المشاركات

عصر السريالية (مقتطف)

صورة
بقلم: والاس فاولي أصبحت كلمة "سريالية" تشير إلى مرحلة تاريخية معينة، مع أنها لم تدخل لغة المعاجم إلا منذ وقت وجيز. وهي تستعمل بصورة جامعة مانعة لوصف تلك الحركة الفنية التي اتخذت من باريس مركزًا لها في فترة ما بين الحربين العالميتين 1919-1939. لقد كانت السريالية في عشرينيات هذا القرن وثلاثينياته حركة منظمة ذات طبيعة ثورية ترفض القيم والأعراف القديمة، ولها قادتها ومريدوها، وبياناتها ومنشوراتها، كما كان لها معارضها وتظاهراتها. في تلك السنوات صارت حركة عالمية حتى أن أربعة عشر بلدًا اشتركت في معرضها الذي أقيم سنة 1938.  ولكن للسريالية (فوق الواقعية) معنى آخر، قد يكون أبديًا، كما أن لها مضمونًا يتجاوز مضمون جماعة أندريه بريتون التي خلفت الدادائية حوالي عام 1924. وفي تقسيمنا لهذا الكتاب حافظنا على النسبة العادلة بين الإنجازات التاريخية لسريالية القرن العشرين من ناحية، ومعناها الفلسفي الأعمق من ناحية أخرى. لذلك سنتناول في بعض الفصول السرياليين الذين يعتبرون أنفسهم مؤسسي الحركة، أمثال بريتون وإليوار، بينما نتناول في الفصول الأخرى الفنانيين الذين كانوا قري

الرسم الصيني (مقتطفات)

صورة
وفقًا لطريقة وأسلوب الرسم ينقسم الرسم الصيني التقليدي إلى رسم قونق بي والرسم التعبيري بالحبر.  رسم قونق بي هو "رسم الخطوط الدقيقة". خطوطه منتظمة ودقيقة، يهتم برسم المنمنمات، ثم زخرفتها بألوان ثقيلة زاهية. معظم أصباغه من المعادن،، لذا تبقى وقتًا طويلًا، ولا يذهب لونها. ولأن هذا الرسم يبدو زاهيًا فخمًا، لذلك كان الرسامون يستخدمونه في البلاط الإمبراطوري على مدار تاريخ الصين تعبيرًا عن عظمة وجلالة الأباطرة.  الرسم التعبيري هو "رسم الخطوط الغليظة"، يعبر عن ملامح هيئات الأشياء بخطوط مختصرة، ولا يركز على التشابه الدقيق للمرسومات. والرسام يستخدم دائمًا الأساليب المختصرة والمبالغة والتخيلية في التعبير عن مشاعره، وشخصيته. لذلك لهذا النوع من الرسم نوع من الارتجال والعفوية ويحقق أحيانًا نتائج غير متوقعة، يصعب تقليده، يرسم بالحبر المائي، فيبدو رزينًا وبسيطًا، وفي الفترة الأخيرة يحتل هذا الرسم نسبة كبيرة من أعمال الرسم الصيني.  في بواكيره الأولى قبل القرن الثاني عشر، كان الرسم الصيني كله من رسم قونق بي بالألوان الثقيلة، بينما معظمه في الفترة المتوسطة والأخيرة ينتمي

بهجة الشعر (اقتباس)

صورة
بقلم:  ديلان توماس وجربت يدي الغرة، كل شكل شعري تقريبًا،  فكيف يمكنني أن أتعلم سر الصنعة إذا لم أحاول أن أقوم بالعمل بنفسي! تعلمت أن الأساليب الرديئة تأتي بسهولة، أما أسرار الصنعة الجيدة التي تساعدك في قول ما تظن أنك ترغب في قوله بأكثر الطرق المؤثرة ذات المعنى، فما زلت أتعلمها –في صحبة جادة عليك بتسمية هذه الوسائل بأسماء مختلفة: حيل تكتيكية مثلا، أو تجارب في فن نظم الشعر ... إلخ.  *** *** *** لوحة بعنوان بعث ( Resurrection ) للفنان صلاح عناني أنا أستخدم كل شيء لأجعل قصائدي تعمل وتسير في الاتجاه الذي أريده لها، وسائل قديمة أو جديدة، تورية، كلمات منحوتة أو مركبة، تناقض ظاهري، إشارات تلميحية، جناس، استعمال الألفاظ استعمالا خاطئًا، العامية، التناغم السجعي، القوافي اللينة، التناغم المطلق المفاجئ، كل حيلة أو وسيلة موجودة في اللغة يمكنك أن تستخدمها إذا أردت، على الشعراء أن يمتعوا أنفسهم أحيانًا، تحريف ولف الكلمات، واختراع ونحت كلمات جديدة .. كلها أجزاء من عملية الفرح التي هي جزء من العمل المؤلم الإرادي. 

ماذا لو؟

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري يحكي «ديدرو» في «رسالة حول العميان»، عن حدَّاد أعاد له الطبيبُ نَظَرَه الذي حُرِم منه طوال عمره. كان قد تعوَّد طوال خمسة وعشرين عامًا أن يتحرَّك ويتعامل مع العالم فقط بواسطة حواس السمع واللمس والشم والتذوق؛ فلما عاد له نظره صار لفرط ارتباكه يغلق عينيه حتى يتمكَّن من التعامل مع العالم الذي تعوَّده، أو بالأحرى لكي يتجنَّب التعامل مع ارتباكات الحاسة الجديدة التي لا يعرف كيف يتعامل بها بَعْدُ. يذكر «ديدرو» كيف اضطر الطبيب إلى إجباره في أوقاتٍ على فتح عينيه حتى يتمكَّن من التدرب على الرؤية؛ «فكان «دافيل» يقول له وهو يُوسِعُه ضربًا: هلَّا نظرتَ أيها الفَظُّ؟!» James Christensen من ضمن الأمور المثيرة للاهتمام والفضول عند التفكير في مسألة العمى، هو ما نتعلَّمه عن أنفسنا عندما ننظر إلى حال مَنْ فَقَدَ بصَرَه. نُصَابُ بالدهشة في أوقاتٍ كثيرةٍ مِنْ حِدَّة ودِقَّة استغلالِهِ لحواسِّه الأخرى، بشكلٍ قد نظنُّ بشكلٍ تلقائيٍّ أنه غير ممكن. لكنَّ جانبًا آخر مثيرًا للاهتمام يُلِحُّ علينا في هذا السياق، هو الطريقة التي يتمثَّل بها شخصٌ وُلِدَ أعمى العالمَ. يقول «ديدرو»: «

زجاجٌ نصفُ معتم

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) تتحدَّثُ مع صديقٍ لك، فتُحسُّ أن ما تريدُ قوله يقف تقريبًا في متناول أصابعك، تكادُ أن تمَسَّه، لكنكَ لا تستطيع، تتلجلج لوهلةٍ، كأنَّ الكلمات تقفُ على طرف لسانك، لكنها لا تريدُ أن تخرج، فتبدأ من جديد: «كأن …» اللوحة لفان جوخ vincent van gogh الشِّعرُ أحيانًا كالحُلم؛ مليء بالسِّحر، لكنه لا يخلو من الغموض، وكالحلم الذي تعلَّمنا ألا نُشيح بأنظارنا عنه حين لا نفهمه بالكامل، سنُعيدُ قراءة القصيدة مرةً ومرة، حتى نتواصل معها، دون أن نتأكَّد من معناها بالكامل أحيانًا. ينظرُ أحدهم إلى النص، فيصرفُ نظرَه عنه سريعًا؛ قد يقولُ البعض كما قيل لأبي تمام: «لمَ لا تقولُ ما يُفهم؟!» سيُراهنُ آخر على أن الشاعر نفسه لا يعرف معنى ما كتبه؛ يتحيزُ هنا للسهل، والواضح، والبسيط، مع أن الحياة ليست واضحةً دائمًا، وأحيانًا أنتَ لا تفهم ما في داخلكَ بشكلٍ كامل.كأعمى يحاول أن يعرِّف العين، أو المرآة، أو المصباح، ستحاولُ أن تتحدَّث عن هذا الذي لا تستطيع الإمساكَ به بشكلٍ كامل، من خلال استخدام مفرداتٍ وصورٍ لأشياء تعرفها، وتَألَفُها. سيغدو المعنى أحيانًا عصفورًا عنيدًا، يه

