الشعر الأمريكي في القرن الجديد ...1

John Barr



ترجمة: أحمد ع. الحضري
المصدر: مجلة  poetryشعر عدد سبتمبر 2006


الشعر في هذا البلد مستعدٌ لشيء جديد. نحن في بداية قرن، وهذا، في الماضي، قد ميّز البدايات الجديدة للفن. باوند (Pound) وإليوت (Eliot) أطلقوا الحداثة في السنوات الأولى من القرن العشرين، على صفحات هذه المجلة. وفي السنوات الافتتاحية للقرن التاسع عشر، وتحديدا في عام 1802، أطلق وردزورث Wordsworth حقبة الشعر الرومانسي مع الطبعة الثانية لديوان قصائد غنائية (Lyrical Ballads). (لن يعود التقويم المئوي لأكثر من ذلك؛ فالسنوات الأولى للقرنين السابع عشر والثامن عشر لم تشهد نقلات جديدة للشعر الإنجليزي. أما الشعر الأمريكي فقد وجد بداياته الحقيقية مع ويتمان (Whitman) وديكنسون (Dickinson) والذين كتبوا إنتاجهم الشعري في منتصف القرن التاسع عشر وليس في أحد طرفيه).
لكن المسألة لا تتعلق بالتقويم حقيقة؛ فالشعر الأمريكي مستعدٌ لأمر جديد لأن شعراءنا استمروا في الكتابة بنفس الطريقة لفترة طويلة. هناك تعب / ركودٌ ما في الشعر الذي يكتب اليوم. إذا استطعنا أن نقول أنه من صفات الشعر الرومانسي أن كثيرًا جدًا منه قد كتب بمجرد أن أصبح مكرسًا (شعراء العطلة الأسبوعية لا زالوا يكتبون بشكل رومانسي)؛ فيمكن أيضًا أن نقول نفس الشيء عن الشعر الحديث (modern poetry)، فلطالما تم استخدام هذا الأسلوب من الكتابة. ذلك الأسلوب تم اتقانه لفترة طويلة. لقد انتقلت الحداثة إلى الشفرة الوراثية لبرامج ماجستير الفنون الجميلة[i] (MFA programs) . وبسبب كل هذه المدارس والتجارب، فالشعر المعاصر لازال يُكتب على البقايا القليلة من الأمطار التي ألقتها الحداثة [ii]. فالحداثة هي المحرك الذي يقود ما يكتب اليوم. وهي محرك بالٍ.

إن شعرًا جديدًا يغدو أمرًا مهمًا لا لأننا نريده، ولكن لأن الطريقة التي تعلم الشعراء أن يكتبوا بها لم تعد قادرة على القبض على الحالة التي صارت الأشياء إليها، فكم تغيرت الأشياء. الحقيقة تتجاوز الشكل الفني، بحيث لم يعد الشكل الفني مساويًا للحقيقة التي تحيطه. كتب الشعراء الجورجيون –خارجين من حالة كتابية مشابهة- بهذه الحساسية المستنزفة للرومانتيكية. كان الشعر في حالة حب لانجلترا ما قبل الحرب:
"yet / Stands the Church clock at ten to three? / And is there honey still for tea?" 
"بعدُ / تقف ساعة الكنيسة عند الساعة الثالثة إلا عشرة / فهل ما زال هناك عسل من أجل الشاي " . لم يشعر الجورجيون باقتراب الحرب العالمية الأولى، ولم يكن شعرهم معادلا لفظائع حرب الخنادق. لكي تعلم كيف تأثرت الحساسية الجورجية اقرأ روبرت بروك (Rupert Brooke) :
"If I should die, think only this of me: / That there's some corner of a foreign field / That is for ever England." 
"لو أنني يجب أن أموت/ فكر فيَّ فقط هكذا: / هناك ركنٌ ما في حقلٍ أجنبي/  هو إلى الأبد إنجلترا" هي قصيدة جميلة لكنها نائية للغاية عن غاز الخردل(mustard gas.)[iii] . استلزم الأمر أن يأتي ييتس (Yeats) كي يعطي للشعر البريطاني جرعته الأولى من واقعية القرن العشرين، وتطلب قصيدة الأرض اليباب (The Waste Land)[iv] لتمكين شعر التشوش (chaos).

