المشاركات

عرض الرسائل ذات التصنيف مقالات

كتب قديمة للبيع

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) تراها لدى بائعٍ يفترش أحد الأرصفة، أو في أحد المحلات الصغيرة أو الكبيرة؛ فتتوقف، تقلِّب في عناوينها، باهتمامٍ أو بلا مبالاة فضولية. يلفتُ أحدها انتباهك فتسحبه وتبدأ في تصفُّح محتوياته. قد يكون قد نُشِر منذ سنوات أو عقود. تقرِّر في النهاية شراءَه فتتوجَّه للبائع لتسأل عن ثمنه. قد تساومه في السعر الذي يطرحه عليك أو لا. تأخذ الكتاب ثم ترحل. في منزلك قد تجد وأنت تقلب صفحات الكتاب: خطوطًا أو علامات أو تعليقات تحت كلمات بعينها، قد تلمحُ توقيعَ المالك الأصلي في أول صفحاته، قد تجدُ صفحات مثنية إهمالًا أو قصدًا، أو تكتشفُ أوراقًا، أو وردة مجفَّفة بين صفحاته. (٢) تنحاز الصفحات الثقافية، والدوريات التي تتابع الكتب، للكتب المنشورة حديثًا. وهو منطقي باعتبار أهمية متابعة جديد الناشرين، لكن في المقابل فإن الكتب الأحدث في الصدور ليست بالضرورة هي الكتب الأحدث أو الأفضل في المحتوى. وفي عالمنا العربي خصوصًا، قد تكون هناك كتب كثيرة قديمة تحتاج إلى مَن ينفض عنها التراب، ويعيد تقديمها للقراء، سواء بالكتابة عنها أم بإعادة نشرها. في عام ١٩٢٠، صدر كتاب لراي

تحسين القبيح وتقبيح الحسن

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١)  لأبي منصور الثعالبي كتاب طريف في موضوعه، سمَّاه « تحسين القبيح وتقبيح الحسن »؛ في هذا الكتاب يجمع الثعالبي بعض ما نُسِب إلى البلغاء في تحسين ما تمَّ التعارف على قبحه، وتقبيح ما تمَّ التعارُف على حسنه. يقول هو عن موضوع هذا الكتاب، في مقدمته: «وما أراني سُبِقتُ إلى مثله في طرائف المؤلَّفات وبدائع المصنفات.» ويبرر اهتمامه بالتأليف في هذا الموضوع بقوله: «إذ هما غايتا البراعة، والقدرة على جزل الكلام في سر البلاغة، وسحر الصناعة.»  يقول فيه عن الكذب مثلًا: «قال ابن التوءم: الكذب في مواطنه كالصدق في مواضعه، ولكن الشأن فيمَن يحسنه، ويعرف مداخله ومخارجه، ولا يجهل تزاويقه ومضايقه، ولا ينساه بل يحفظه. ومعلوم أنَّ من أجِلِّ الأمور في الدنيا الحربَ والصلح، ولا بد فيهما من الكذب؛ أما الحرب فهي خدعة، كما قال عليه الصلاة والسلام، وأما إصلاح ذات البين فالكذب فيه محمود؛ لما فيه من الصلاح، وقد رخَّصَ فيه السلف. ولا خلاف في أن الشعر ديوان العرب ولسان الزمان، وأحسنه أكذبه، وكذلك الكتابة لا تحسُن إلا بشيء منه، وقد جاء في المثل: «أظرف من كذوب.» وقال الأعشى: فصدقت

