حصان سباق في عالم بلا حلبات سباق (مقاطع)


سيلفيا بلاث في عام 1957


أصابني الصمت بالكآبة. لم يكن صمتَ الصمتِ. كان صمتي أنا. 
أدركت تمامًا أن السيارات كانت تحدثُ ضحيجًا، وأن الناس الذين بداخلها، والذين خلف نوافذ البنايات المضاءة، يحدثون ضجيجًا أيضًا، لكني لم أسمع شيئًا. كانت المدينة معلقة بنافذتي، منبسطة كملصق إعلاني تلمعُ وتومضُ، ولعلها لم تكن هناك أصلا، رغم الأشياء الجيدة التي أنعمت بها عليّ. 

*** *** ***

كان الشيء الوحيد الذي أتقنه هو الفوز بالجوائز والمنح الدراسية، وكانت تلك الفترة على وشك الانتهاء. 

شعرتُ كما لو أنني حصان سباق في عالم بلا حلبات سباق، أو أحد أبطال كرة القدم في الجامعة، وهو يوَاجه – فجأة – ببزات رجال الأعمال وعالم وول ستريت، وقد ولت أيام مجده، لتصبح مجرد كأس ذهبية صغيرة على رف مستوقد، وقد نُقش عليها تاريخ يشبه تاريخًا نقش على شاهد قبر. 

شاهدتُ حياتي تتفرع أمامي مثل شجرة تينِ تلك الحكاية. 
ومن طرف كل غصن، مثل تينة أرجوانية ممتلئة، كان مستقبل رائع يومئ لي ويغمز لي بطرف عينيه. كانت إحدى التينات زوجًا ومنزلا سعيدًا وأطفالا، وأخرى شاعرة مشهورة، وثالثة أستاذة جامعية متميزة، ورابعة إي جي المحررة المدهشة، وخامسة أوروبا وأفريقيا وجنوب أمريكا، وسادسة قسطنطين وسقراط وأتيلا وحفنة عشاقٍ آخرين بأسماء غريبة ومهن غير عادية، وسابعة بطلة الفريق الأولمبي للسيدات، وكانت فوق كل تلك الثمرة ثمارٌ أخرى لم أستطع تمييزها. 

رأيتني جالسة في منشعب أغصان شجرة التين تلك، أتضور جوعًا حد الهلاك، ذاك أنني لم أقرر أي الثمار أختار. كنت راغبة في كل واحدة منها، غير أن اختيار واحدة يعني التخلي عن الأخريات. جلست هناك عاجزة عن اتخاذ القرار المناسب، فراحت الثمار تذبل وتسود؛ ثم سقطت واحدة واحدة بين قدميَّ. 

من رواية: 
الناقوس الزجاجي

سيلفيا بلاث
ترجمة: توفيق سخان
مراجعة تحسين الخطيب
كلمة؛ أبو ظبي للثقافة والتراث



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

فن الكم = Quantum art

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات