المشاركات

خطايا صغيرة

صورة
أذكر أنني قرأت منذ سنين قصة من أكثر قصص تشيكوف تميزًا، قصة لا أستطيع أن أجدها الآن، ولكنها لا بد أن تكون قصة مبكرة [...] في أحد الليالي المطيرة ذهب شاب لزيارة عشيقته. وهي امرأة متزوجة غالبًا ما يتغيب زوجها، وبعد أن جعل التاكسي ينصرف يفتح له الزوج، مما يرعبه، ويقدم بعض الاعتذارات، ويقف في الخارج بائسًا تحت المطر ممسكًا بباقة الزهور التي أحضرها. وأخيرًا، ولكي يحتمي من المطر، تقدم إلى الباب مرة أخرى متظاهرًا بأنه رسول من تاجر الزهور وفي تلك اللحظة تخرج الزوجة من حجرة النوم، وتصيح قائلة أنها كانت في انتظاره. وبعد أن يقوم بزيارته يخرج من جديد مارًا بالزوج، وهو في حالة تزيد عن حرجة في أي وقت آخر.  لكأننا بالنسبة إلى ثلاثة أرباع القصة نقرأ بوكاشو أو موباسان، وننتظر بسرور بالغ الخدعة التي سيتغلب بها العاشق أو العشيقة على الزوج المخدوع الغيور. ولكن كأنما ألقى تشيكوف فجأة بيده فيها ورفض أن يستمر في اللعب. لا، إن الزوج ليس غيورًا، والزوجة ليست محرجة. إن العاشق هو الذي ينصرف ببرغوث في أذنه لأنه رجل عادي وساذج، حقًا إنه لم ينظر أبدًا إلى الخيانة الزوجية بهذه الطريقة. إن تشيكوف لم يهاجم ال

عن موت القصة والرواية

صورة
غلاف إحدى طبعات الكتااب الإنجليزية لقد قيل لنا أن الرواية ماتت. وأنا على يقين أن بعضهم قد قال نفس الكلام بالنسبة للقصة القصيرة. وأخشى أن هذا القول غير ناضج. وأنا أكثر استعدادًا لقبول القول بأن الشعر والمسرح قد ماتا. ويجب ألا أكون شديد التحمس حتى فيما يتصل بهذا، ولكن ينبغي أن أكون مستعدًا للتسليم بأنهم لما كانا فنين بدائيين فإن قضيتهما محتاجة إلى دفاع. غير أن الرواية والقصة القصيرة تطوير جذري لقالب فني بدائي ليتفق مع الحياة الحديثة، ليتفق مع الطباعة والعلم والديانات الخاصة. ولا أدري أية إمكانية أو سبب لحلول شيء محلهما، إلا إذا حدث تحول عام في الثقافة، وحلت محلها حضارة الدهماء. وأفترض أنه لو حدث هذا فسنضطر جميعًا إلى الذهاب إلى الأديرة، أو إذا لم تسمح حضارة الدهماء فإلى سراديب الموتى وإلى الكهوف. ولدي إحساس بأنه حتى هناك سيرى أكثر من عابد قابضًا على نسخة بالية من رواية "كبرياء وتحامل"، أو على "القصص القصيرة لأنطون تشيخوف".  مقطع من:  الصوت المنفرد: مقالات في القصة القصيرة فرانك أوكونور ترجمة: محمود الربيعي القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993

اصطدام

صورة
فإذا ما اخترق غلاف الأرض الجوي أحد الكويكبات بسرعة تبلغ عشرين كيلو مترًا في الثانية (72000 كيلو مترًا في الساعة) فسيصل سطح الأرض بعد ثوان من الاختراق، هنا سيسمع صوت اصطدامه كفرقعة هائلة -فرقعة إذا ما قورنت بفرقعة انفجار قنبلة هيدروجينية فستكون مثل ثورة بركان سانت هيلين مقارنة بصوت إطلاق بندقية أطفال -صوت هو أبعد بكثير جدّا من كل ما خبره البشر على الإطلاق. سيحمل الصوت كحشد من الأمواج الصاخبة، وستعم الزلازل أرجاء الأرض جميعًا. ولو سقط الجسم في البحر، فستنطلق الأمواج عبر المحيطات بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة، لتشكل حوائط هائلة من الماء – قد يصل ارتفاعها إلى مائة متر- تكتسح شواطئ القارات. ولو أنه سقط على اليابسة إذن لأحدث حفرة ربما بلغ اتساع فوهتها 200 كيلومتر، لتنثر مادة الأرض تدريجيا – على مدى فترة طويلة- إلى الغلاف الجوي، ثم تسقط كغبار على الأرض. كما أن مرور جسم غني بالطاقة خلال الغلاف الجوي سيسبب تفاعلات كيماوية في الهواء نفسه، كما قد تحدث تفاعلات كيماوية عقب انتثار الغبار، وربما انبثقت الصخور المصهورة من تحت قشرة الأرض عن البراكين الثائرة بسبب هذه الهزة العنيفة. 