حدث في المستقبل

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) لو أننا نستطيع أن نمَثِّلَ حياةَ إنسانٍ ما بخطٍّ مستقيم يبدأ من لحظة ولادته وينتهي بلحظة موته، فإن فكرة السفر عبر الزمن كما نراها في بعض روايات وأفلام الخيال العلمي ستعقِّد هذا الخطَّ قليلًا، فإذا عاد الشخص مثلًا بالزمن ليقابِلَ نفسه في لحظةٍ بعينها، حينها يمكن أن نفترض أن شكل الخيط سيتعقَّد قليلًا، بحيث يستدير ليلتقي بنفسه في عقدةٍ متخيَّلةٍ، قد يعود بعدها الخيط لطريقه المعتاد ليصل إلى لحظة الوفاة. في قصص أخرى تتشابك الأحداث بدرجةٍ أكبر بحيث يزداد تعقيد الشكل المتخيَّل لخيط حياة البطل، لكن في فيلم (Predestination-2014) سيتعقَّد هذا الخط لدرجةٍ تحسُّ معها أنك تنظر إلى قطعةٍ من الخيط التفَّتْ حول نفسها، بحيث لا تستطيع أن ترى نهايتها من بدايتها؛ أو بكلمات أخرى: تعقَّدَتْ بحيث أصبح من الممكن أن تعتبر أي نقطة في الخيط هي نقطة بداية تستطيع السير منها كقارئ أو مشاهِد إلى بقية أجزاء الخيط.

إعادة تشكيل العالم

صورة
تمثال تذكاري لآلان تورين في حديقة ساكفيل بمانشستر بقلم: أحمد ع. الحضري     (١) ما زال جزء مني يعتقد أن هذا مستحيل، عقلي لا يستوعب الأمرَ بالكامل رغم أني قرأتُ عن الجانب النظري فيه لمراتٍ؛ ربما لأني غير متخصِّص، وربما يكون الأمر فعلًا غير معتاد. الآن وأنا أكتب على برنامج الكتابة في حاسبي الشخصي ما أكتبه الآن، أتمنَّى لو أستطيع أن أفهم كيف فكَّر آلان تيورنج Alan Turing في آلاته التي ستتطوَّر لتصبح الكمبيوتر الذي نتعامل معه بهذه العادية كجزءٍ طبيعيٍّ ومعتاد ومتوقَّع من حيواتنا. كيف فكَّر في تصميمها؟ وما الذي جعله يعتقد أنها ممكنةٌ للدرجة التي حمَّسَتْه بما يكفي لكي يُتِمَّ ما أتمَّ؟ يمكن للكثيرين الآن أن يقوموا بتجميع جهاز حاسب شخصي بسهولة، لكن هذا لا يعني أنهم يفهمون حقًّا كيف يعمل، لا يعني بالتأكيد أنهم لو عادوا بمعجزةٍ ما بالزمن فسيكونون قادرين على تكرار ما بدأه آلان تيورنج. جزءٌ مني يحسُّ أنَّ ما فعله هو مستحيل تمامًا وغير منطقي، لكني أراه الآن وأستخدمه. وهذا يُشعِرني بالضآلة، ويجعل جزءًا مني دائمًا يشكُّ فيما أعتقده؛ ما أظنُّ أنه ممكن وما أظن أنه غير منطقي.

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

صورة
تجاهلت في هذه الترجمة بعض الهوامش التي أحسست أنها تكرر معلومات موجودة داخل المتن، تجاهلت كذلك مداخلة ريتش أوجلسبي لأني أحسست أن حديثه لم يتضمن فعليًا إجابة على السؤال المطروح.  سيشير المقال في أكثر من مقطع إلى الفارق بين الهلوسة والوهم. الفارق الأساسي هو أن الهلوسة بحكم التعريف تعني أن الإنسان الواقع تحت تأثير الهلوسة لا يعلم أن ما يراه غير حقيقي. وهو المعنى الذي يذكره كارل فيرستون في بداية حديثه.  تحرير المادة الأصلية لم يخلُ من مشاكل في الصياغة في بعض المقاطع.  المادة الأصلية نشرت في أكتوبر 2015 في موقع: hopes & fears.  (المترجم) مارينا غالبيرينا  ترجمة: أحمد ع. الحضري  هل العالم حقيقي؟ كيف نتأكد أننا لسنا فقط نلهوس كل هذا؟ ماذا لو أننا موصولون داخل آلة تخلق محاكاة افتراضية للواقع مثل تلك الموجودة في فيلم ماتركس؟ أليس العالم هو هولوجرام ضخم على أي حال؟ هل الواقع حقيقي بالفعل؟ ما هو الواقع؟  سألنا نخبة من علماء الأعصاب، والفيزيائيين، وعلماء النفس، والمنظرين التقنيين، والباحثين في العقاقير المهلوسة لو أننا نستطيع أن نعرف إن كان "الواقع" الذ

