فن الكوميكس: مقاربة فلسفية = The Art of Comics: A Philosophical Approach



بقلم: أحمد ع. الحضري
غلاف الكتاب



     بخلاف الوضع في عالمنا العربي، تلاقي الكوميكس اهتمامًا كبيرًا من قبل الناشرين والقراء في الغرب والشرق، وتقوم حولها صناعة كاملة رائجة. لكن هذا لا يمنع كونها تلاقي أشكالًا مختلفة من التهميش؛ فرغم انتشارها تتم معاملتها كفن هامشي: الكوميكس موجودة في كل مكان، وبدأت تفوز بجوائز أدبية محترمة، وهي بالفعل تؤثر في الثقافة بدرجة كبيرة، ورغم ذلك يرفض الكثيرون التعامل معها باعتبارها فنًا مستقلًا قائمًا بذاته، بل يرونها على الأكثر باعتبارها مجرد أفلام على ورق. يشير الكتاب الذي أعرضه هنا إلى تبني البعض لنظرية في الفن تستثني الكوميكس منها.

     كتاب "The Art of Comics: A Philosophical Approach" هو كتاب مختارات يضم مجموعة من المقالات المتنوعة التي تعالج الكوميكس من زوايا فلسفية. الكتاب من تحرير "Aaron Meskin" [أستاذ محاضر في جامعة ليدز (University of Leeds.)]، وروي كوك "Roy T. Cook" [أستاذ مساعد للفلسفة في جامعة مينيسوتا (University of Minnesota)] وقدم له "Warren Ellis". صدر في طبعته الأولى عام 2012.

  
(أقسام الكتاب)

     بالإضافة إلى التمهيد الأولي القصير الذي وضعه وارن إيليس "Warren Ellis"، والمقدمة الوافية التي يناقش فيها المحرران كثيرًا من القضايا المهمة، بالإضافة إلى إلقاء نظرة عامة على محتويات الكتاب وقضاياه، ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، كل قسم يضم مجموعة من المقالات، الأقسام هي:

-     طبيعة وأنواع الكوميكس (Part One: The Nature and Kinds of Comics)

-     الكوميكس والتمثيل  (Part Two: Comics and Representation)
وتطرح مقالات هذا القسم أسئلة متنوعة: كيف تتفاعل الكلمات والصور معا في الكوميكس؟ كيف تعبر الكوميكس عن محتوى عقلي؟ هل هناك ما يمكن أن نسميه "لغة الكوميكس" 
-     الكوميكس والفنون الأخرى (Part Three: Comics and the Other Arts.)
 



(أسئلة الكوميكس)

   وفقًا للمحررين فإن هذا هو أول كتاب مختارات يهتم بفلسفة فن الكوميكيس من منظور الفلسفة الأنجلو أمريكية. الكتاب لا يخاطب فقط الأكاديميين المهتمين بفلسفة الكوميك، بل يهدف لجذب اهتمام شريحة كبيرة من قراء الكوميكس وصانعيها. ويوضح المحرران في المقدمة مجموعة من الأسباب التي قد يغدو من أجلها هذا الكتاب مهمًا؛ فالكتاب سيساعد القراء "على: تطوير فهمًا أفضل للأهمية، والقيمة المحتملة لبعض الاستراتيجيات الطليعية لصنع الكوميكس؛ وتطوير فهمًا أفضل للخيارات والصعوبات المتضمنة في تحويل الكوميكس إلى أشكال فنية أخرى والعكس؛ وأيضًا زيادة فهمنا للصلة بين الكوميكس وأشكال الفنون الشعبية الأخرى، خصوصًا الصلة بين الكوميكس والبوب آرت (Pop Art)؛ وزيادة فهمنا لطبيعة الكوميكس المعاصرة في ضوء صلاتها التاريخية مع التقاليد الأقدم للكوميكس، ومع تقاليد الأشكال الفنية الأخرى التي تطورت منها الكوميكس." ويوضحان أن الكتاب سيعامل الكوميكس ببساطة كفن دون أن يعني هذا أن كل الكوميكس هي فن بالضرورة (مثلا: الكوميكس المرسومة لتبسيط بعض القواعد والإرشادات). فالفيلم على سبيل المثال هو شكل فني، لكن ليست كل الأفلام فنًّا، وبالمثل في التصوير الفوتوغرافي والرسم. وبشكل طبيعي حتى ضمن إطار الكوميكس التي تعد فنا هناك ما لا يعتبر جيدا للغاية.

