتزج بها العناصر المختلفة فيها.  (ثقافة وانتقال/ بقلم: مارك أوجي؛ ترجمة: هويدا إسماعيل؛ مراجعة:

حديث الجسد (اقتباس)

صورة
Singerie: The Dance By: Christophe Huet (1739) في كافة العروض التي يقدمها الإنسان نرى صورة حية تتأمل كل ثقافة فيها الثقافة الأخرى، ومحورها دائمًا الجسد الإنساني في كافة تفاعلاته مع الآخر التي تؤثر على ردود أفعاله. فما الذي تحاكيه راقصة الاستربتيز إلا الرغبة ذاتها؟ ولكنها ليست رغبتها هي وإنما رغبة الآخر في جسدها، وما الذي يحاكيه الكاهن في قداسه إلا علاقة بالعالم الأعلى تتطلب مشاركة الأتباع، وحتى لاعب الكرة الذي يبحث عن النصر ليرضي من يساندونه من المشجعين. وبوصف آخر يقول راي أن الأجساد الاستعراضية لا معنى لوجودها إلا من خلال وعيون الآخر. وفن الإيماء يقوم على تبديل التأثيرات الطبيعية (كاللذة، الخوف، الرغبة، الاشمئزاز، وغيرها)، وهي تأثيرات خام غير متوقعة وبالتالي نقية، بغيرها من التأثيرات المعتمدة والتي تشكلها عادات ثقافة ما. [...] وبالفعل يمكننا أن نرى في هذا الفن [...] كافة ما يعبر عنه الإنسان من أحاسيس وصراعات داخلية وأفكار ونوازع. فأبسط حركة من الوجه حتى وإن تم تجميدها من خلال قناع أو تضخيمها وتثبيتها من خلال ماكياج ما، تستلزم بالضرورة القيام بالحركة العضلية التي تتوافق معها وتتمكن

أعداء الحوار (مقتطفات)

صورة
الفكرة العامة القائلة بأن اللاتسامح مرجعه الجهل لا تصمد أمام أي تحليل متأن: ففي أغلب الأحوال "يرغب" اللامتسامح في الجهل، فهو لا يشعر بأي احتياج لتعلم أي شيء ممن لا يفكرون على نفس شاكلته. إنه "يعرف" أن كل ما يعتقده هذا الآخر، كل ما يقوله أو يفعله هو خطأ ولذلك فهو لا يريد حتى أن يسمع أي شيء عنه. كثيرًا ما يتخطى اللامتسامح حدود المتعصب البسيط، فذلك الأخير لا ينوي أن يتحرك ملليمترا واحدًا عن مواقفه، ولكنه يمكنه رغم كل شيء الإقرار بشرف بأن للخصم أسبابه لكي يتصرف بمثل هذه الطريقة. أما اللامتسامح فهو لا يرضى بالتزام مواقفه. فالأمر الذي يضغط عليه أكثر من أي شيء آخر هو أن يكون على حق وأن يفرض هذا الحق على الآخرين. فاللاتسامح يحمل في طياته شحنة انفعالية عالية. شحنة ليست دائمًا أو بالضرورة شريرة، بل على العكس يمكن أن تكون شحنة مثالية. نعم؛ بالفعل هكذا: شحنة مثالية. كتب أموس أوز: "إن المتعصب هو أكثر المخلوقات غير النفعية على الإطلاق؛ يريد أن يخلصك، يريد أن يحررك، يريد أن يخلصك من زلة الخطأ، من التدخين، من إيمانك أو عدم إيمانك، يريد أن يحسن عاداتك ال

الإيروسية والشعر

صورة
بقلم: أوكتافيوباث ترجمة: المهدي اخريف قال رامبو: لقد رأيت أحيانًا ما توهم الإنسان أنه رآه. انصهار رؤية وظن. في اقتران هاتين الكلمتين يوجد سر الشعر وسر شهاداته: فذلك الذي تعرضه لنا القصيدة لا نراه بأعيننا التي من لحم بل بأعين الروح. الشعر يجعلنا نلمس ما لا يلمس ونسمعُ دوار السكون مغطيًا مشهدًا دمره السهاد. تكشف لنا الشهادة الشعرية عالمًا آخر داخل هذا العالم، العالم الآخر الذي هو العالم. والحواس بدون أن تفقد قدرتها، تتحول إلى خوادم طيعات للمخيلة فتجعلنا نسمع ما لا يسمع ونرى ما لا يدرك بالحس. أوليس هذا، علاوة على ما تبقى، هو ما يحدث في الحلم وفي لحظة اللقاء الإيروتيكي؟ نحن نعانق أشباحًا، سواء عندما نحلم أو في لحظة المضاجعة. لشريكنا جسد ووجه واسم، لكن، وبالضبط في لحظة العناق الأشد قوة، سرعان ما تتبدد حقيقته الواقعية إلى شلال من الإحساسات التي تؤول بدورها إلى التبدد. ثمة سؤال يطرحه المحبون جميعًا وفيه يتكثف السر الإيروتيكي: من أنت؟ سؤال ليس له جواب ... هي الحواس من هذا العالم وليست منه. لأجلها يخط الشعر جسرًا بين الرؤية والظن. عبر ذلك الجسد تكتسب المخيلة جسدًا والأجساد تغدو صو

الفن والحرية (اقتباس)

صورة
ولقد كان الفنان في ذلك المجتمع ومضطرًا إلى العمل في ظروف من القهر لو طبقنا عليها النظريات الجمالية التحررية الحديثة، لاستحال أساسًا إنجاز أي عمل ثقافي أصيل منذ البداية. ومع ذلك فإن بعضًا من أروع الأعمال الفنية قد ظهرت هنا في الشرق القديم، على وجه التحديد، وذلك في ظل أقسى ضغط يمكن تصوره، مما يثبت أنه لا توجد علاقة مباشرة بين الحرية الشخصية للفنان وبين القيمة الجمالية لأعماله. ذلك لأن من الحقائق التي ينبغي الاعتراف بها أن كل مقصد للفنان ينبغي أن يشق طريقه خلال شبكة شديدة الإحكام. فكل عمل فني ينتج بفضل التوتر بين سلسلة من المقاصد وسلسلة من العوامل التي تقاوم تحقيق هذه المقاصد -أعني توترًا بين عوامل مقاومة مثل عدم السماح بموضوعات معينة، ومظاهر التعصب الاجتماعي، وسوء الحكم لدى الجماهير، وبين المقاصد التي إما أن تكون قد استوعبت بالفعل عوامل المقاومة هذه، وإما أن تقف في وجهها صراحة ودون مواربة. فإذا كانت عوامل المقاومة في اتجاه معين مما يستحيل التغلب عليه، فعندئذ تتحول ملكة الابتكار لدى الفنان وقدرته على التعبير إلى هدف لا يعترض طريقه شيء، ولكنه نادرًا ما يكون لديه مجرد الشعور بأن