من أين أنتِ حقًا؟

صورة
بقلم: زارا رحمان ترجمة: أحمد ع. الحضري لكن من أين أنتِ حقًا؟  تنهيدة: هذا السؤال مرة أخرى. قل لي ما الذي تعنيه، من فضلك: هل تسألني حقًا لم أتحدث باللكنة التي أتحدث بها؟ هل هو لون بشرتي الذي حفز سؤالك؟ ربما تتساءل عن المكان الذي أعيش فيه، أو كيف انتهيت إلى المكان الذي نلتقي فيه اليوم؟ في بعض الأحيان أكون قد أجبت بالفعل سؤالك، لكن بشكلٍ ما أنت لا تقبل الإجابة.  باعتباري مواطنة بريطانية ذات أصول بنجلاديشية عشت السنوات الستة الماضية في ألمانيا وأتواجد حاليًا في الولايات المتحدة لبضعة شهور، دائمًا ما أجد صعوبة في إجابة سؤال من أين أنا، ويزداد الأمر صعوبة مع الوقت. ما الذي تودُ سماعه اليوم؟ يمكن أن أقول المملكة المتحدة (UK)، لكني لم أعش هناك منذ سنوات، ولم أعش قط في لندن، لذا لن أنبهر بحديثك عن أماكنك المفضلة فيها. يمكن أن أقول ألمانيا، لكن عندها ستفترض أنني ألمانية تتحدث بلهجة بريطانية مقنعة للغاية وستمدحني من أجلها دون استحقاق. قد أقول بنجلاديش، لكنني لم أعش أبدًا هناك لفترة أطول من ثلاثة أشهر متواصلة، وسأحس بالاصطناع إن ادعيت هذا. لكن يبدو أن هذه هي الإجابة الو

صحارى إلكترونية

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) في أوقات كثيرة نتعامل مع الإنترنت باعتباره عالمًا موازيًا؛ كُتِبت كثيرٌ من المقالات والدراسات التي استخدمت هذه الاستعارة. ماذا لو مددنا خط هذه الاستعارة قليلًا؟ لنتخيل أن أحدنا أراد أن يرسم خريطة لهذا العالم الموازي. ماذا لو حاولنا أن نرسم خريطة للإنترنت العربية؟ لماذا أتحدث عن خريطة للإنترنت العربية؟ لأنني تخيلتُ أن من يتمثل الصورة الكلية للمحتوى العربي سيجد فيها حالة من عدم التوازن: مناطق مزدحمة بالمواقع، في مقابلها صحارى ممتدة لا يسكنها إلا القليل؛ وبالتالي يعتمد المتخصصون العرب في كثير من الموضوعات على الإنترنت الأجنبية. ما يرُد إلى الذهن في هذا السياق للوهلة الأولى أن هذا ربما انعكاس منطقي لحالة ثقافتنا العربية، وربما هذا صحيح بدرجة ما، لكنه لا يصلح هنا كسبب وحيد. لماذا؟ لأنك إذا دخلت أي مكتبة عامة كبيرة؛ فستجدُ كتبًا عربية في كل الموضوعات: كتبًا لكُتَّاب عرب، كتبًا مترجمة، كتبًا لمؤلف واحد، كتبًا لها أكثر من مؤلف. قد نلاحظ عدم توازن من نوع مختلف حتى في المكتبات العامة، لكن هذا موضوع مختلف.