الديناصور

صورة
كان السير ريتشارد أوين – الإنجليزي عالم التشريح والحيوان- هو من صاغ في عام 1841 اسمًا لهذه الرتبة من الحيوانات، فضم الكلمتين اليونانيتين: دينوص (وتعني الرهيبة)، وصورص (وتعني السحلية) في كلمة واحدة هي دينوصور. حسنًا، لقد أعطينا هذه الجثث الاسم، ولكن هل عرفنا هويتها؟  كان الناس على مر التاريخ يعثرون على ما يبدو عظامًا ماردة، وكانت هذه العظام تفسر -فلابد من تفسير لها- على أنها بقايا مردة. كانوا يعتقدون أن سلالات عملاقة من البشر -أم نقول من شبيهات البشر- كانت تعمر الأرض من زمن طويل، يصاحبها أشكال ماردة من الحيوانات الموجودة الآن. ثمة أحفورة شهيرة تعرفوا عليها – وتأكدوا منها على ما يبدو- كانت هي "غراب سيدنا نوح". ويبدو أننا لو عرفنا الحقيقة فسنجد أن كل أساطيرنا عن العمالقة وعن العمالقة من جنس البشر في المناطق الملائمة لحفظ الأحافير -إنما ترجع إلى اكتشاف مثل هذه العظام، بجانب آثار الأقدام المحفوظة هنا وهناك. فالعظام وآثار الأقدام لم تكن إذن تشكل أية صعوبات فلسفية للناس في العصور القديمة. لا ولم تسبب أية صعوبات لمعظم الناس في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؛

الرسم ليس صعبًا !

صورة
اللوحة لفرانك موريسون (Frank Morrison) [...] مدرسة للرسم بجامعة كاليفورنيا هي بيتي إدواردز. ففي عام 1979، نشرت إدواردز كتابً رائعًا بعنوان DRAWING ON THE RIGHT SIDE OF THE BRAIN (أو الرسم على الجانب الأيمن من المخ). رفضت إدواردز فكرة أن بعض الناس ببساطة ليست لديهم موهبة الرسم أو مهارات فنية، حيث قالت: "الرسم ليس صعبًا جدًا في الحقيقية، الرؤية هي المشكلة". وسر الرؤية - الرؤية الحقيقية- يكمن في تهدئة جانب المخ الأيسر المتعالم والنزاع إلى السيطرة، وبالتالي يتمكن جانب المخ الأيمن اللطيف الرقيق من إظهار سحره. ومع أن البعض قد اتهم بيتي إدوراد بالإفراط في تبسيط المسألة، إلا أن كتابها قد أصبح من الكتب الأكثر مبيعًا، وجزءًا لا يتجزء من مناهج تدريس الفن. المقطع من كتاب:  عقل كامل جديد: لماذا سيحكم المبدعون المستقبل دانيال اتش. بينك الرياض: مكتبة جرير 2010 ____________________ اقرأ أيضًا:  *  مقتطفات من كتاب "المخ الجديد" لريتشارد ريستاك *  المخ والأحلام (مقتطفات)

الهزات الحضارية

صورة
غلاف الطبعة الإنجليزية إن الهزات الحضارية التي تحدث بصورة منتظمة في تاريخ الفن والأدب والفكر هي أقرب ما تكون إلى الهزات الزلزالية التي يمكن تقسيمها ثلاث أنواع رئيسية: النوع الأول: هو ما يمكن تسميته بالهزات البسيطة (Tremors) التي تتعلق بالمودة أو "التقليعة" التي غالبًا ما تأتي بها الأجيال المتعاقبة. تستمر "التقليعة" مدة لا تزيد عن عشر سنوات. والنوع الثاني من الهزات هو ما يمكن نعته بالإزاحات الكبيرة (Displacements) التي تمتاز بالتحولات العميقة والواسعة التي تخلفها وراءها وغالبًا ما يستمر تأثيرها مدة طويلة تقاس بالقرون. والنوع الثالث هو ذلك النوع المدمر الكاسح (Cataclysm) الذي يقوض ساحات واسعة من البناء الحضاري والفكري ويترك أكوامًا من الأنقاض (التي نعلل النفس بنعتها ب"الأطلال النبيلة") تستثير الهمم لبناء بديل. هناك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها وهي أن القرن العشرين جاء بنوع جديد من الفن، وما هدف هذا الكتاب إلا محاولة إماطة اللثام عن بعض الخصائص الحاسمة لهذا الفن. إننا نعتقد بأن هذا الفن الجديد جاء نتيجة لهذا النوع من الهزات الكاسحة (Cataclysmic order) أو ر

حصان سباق في عالم بلا حلبات سباق (مقاطع)

صورة
سيلفيا بلاث في عام 1957 أصابني الصمت بالكآبة. لم يكن صمتَ الصمتِ. كان صمتي أنا.  أدركت تمامًا أن السيارات كانت تحدثُ ضحيجًا، وأن الناس الذين بداخلها، والذين خلف نوافذ البنايات المضاءة، يحدثون ضجيجًا أيضًا، لكني لم أسمع شيئًا. كانت المدينة معلقة بنافذتي، منبسطة كملصق إعلاني تلمعُ وتومضُ، ولعلها لم تكن هناك أصلا، رغم الأشياء الجيدة التي أنعمت بها عليّ.  *** *** *** كان الشيء الوحيد الذي أتقنه هو الفوز بالجوائز والمنح الدراسية، وكانت تلك الفترة على وشك الانتهاء.