الفاشية في تاريخ أوروبا (مقتطفات)

صورة
بقلم: بيير ميلزا الفاشية هي أساسًا ظاهرة أوروبية، سواء كانت في الشكل المكتمل، الذي تميزه الديكتاتوريات الشمولية لفترة ما بين الحربين، أو في الشكل الجنيني للحركات التي غالبًا ما توصف بما قبل الفاشية، والتي تطورت في العديد من دول العالم القديم عند ملتقى القرنين التاسع عشر والعشرين. وسواء شئنا أم أبينا، فهي مرتبطة دائمًا بتاريخنا. فهي من نتاج تاريخنا المشترك. وعلى هذا النحو - أيًا ما كان الألم الذي يسببه اختبار الذاكرة- ينبغي مجابهتها، ليس كعرض عابر أو ك"مرض أخلاقي مقحم، في جسم سليم، حسبما اعتقد بنيديتو كروس Benedetto CroceK، لكن كذروة مسلك أيديولوجي وثقافي متجذر في تاريخ أوروبا المعاصرة، وذلك للتمكن من فهم آعمق وتحقيق استجابة أكثر فعالية إزاء الانبعاثات المحتملة، وإن لم تكن مناسبة مسبقًا لشياطين قدامى أمكن الاعتقاد بأنها لن تلاحق سوى الذاكرة المتحجرة لبعض من يحن إلى "النظام الجديد" الهتلري. ... الفاشية والبربرية التي ولدتها، لا سيما في قالبها الهتلري، ليستا غريبتين عن أوروبا. ولدت الفاشية في أوروبا. وتطورت صباح اليوم التالي للحرب العالمية الأولى في سياق أوروبي بشكلٍ

الرهان على ديلان

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري في بداية مقال مثير للاهتمام نُشر في موقع New Republic قبل أسبوع تقريبًا من إعلان جائزة نوبل للآداب يُذَكرنا أليكس شيبارد (Alex Shephard) بالمفاجأة التي أثارها فوز سفيتلانا ألكسيفيتش (Svetlana Alexievich) بنوبل للآداب في العام الماضي، من ضمن ما استغربه المقال هو أن الكثيرين راهنوا على فوز سفيتلانا وقتها على موقع المراهنات Ladbrokes، يقول: "سيظل سرًا لِمَ فازَ من راهنوا على ألكسيفيتش، آخذين في الاعتبار أن نوبل تميل بشدة نحو السرد التخييلي (fiction)، وأن كتب ألكسيفيتش هي تاريخٌ شفوي يجمع بين السرد التخييلي والواقعي. في الغالب وضع أحدهم يده على القائمة القصيرة بالغة السرية للجائزة ووضع بالتالي رهانه على ألكسيفتيش." يوضح كاتب المقال لاحقًا سبب ازدهار المراهنات على نتائج الجائزة من وجهة نظره؛ فيشير إلى عدم وجود قوائم قصيرة ولا طويلة معلنة لجائزة نوبل خلافًا لجوائز أخرى كالبوكر مثلًا، وإلى عدم وجود وسيلة لمعرفة الفائز بجائزة نوبل قبل الإعلان عنها رسميًا.