أن تحكيَ حُلمًا

صورة
أحمد ع. الحضري يحدث أحيانًا أن يتقدم الحالم في حلمه كما يتقدم الكاتب في العمل على مسودته الأولى؛ يتضمن كلاهما القيام بكثير من الشطب والتعديل أثناء التقدم. يحدث مثلًا أن يتم تبديل وجه أو صفة، دون تغيير الاسم، أو الدور الذي يقوم به في الحكاية. كأن اللاوعي الحالم، اكتشف وجهًا آخر أكثر ملائمة، أو ربما لأن التماسك المنطقي ليس من شروط الحلم (الجيد)، يقوم اللاوعي بتغيير ما يناسب أثناء عمله، يركز على المشاعر والرموز مضحيًا بتماسك الأماكن والأزمنة والهويات. Dali Atomicus, By: Philippe Halsman (1948) يحدث أحيانًا أثناء الحلم، أن تتم إضافة موقف أو حدث، يحتاج لكي يؤدي دوره في قصة الحلم أن يكون له جذرٌ ما: حدثٌ ماضٍ يفترضه الموقف الحالي، قد يقوم الحلم هنا بإضافة التفصيلة المفتقدة إلى الأحداث، يقوم بحشرها ببساطة كما قد يفعل الكاتب في مسودة نصه. تظهرُ بعض التفاصيل فجأة كذكريات، تجد نفسك وأنت تتذكر بشكلٍ غامض حدثًا مررت به يوضح لك ما يحدثُ الآن، حدثًا لم يكن حاضرًا في عقلك من قبل، كأنه قد هبط عليك فقط في هذه اللحظة، كأنك اكتشفت الذكرى للتو. ربما يكون هذا التلاعب هو الطريقة التي يكتب بها الحل

المفارقة

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) في إحدى قصائد الهايكو اليابانية يقول الشاعر: «كانت العصافير تطيرُ من فزَّاعةٍ إلى أخرى.» والاقتباس الوارد هنا هو القصيدة كلها لا مقطع منها؛ فقصائد الهايكو معروفة بتكثيفها الشديد. لكن القصيدة هنا رغم قِصَرِهَا تحمل مفارقة تلفِت الانتباه، وتدفع إلى الابتسام. ففي صورةٍ بصريةٍ - تبدو عاديةً- تم الْتِقاطها ببراعة، يلمح الشاعر التناقض الظاهر بين دور الفَزَّاعة المفترض، وحالها الفعلي في هذه اللحظة. وبالْتِقاطه للحظة في تكثيف، وشاعرية، وصياغة محكمة يبرز التناقض المحبَّب.  By: M.C. Escher تقول قصيدة هايكو أخرى: «بائع المراوح … يحملُ حِملًا من الهواء … يا للحرارة!» في هذا النص القصير للغاية أكثر من مفارقة؛ تظهر المفارقة الأولى في تعبيره «حِملًا من الهواء.» الهواء كما نعلم خفيف للغاية، حتى إننا نستخدم الكلمة للتعبير عن الخفة المتناهية، لكن القصيدة هنا من خلال الصياغة البارعة تجعل البائع يرزح تحت حِملٍ من الهواء. تكمن المفارقة الثانية في أن من يحمل حِمل الهواء ويبيعه للآخرين لكي يقاوموا به حرارة الجو، هو أكثر من يقع فريسة لهذه الحرارة، خصوصًا مع حمله ال

الأحلامُ نصوصٌ أدبية

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (1) في رواية «مائة عام من العزلة» للروائي العالمي «جابرييل جارثيا ماركيز» حكاية صغيرة عن فتاة شديدة الجمال عاشت في «ماكوندو» وأَحَبَّها كثيرٌ من الرجال. تصِف الرواية مشهدًا جميلًا تصعد فيه «ريميديوس» إلى السماء بينما كانت تقومُ بطيِّ الملاءات. يحكي ماركيز كيف أن هذا المشهد كان مستوحًى من حدثٍ حقيقيٍّ جرى في قريته، قرَّرَتْ في سياقه إحدى النساء -بعد هروب حفيدتها مع أحد شباب القرية- أن تغطِّي على ما حدث بالفعل، بحكايةٍ عن صعود الفتاة إلى السماء. يقول أيضًا إن تفصيلة صعودها إلى السماء حين كانت تطوي الملاءات تحديدًا أتته حين رأى في أحد الأيام امرأة تجمع الملاءات أثناء هبوب رياح عنيفة. في هذا المشهد اختار ماركيز أن يحكي فقط ما قالته الجَدَّة، متجاهلًا الحدث الواقعيَّ الأصليَّ، أضاف بعض عناصر من مشاهد مختلفة لتكتمل الصورة التي تناسب سياق الرواية. ومن خلال عملية الاختيار والتكثيف التي قام بها أثناء خلقه للمشهد، نجح في صياغة مشهدٍ مبهرٍ، يروي فيه حكايةً غير منطقية بمعايير الحسِّ اليوميِّ العادي، لكنها في سياق الرواية حين يتم توظيفها بشكل سليم، تكون شديدة الإي