     تنتقل المقدمة إلى الإشارة إلى نوعين من الأسئلة يمكن أن يثيرها الفلاسفة عند تناولهم الكوميكس:

النوع الأول: هي أسئلة شبيهة بالأسئلة التي يسألها الفلاسفة المهتمون ببقية الفنون، مثل:
- ما الذي يجعل الكوميكس فنًا؟
-  ما العلاقة بين الكوميكس وبقية الفنون؟
-  كيف تؤثر طبيعة الخلق الجماعي للكوميكس في طبيعتها كفن؟

النوع الثاني: أسئلة برزت من الطبيعة الخاصة للكوميكس، مثل:
-  كيف يتفاعل النص والصورة من أجل إنتاج المحتوى في الكوميكس؟
-  ما الأنواع المختلفة التي توجد من الكوميكس؟ وكيف تختلف فيما بينها؟
- ما هي أهمية التتابع والتسلسل في الكوميكس؟

وبطبيعة الحال فإن الفصل بين نوعي الأسئلة بهذا الشكل لا يعني عدم وجود مناطق تداخل؛ لكن الكتاب يركز
بشكل أكبر على النوع الثاني من الأسئلة دون تجاهل النوع الأول بالكامل.

(لماذا الاهتمام؟)

يطرح الكتاب في المقدمة مجموعة من الأسباب الداعية للاهتمام بهذا الفن، ويوضح وجود فئة من هذه الأسباب يمكن أن نتعرف عليها من خلال متابعة التغيرات التي تجري في فلسفة الفن بشكل عام . فمثلا:

1-     يمكن أن نلاحظ اهتمامًا متزايدًا بتناول فلسفات الفنون في مقابل تناول فلسفة الفن. ففي الأعوام الأخيرة اهتم الفلاسفة بالمشاكل التي تنشأ تحديدًا في شكل معين من الأشكال الفنية. فكتبت كثير من الكتابات عن فلسفة الأفلام، والموسيقى والمسرح وغيرها. 


2-     رغم تركيز التوجه التقليدي في فلسفة الفن على ما يسمونه بالفنون الراقية أو الجميلة (“high or “fine” art)؛ فقد نشأ اهتمام متزايد لتناول الفنون الجماهيرية (popular or mass art) من قبل فلاسفة الفن.

3-     برز مؤخرًا الاهتمام بفكرة تداخل الفنون، والتي طرحت كثير من التساؤلات فيما يخص التوجهات التقليدية التي تعتبر أن الأشكال الفنية نقية ومتمايزة، ويمكن في هذا السياق اعتبار الكوميكس نموذجًا مهمًا لمفهوم الأشكال الفنية الهجينة أو المختلطة (hybrid art form.) يعرف جيرولد لافينسون (Jerrold Levinson) الفنون الهجينة كما يلي: "الأشكال الفنية الهجينة هي الأشكال الفنية التي تنشأ من الدمج الفعلي أو التداخل بين أشكال أقدم". ورغم أن بعض فلاسفة الفن يرفضون النظر إلى الكوميكس كفن هجين، إلا أنه من الواضح أنها هجينة بهذا المفهوم، فهي تنشأ من دمج تقنينات وتكنيكات مرتبطة بكل من: الرسم، والكاريكاتير، والسرد القصصي، والطباعة، والنثر، والمسرح، والجرافيك ديزاين (graphic design) ...

4-     الكوميكس هي شكل خاص وذو أهمية متفردة من تداخل الأشكال الفنية، فالناتج صار أكبر من مجموع الأجزاء المأخوذة من الأشكال الأصلية التي تطور عنها. وقد نشأت نتيجة هذا التطور ثروة من التقاليد التي تحكم كل ما يخص هذا الشكل، منها على سبيل المثال: موضع اللوحات، وحدودها، وبالونات الحوار والتفكير، وصناديق السرد، وسطور المؤثرات الصوتية، وسطور الحركة ...  إلخ. ومن المثير للاهتمام أن هذه التقاليد تتنوع من ثقافة لأخرى (المانجا على سبيل المثال -وهي قصص مصورة يابانية تتميز بنمطها الخاص والمميز- تختلف بشكل كبير عن الكوميكس الغربية). ولهذا فالفلاسفة المهتمون بدور التقاليد في الفن، لن يجدوا مجال اختبار أفضل من الكوميكس. 