النوافذ

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (1) قد تُفتَح على نهرٍ، أو صحراءٍ، أو حديقةٍ واسعةٍ، أو بناياتٍ شاهقةٍ، أو حارةٍ ضيقةٍ، أو حتى على منورٍ مختنق يدخل النور منه بالكاد. قد نطلُّ عليها بدلًا من أن نُطِلَّ منها، إن كانت مزخرفةً بالنقوشِ والرسوماتِ كما في الأديرة أو القصور القديمة. مستطيلة، أو مربعة، أو دائرية … ربما توجدُ منها أشكالٌ لم أَرَهَا ولا أعرفها؛ لعلَّ بعضها مثلًا على شكل مثلث، أو متوزاي أضلاع، أو أي أشكال أخرى غريبة. قد تُغلَق بمصراعين خشبيين، وقد تكون مصنوعة من الزجاج المعتم، أو الشفَّاف، أو المُلوَّن، قد تُغطِّيها الستائر، أو قد تخلو من كل ذلك لتعود كأسلافها مجرد فتحة في جدار. قد نفتحها للضوء، ثم نغلقها في وجه الغبار والريح. نغلقها، نفتحها، نغلقها، نفتحها، نقفزُ منها لنسقط، أو لنطير إن كُنَّا داخل قصة من القصص الخيالية، قد يتسلقُ إليها «روميو» في إحدى المسرحيات ليكلم حبيبته «جولييت»؛ تمهيدًا لموتهما الشاعري المرتقب. نافذة كبيرة موجودة بمتحف محمد محمود خليل وحرمه من الزجاج الملون المعشق بالرصاص،  موقعه باسم الفنان الفرنسى:  "LUCIEN METTE" PARIS 1907 النافذة ه

أن تملك أو أن تكون: الإنسان بين الجوهر والمظهر

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) كتاب «إريك فروم» الذي ترجمه «سعد زهران» إلى العربية بعنوان «الإنسان بين الجوهر والمظهر» -سلسلة عالم المعرفة (١٩٨٩)- ليس هو الكتاب الوحيد ولا الأول الذي يحاول الدخول لإشكاليات الحضارة الصناعية الحديثة، ربما حتى ليس الأفضل أو الأعمق؛ لكنه مع ذلك كتاب مضيء، يمكنكَ أن تلمح النور في بعض أفكاره، وفي كثيرٍ من مقاطعه. كما نلاحظ من العنوان الأجنبي للكتاب to have or to be «أن تملك أو أن تكون»؛ تقوم فكرة الكتاب على التفريق بين نمطين من أنماط الشخصية: نمط التملُّك، ونمط الكينونة أو الوجود. وهو يبيِّن كيف كان هذا التفريق أو هذا الاختيار بين النمطين قضيةً أساسيةً في تعاليم أساتذة الحياة العِظَام، مشيرًا في هذا السياق إلى بوذا، والمسيح، وإيكهارت. ومن أجل توضيح الفارق بين النمطين، يشير في البداية إلى قصيدتين تناولتا ظاهريًّا موضوعًا واحدًا؛ إحداهما للشاعر الإنجليزي «تنسون» (القرن التاسع عشر)، والأخرى للشاعر الياباني «باشو» (القرن السابع عشر). يقول تنسون: يا زهرةً في الجدارِ المتصدع إني أنتزعُكِ منْ بينِ الشقوق وأقبضُ عليكِ، هنا في يدي بجذورِكِ وكيانِكِ كلِّ

طُرُق

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) لنتخيَّلْ طريقًا ما ينقسم مثلًا إلى ثلاثة طُرُق فرعية، ينقسمُ كلُّ طريقٍ فرعيٍّ بدوره بعدَ مسافةٍ إلى ثلاثة طُرُق أخرى، وهكذا باستمرار. يتفرَّقُ الناس إذن مع الوقت في الطُّرُق التي كانت طريقًا واحدًا؛ سيأخذ فريقٌ من الأشخاص دائمًا الطريقَ الأوَّلَ دون تفكير، وسيأخذ فريقٌ آخرُ الطريقَ الثالثَ دون كثيرٍ من التمهُّل، بينما سيأخذ فريقٌ الطريقَ الثانيَ. لو أنَّ أحدَهم تمكَّنَ من النظر إلى شبكة الطُّرُق هذه من أعلى فقَدْ تبدو كشجرةٍ كبيرةٍ كثيفةِ الفروع؛ حين يتحرَّك الناسُ في طُرُقها، ستبدو لوهلة كأنَّها تتحرَّك أيضًا. وقد يُحِسُّ مَنْ ينظرُ وقتها أنها، كأيِّ شجرة، بها الكثير من الفروع والأوراق، بعضها حيٌّ وبعضها ميتٌ، لكنها ستُواصل النموَّ حتى النهاية: نهايتها.    (2) سواءٌ أَدْرَكْنا هذا أو لم نُدْرِكْ؛ كلُّنا يمتلك تصوُّرًا ما للحياة. قد يكونُ هذا التصوُّرُ ناضجًا وقد يكونُ غيرَ ناضجٍ، قد يتبدَّل بتبدُّلِ مواقعنا، وقد يَظلُّ ساكنًا أو شِبْهَ ساكنٍ، قد يكونُ واضحًا أو مشوَّشًا. لكننا نَسِيرُ على هَدْيِهِ على أيِّ حالٍ كأنَّه مصباحٌ متخيَّلٌ، أو

ماذا لو؟

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري يحكي «ديدرو» في «رسالة حول العميان»، عن حدَّاد أعاد له الطبيبُ نَظَرَه الذي حُرِم منه طوال عمره. كان قد تعوَّد طوال خمسة وعشرين عامًا أن يتحرَّك ويتعامل مع العالم فقط بواسطة حواس السمع واللمس والشم والتذوق؛ فلما عاد له نظره صار لفرط ارتباكه يغلق عينيه حتى يتمكَّن من التعامل مع العالم الذي تعوَّده، أو بالأحرى لكي يتجنَّب التعامل مع ارتباكات الحاسة الجديدة التي لا يعرف كيف يتعامل بها بَعْدُ. يذكر «ديدرو» كيف اضطر الطبيب إلى إجباره في أوقاتٍ على فتح عينيه حتى يتمكَّن من التدرب على الرؤية؛ «فكان «دافيل» يقول له وهو يُوسِعُه ضربًا: هلَّا نظرتَ أيها الفَظُّ؟!» James Christensen من ضمن الأمور المثيرة للاهتمام والفضول عند التفكير في مسألة العمى، هو ما نتعلَّمه عن أنفسنا عندما ننظر إلى حال مَنْ فَقَدَ بصَرَه. نُصَابُ بالدهشة في أوقاتٍ كثيرةٍ مِنْ حِدَّة ودِقَّة استغلالِهِ لحواسِّه الأخرى، بشكلٍ قد نظنُّ بشكلٍ تلقائيٍّ أنه غير ممكن. لكنَّ جانبًا آخر مثيرًا للاهتمام يُلِحُّ علينا في هذا السياق، هو الطريقة التي يتمثَّل بها شخصٌ وُلِدَ أعمى العالمَ. يقول «ديدرو»: «

زجاجٌ نصفُ معتم

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) تتحدَّثُ مع صديقٍ لك، فتُحسُّ أن ما تريدُ قوله يقف تقريبًا في متناول أصابعك، تكادُ أن تمَسَّه، لكنكَ لا تستطيع، تتلجلج لوهلةٍ، كأنَّ الكلمات تقفُ على طرف لسانك، لكنها لا تريدُ أن تخرج، فتبدأ من جديد: «كأن …» اللوحة لفان جوخ vincent van gogh الشِّعرُ أحيانًا كالحُلم؛ مليء بالسِّحر، لكنه لا يخلو من الغموض، وكالحلم الذي تعلَّمنا ألا نُشيح بأنظارنا عنه حين لا نفهمه بالكامل، سنُعيدُ قراءة القصيدة مرةً ومرة، حتى نتواصل معها، دون أن نتأكَّد من معناها بالكامل أحيانًا. ينظرُ أحدهم إلى النص، فيصرفُ نظرَه عنه سريعًا؛ قد يقولُ البعض كما قيل لأبي تمام: «لمَ لا تقولُ ما يُفهم؟!» سيُراهنُ آخر على أن الشاعر نفسه لا يعرف معنى ما كتبه؛ يتحيزُ هنا للسهل، والواضح، والبسيط، مع أن الحياة ليست واضحةً دائمًا، وأحيانًا أنتَ لا تفهم ما في داخلكَ بشكلٍ كامل.كأعمى يحاول أن يعرِّف العين، أو المرآة، أو المصباح، ستحاولُ أن تتحدَّث عن هذا الذي لا تستطيع الإمساكَ به بشكلٍ كامل، من خلال استخدام مفرداتٍ وصورٍ لأشياء تعرفها، وتَألَفُها. سيغدو المعنى أحيانًا عصفورًا عنيدًا، يه