(فلسفة الكوميكس؟)

     مقارنة بتطور الكوميكس نفسها فإن الدراسات حول الكوميكس متأخرة، وإذا أجرينا مقارنة سريعة بين الدراسات التي تجرى حول فلسفة الكوميكس والدراسات التي تجرى على الأشكال الفنية الأخرى -كالأفلام مثلا- فإن التطور هنا بطيء كذلك. ربما يرجع بعض هذا البطء إلى النظرة الدونية التي يتم بها النظر إلى الكوميكس كنوع. كذلك الافتقار إلى أعمال 
مهمة قبل نشر ماوس (Maus) التي حصلت على جائزة البوليتزر "The Pulitzer Prize". وفيما يخص الدراسات الفلسفية فقد كان هناك أثر للنزوع لدراسة الأسئلة العامة حول الفن، بدلا من الدراسة المتعمقة في  كل فن على حدة. لكن يبدو أن السبب الأهم هو الفشل في التعرف على الموضوعات الخاصة والمتمايزة التي تبرز في  الكوميكس كنوع، والتي تبرر الحاجة إلى دراسته. وإذا كان هذا السبب صحيحًا فإنه من أجل الدفاع عن فلسفة للكوميكس، يبرز احتياجٌ ملحٌ إلى إضاءة عدد من المشكلات الحقيقية التي يطرحها الشكل الفني: مشاكل غير عامة إلى الدرجة التي يمكن فيها  التعامل معها في إطار فلسفة الفن، ولا مألوفة بحيث يكون قد تم تناولها بالفعل في فرع آخر من فلسفات الجمال. 

     كان تعريف الكوميك هو الاهتمام الأول للفلاسفة الذين تناولوا هذا الشكل الفني؛ فعلى الرغم من السهولة الخادعة التي تتبدى لأول وهلة فإن الكثير من الصعوبات غير المتوقعة تبرز عند النظر والنقاش الفلسفي؛ فنحن عادة ما نتعامل مع مصطلح كوميكس بشكل موسع، ونفهم هذا المصطلح على أنه يغطي: الروايات المصورة  "graphic novels"، وشرائط الكوميكس في الصحف "newspaper strips"، ورسوم نكتة الإطار الواحد "single-panel gag cartoons "، وكوميكس الأبطال الخارقين "superhero comics"، والكوميكس الرومانسية "romance comics"، وكوميكس الغرب الأمريكي "western comics"، والكوميكس المنشورة على الإنترنت "web-comics"، والمانجا "manga" ... وكثير من الأنواع الأخرى. 

     ورغم هذا الفهم الواسع للمصطلح يؤكد الكتاب في المقدمة على ضرورة عدم التعامل معه كمصطلح يضم كل شيء، فبعض الأشكال التي قد تتشابه بشكل سطحي مع الكوميكس ليست كوميكس. لكن في نفس الوقت الحدود الفاصلة غير مرسومة بدقة، ولمعرفة هذه الفواصل والفروق لا بد من تعريف الكوميكس بشكل دقيق. 

     العمل الأكثر تأثيرًا في ازدهار فلسفة الكوميكس كان هو نفسه كتاب كوميكس، قام من خلاله سكوت ماكلاود "Scott McCloud" - كتاب Understanding Comics: The Invisible Art- باستكشاف طبيعة فن الكوميكس مستخدمًا الكوميكس نفسه كوسيط للتعبير؛ وهو كتاب يناقش كثير من القضايا المهمة، لكنه معروف بشكل أكبر بسبب طرحه المفصل للتعريف المعقد والذي يتم مناقشته كثيرًا للكوميكس. يزعم ماكلاود أن الكوميكس هو: "لوحات أو صور متجاورة موضوعة في تسلسل مقصود منه نقل معلومات و/أو إنتاج أثر جمالي لدى المتلقي" لا بد أن ندرك أن هذا التعريف محايد فيما يخص المحتوى، والوسيط التكنولوجي المستخدم، على العكس من تعريف David Kunzle على سبيل المثال الذي يتحدث عن "وسيط جماهيري" وعن طبيعة أخلاقية أو موضوعية مزعومة. 