الرهان على ديلان

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري في بداية مقال مثير للاهتمام نُشر في موقع New Republic قبل أسبوع تقريبًا من إعلان جائزة نوبل للآداب يُذَكرنا أليكس شيبارد (Alex Shephard) بالمفاجأة التي أثارها فوز سفيتلانا ألكسيفيتش (Svetlana Alexievich) بنوبل للآداب في العام الماضي، من ضمن ما استغربه المقال هو أن الكثيرين راهنوا على فوز سفيتلانا وقتها على موقع المراهنات Ladbrokes، يقول: "سيظل سرًا لِمَ فازَ من راهنوا على ألكسيفيتش، آخذين في الاعتبار أن نوبل تميل بشدة نحو السرد التخييلي (fiction)، وأن كتب ألكسيفيتش هي تاريخٌ شفوي يجمع بين السرد التخييلي والواقعي. في الغالب وضع أحدهم يده على القائمة القصيرة بالغة السرية للجائزة ووضع بالتالي رهانه على ألكسيفتيش." يوضح كاتب المقال لاحقًا سبب ازدهار المراهنات على نتائج الجائزة من وجهة نظره؛ فيشير إلى عدم وجود قوائم قصيرة ولا طويلة معلنة لجائزة نوبل خلافًا لجوائز أخرى كالبوكر مثلًا، وإلى عدم وجود وسيلة لمعرفة الفائز بجائزة نوبل قبل الإعلان عنها رسميًا. 

وصفُ الغيوم: العالم كمرآة - الذات كعالم

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) يقدِّم «دافنشي» في كتابه «نظرية التصوير» نصائح مهمة وثاقبة للفنانين، يستلهمها من خبرته العملية الطويلة، ومن موهبته الكبيرة. استوقفتني منها نصيحة وَصَفَها بأنها «نصيحة ذات نفع كبير للفنان؛ إذ تساعد على تفتيح مَلَكَاته، وإِطْلَاعه على عديد من الابتكارات، رغم أنها تبدو قليلة القيمة، بل ومثيرة للسخرية.» ونصيحته كما ترجمها «عادل السيوي» ضمن كتاب دافنشي المسمى ﺑ «نظرية التصوير» هي أن «تتأمل أيها المصوِّر الجدرانَ الملطخة، والأحجار المختلطة، فإذا كنتَ تبحث عن تصوُّرٍ لموقعٍ ما، يمكنك أن ترى فيها صورًا وأشكالًا لبلدانٍ متنوعة، تزيِّنها الجبال، وتجري فيها الأنهار، وسترى الأحجار، والأشجار، والسهول الواسعة، والتلال على اختلاف أشكالها، كما يمكنكَ أيضًا أن ترى معارك مختلفة، وأفعالًا سريعةً تقوم بها مخلوقات غريبة الأشكال، وستشاهد العديد من الوجوه والملابس وأشياءَ أخرى كثيرة لا يمكن حصرُها هنا. ويمكنكَ أن تختصر هذه الأشكال في بناء متكامل، وأشكال قيِّمة. ومن يتعامل مع تلك الجدران والأحجار، يشبه من يُنصت إلى أصوات الأجراس، فيسمع في دقَّاتها كل اسم أو حرف أو كلمة يمك