     لكن بتركيزه على الطبيعة التعاقبية (sequential) للكوميكس اعتبر سكوت ماكلاود "Scott McCloud" أن الرسوم الموجودة في مقابر المصريين القدماء في القرن الثالث عشر قبل الميلاد هي كوميكس، وبالمثل رسوم نسيج بايو (Bayeux Tapestry)  التي تلتها بفترة كبيرة والتي وجدت في القرن الحادي عشر الميلادي اعتبرها أيضًا كوميكس. ويستنتج المحرران أن توجه ماكلاود هنا كان بغرض إبراز أهمية الكوميكس من خلال تعريف بعض التحف الفنية ذات الأهمية غير المنكورة على أنها كوميكس. لكن بصرف النظر عن دقة هذه النظرة أو عدمه، ففي الحقيقة لا يوجد أي أثر معروف لهذه الأعمال على تطور الكوميكس الموجودة اليوم.

     لم يكن ماكلاود هو الفنان الوحيد الذي كانت له أعمال نظرية تهم الفلاسفة، فويل أيزنر "Will Eisner" مؤلف الكوميك الكلاسيكي "The Spirit" وواحد من أوائل من صنفوا أعمالهم تحت مصطلح الرواية المصورة (graphic  novels) في كتابه Comics and Sequential Art (1985/1990) زعم  أن "الكوميكس نمط من القراءة لكنه أيضًا ركز على الجوانب البصرية للعناصر النصية. وقد أولى كذلك اهتمامًا خاصًا في  كتابه للعناصر التعبيرية "expressive"، والتمثيلية "representational"، وا
لجمالية "aesthetic"، للوحة وتصميم الإطار.

     في كتاب جماليات الكوميكس "In The Aesthetics of Comics" المنشور عام 2000، كتب ديفيد  كارير David Carrier أول معالجة فلسفية طويلة لفن الكوميكس. وكارير فيلسوف تحليلي، ومؤرخ فني، وناقد فني معروف، ويمكن النظر لعمله على أنه مناقشة للعلاقة بين الكوميكس وفن الرسم التقليدي؛ يتضمن الجزء الأول من دراسته جدلًا موسعًا لرؤيته الشاذة والمنتقده كثيرًا للكوميك، والتي ركز فيها على ثلاث صفات أساسية مزعومة: بالونات الحوار "speech balloons"، والسرد المترابط بشدة "closely-linked narrative"، ومقياس حجم الكتاب "book-size scale". وهو أيضًا يرى أن الكوميكس فن ما بعد تاريخي (post-historical art)، بمعنى أنه لا يحتاج ولا يستطيع أن يتطور. بالطبع كانت ادعاءات كارير خلافية؛ لكن يظل العمل الفلسفي المعاصر المهتم بالكوميكس مدينًا بشكل كبير رغم ذلك للبحث الجاد الذي قام به كارير في قضايا فن الكوميكس.

     التعريفات المقدمة
من كل من ماكلاود وكارير تم انتقادها من قبل جريج هايمان Greg Hayman وهنري جون برات  Henry John Pratt في كتاب "ما هي الكوميكس؟ "What Are Comics?" المنشور في 2005. ورغم أن المؤلفان هنا يقدمان أيضًا تعريفًا يتحيز للجوانب الشكلية بطريقة تشبه تعريف ماكلاود، إلا أن  اختلافًا أساسيًا يكمن في التركيز الذي وضعاه على السرد. هايمان وبرات يريان أن الكوميكس هي بشكل أساسي سرد مصور متسلسل.

     في كتابه "تعريف الكوميكس" "Defining Comics?" المنشور في 2007، يرى ميسكين Meskin أن التعريفات الموضوعة للكوميكس (بما فيها تلك التي قدمها كل من: كنزل Kunzle، وماكلاودMcCloud، وكاريرCarrier  تعاني من وجود أمثلة مضادة صريحة "straightforward counterexamples" (المقصود أنه يمكن العثور على أشكال من الكوميكس التي لا تنطبق عليها هذه التعريفات بشكل ما) وهو يقترح تجنب مسألة التعريف من أساسها، معتبرًا أنه لا يوجد سبب يدعونا إلى أن نعتقد بوجود مهام نظرية جادة تفتقر إلى وجود هذا التعريف. 

     ويؤكد جون هولبو John Holbo في الفصل الأول من الكتاب على عدم اتفاقه مع ماكلاود ويوضح أنه من الأفضل أن نفكر في تعريفه على أنه يعبر فقط عن فئة محددة من الكوميكس، هي: "الأعمال الرسومية" "graphical work"، وهي ليست كل الكوميكس. 