نظريات المؤامرة وتفسير العالم

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) أبٌ يعلِّم ابنه الصغير، فيشيرُ إلى حيوانٍ ما يَعْبُر الطريق: «هذا قِطٌّ.» ينظر الطفل باهتمام، ويردِّد خلفه. في يومٍ تالٍ يرى الطفل حيوانًا يمشي في الشارع؛ فيشير فرحًا: «قِطٌّ!» يصحِّح له أبوه: «لا، هذا كلب.» يحاول برفق أن يوضِّح له الفوارق.  في اللحظة التي يشير فيها الطفل إلى كلب يمشي في الشارع باعتباره قِطًّا، نعرف أنه لا يعرف ما هو الكلب، والأهم في هذا السياق أن ندرك أنه لا يعرف كذلك ما هو القط، رغم أنه قد يكون قد تعرَّف قبلها بلحظات على قِطٍّ ما يمشي في الشارع؛ لأن كلمة ومفهوم «قِط» تكتسب معناها -وفقًا لما تعلَّمناه من العالم اللغوي «سوسير»- من خلال اختلافاتها مع الكلمات/العلامات الأخرى. فمثلًا، لا يمكنك أن تعرف ما هو اللون الأخضر إلا في سياق معرفتك للون الأزرق واللون الأصفر وبقية الألوان؛ لأن المعرفة التي تتيح لك أن تميز الأخضر عن بقية الألوان تتطلب بالضرورة أن تكون قادرًا على فَهم الاختلافات بين هذه الألوان المختلفة. لوحة دون كيشوت لبابلو بيكاسو    في سياقٍ مقاربٍ يُقال عن التعريف المثالي إنه تعريفٌ جامعٌ مانعٌ.

الحوار وشبه الحوار

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) في حلقة ما من برنامجٍ «حِواريٍّ» يجلس الضَّيفان أحدهما في مواجهة الآخر، وبينهما مقدِّم البرنامج، بعد دقائق من بداية الحلقة يعلو صوتاهما، ويبدأ الاحتداد. يمكننا أن ندرك دون صعوبة من المشهد الذي نراه ومن طريقة الحوار التي نسمعها أن الطرفين هنا لا يخاطب أحدهما الآخر، هما في الحقيقة يخاطبان جمهور المشاهدين في خطب قصيرة عصبية متبادَلة يقاطع فيها كلٌّ منهما خَصمه. في هذا السياق ستُعدُّ أي بادرة من أحدهما للاقتناع بمنطق الطرف المضاد -أو مجرد الميل نحوه- ضعفًا وانهزامًا غير مقبول. كلٌّ من الضيفين جاء وهو متأكد كل التأكُّد أنه على حق وأن الطرف الآخر لا شك مخطئ، أو على الأقل هما يُظهِران ذلك. قد لا يعترفان بهذا، وربما قد لا يدركانه حتى، لكنَّ كلًّا من الطرفين قرَّر مسبقًا في هذه الحالة أنه لا يحتاج للتمعُّن في أيِّ شيء يقوله الآخر، إلا بالقدر الذي يُمَكِّنُهُ من إثبات خطئه، وإحراجه إن استطاع أمام جمهور المتفرِّجين. اللوحة لنورمان روكويل (٢) كان سقراط يقول: أنا أعرف أنني لا أعرف أيَّ شيء. لكنه كان يحب الجدل، ويحب اختبار الرجال بال

الكتابة: موهبة الاحتيال على الصمت

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) أعرف أصدقاء لا أشكُّ في امتلاكهم موهبة الكتابة والقدرة على الإبداع فيها، لكنهم لا يكتبون ولا يَعُدُّون أنفسهم كتَّابًا. وأعرف من بدأ خطواتٍ قليلةً في رحلة الكتابة، ثم توقف بعدها دون أسبابٍ واضحة. وأعرف من تقلُّ حماسته للبدء مع مرور الوقت؛ لأنه يرى أنه تأخر. ولأني أعرفهم، أفكر أن أسباب عدم إنجازهم في هذا المجال لا تتعلق بنقصٍ في الموهبة على الإطلاق، لكنَّ الأسباب تكمن في مناطق أخرى؛ ربما تتعلق بعادات الكتابة لديهم، أو أفكارهم عنها. وحين أفكر فيهم أتأكد أن الموهبةَ أو القدرة على الكتابة وحدها ليست كافية للإنجاز فيها؛ الأمر يتطلب أيضًا طريقة تفكير خاصة، وعادات عملية تسهِّل الإنجاز، وتحمِّس الكاتب. اللوحة لبيكاسو