صفحة من العدد 663 من باتمان
     يعالج روي كوك "Roy T.Cook" نفس النقطة في مقاله المنشور عام 2011 بعنوان :"هل الكوميكس مصورة بالضرورة؟ أو لماذا نعتبر العدد رقم 663 من باتمان كوميكس" "Do Comics Require Pictures? Or, Why Batman #663 is a Comic"، وهو يناقش في المقال مسألة وجود الصور، ويشكك في محوريتها، ويرى أنه على الرغم من انتشار النظر للكوميكس على أنه تتابع صور، إلا أنها نظرة غير شاملة. وهو  يستعين بالعدد رقم 663 من سلسلة باتمان ليوضح ضعفها أو على الأقل عدم دقتها. (العدد المذكور لا يعرض الحدث من خلال تتابع الصور التقليدي في أغلب الكوميكس، بل يعرضه من خلال سرد نصي، مصحوبًا بصور وظيفتها مختلفة بشكل كبير عن المعتاد في الكوميكس الأخرى)


(الكوميكس والفنون الأخرى)

     في القسم الثالث والأخير: يبحث المساهمون علاقة فن الكوميكس مع نوعين فنيين مختلفين، كثيرًا ما يتم مقارنته معهما:  الفيلم، والأدب.

      لا يمكن بحال تجاهل العدد المتزايد من الأفلام التي تعتمد على الكوميكس، ولا الشخصيات التي تم تبنيها من الكوميكس في أفلام. ويتساءل في هذا السياق هنري جون برات "Henry John Pratt" عن سر شعبية الكوميكس كمصدر يتم استلهامه في الأفلام. وهو يبرز (ضمن عوامل أخرى) نقاط التشابه بين الكوميكس والأفلام كسبب لكون الكوميكس مناسبة أكثر من غيرها لتتحول إلى أفلام. ومن ضمن هذه التشابهات التي يرصدها: اتجاه كل من النوعين إلى السرد عن طريق الصورة بدلا من الحكي أو الكلام التقليدي. 

     وفي فصل تالٍ يتناول روي كوك Roy T. Cook نفس الموضوع من زاوية أخرى، مؤكدًا أنه على الرغم من التشابهات الموجودة إلا أنه من الخطأ أن نفترض أن النظريات، والتقنيات، والأدوات التي تستخدم في عمل الفيلم هي نفسها التي نحتاجها في عمل الكوميك. بمعنى آخر نحتاج إلى أن نفصل نظرية خاصة للكوميكس لكي نستطيع التعرف على الأعمال التي تنتمي لهذا الشكل الفني. 

     وفي فصل آخر يركز ديفيد كارير (David Carrier) على العلاقة العكسية، أي تبني أعمال فنية من أجناس أخرى وتحويلها إلى كوميكس؛ فهو يتناول  السمات المميزة للكوميكس كشكل فني من خلال إبراز العلاقة بين "البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست، والكوميكس الذي كتبه "Stéphane Heuet" معتمدًا عليها. وهو يوضح كيف قام هويت بنجاح بمهمته الصعبة التي تتمثل في تحويل نص بروست إلى شكل الكوميكس، مبرزًا في هذا السياق كيف تختلف الكوميكس عن الروايات فيما يخص مواردها الفنية وأثرها. ورغم أنه يؤكد أن أي رواية يمكن تحويلها إلى كوميكس، فإن إمكانيات الكوميكس كوسيط والتي تعرض المشهد بدلا من أن تحكي، يعني ضمنًا أن لها إمكانيات وقيود جمالية مختلفة عن الموجودة في الرواية.

     أما آرون ميسكين "Aaron Meskin"، فيناقش في مقال "الكوميك باعتباره أدبًا؟" "Comics as Literature?" الافتراض المنتشر بأن الكوميكس شكل أدبي، وهو يورد كلا من الآراء المؤيدة والمعارضة، ليصل في النهاية إلى صعوبة الإجابة على هذا  السؤال، لكنه يصل إلى أن فن الكوميكس هو شكل فني هجين (hybrid art) منحدر من فنون مختلفة.
______________

اقرأ أيضًا:
آلان مور

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

ألبرت أينشتاين وميليفا ماريتش: قصة حب (اقتباس)

قصائد من الشعر الأفريقي المعاصر