إن الحاجة إلى شيء ما جديد واضحة. الغياب الصادم للشعر المعاصر من الأحاديث العامة اليوم، من حجرة دراسة المدرسة الثانوية، من متاجر بيع الكتب، ومن التيار العام لوسائل الإعلام، هو دليل على أناس غاب الشعر عن عقولهم دون أن يفتقد. يمكنك أن تعد على أصابع اليد الواحدة متاجر بيع الكتب المعروفة بمجموعاتها من كتب الشعر. منذ قرن كانت صحفنا تنشر بشكل شائع قصائد على صفحاتها، منذ خمسين سنة كانت الصحف الأكبر تعرض بشكل منتظم كتب الشعر الحديثة. أما في هذه الأيام فالواحد لا يرى تقريبًا قصائد في الصحف، ومجموعات كتب الشعر الجديدة التي تعرض في عروض كتب نيويورك تايمز هي أعداد محدودة على مدار السنة. لذا فإن وجود جمهور عام مهتم هو أولوية قصوى للشعر.

منذ أكثر من عقد انتبه [الشاعر] دانا جيويا (Dana Gioia) إلى انفصال الشعر عن الحياة العامة، في مقاله المهم "هل يهم الشعر؟" ("Can Poetry Matter?") وما زال السؤال مطروحًا؛ مع افتقاد الجمهور العام، لا زال الشعراء يكتب أحدهم للآخر؛ (لاحظ زيادة ورش الكتابة، وبرامج MFA programs) فمن يشترون الكتب لا يقبلون على أعمالهم، على الأقل ليس بقدر ملحوظ تجاريًا، وهم لا يستطيعون أن يعيلوا أنفسهم ككتاب؛ ولهذا فإنهم يُدَرِّسون. لكن الحياة الأكاديمية تبعدهم أكثر عن الجمهور العام. كل عام تخرج برامج (MFA programs) آلاف من الطلاب تدربوا على أن يفكروا في الشعر كمهنة، وأن يفكروا أن كتابة الشعر لها علاقة ما بالشهادات. تأثير هذه البرامج على شكل الفن هو وفرة في الكتابة الشعرية ومحدودية في التنوع. والنتيجة هي شعر ليس قويًا، ولا رنانًا، وليس –وأنا أؤكد على هذه الصفة- ممتعًا؛ شعر كانت الإعانات الأكاديمية –في نفس الوقت- سببًا لفقره وازدهاره.

ليس مستغربًا إذن أن تواجه الشعر مشكلة أخلاقية، منذ سنوات قليلة قرأت في الصان داي تايمز (Sunday Times) عرضًا لثلاثة كتب شعرية. أحدها عن سكرات الشيخوخة، والآخر عن أيرلندا التي تم قصفها، والثالث عن الأب الميت للشاعر. يبرز السؤال، كيف يمكن للمرء أن يٌخْرِج شكلا فنيًا بكامله فقط من الحالة المزاجية السيئة، بالطبع للتراجيديا مكانها في الشعر، فواحدة من وظائف الشعر هي غناء أسوأ ما قدمته لنا الحياة. وكما قال ييستس (Yeats): 
let "soul clap its hands and sing, and louder sing / For every tatter in its mortal dress."
" دع الروح تصفق بأيديها وتغني، وتغني بصوتٍ أعلى مقابل كل مزقة في هذا الرداء البالي"، لكن الفن لا ينبغي أن يكون فقط عن العثرات. لا يجب أن ينبع الشعر فقط من الاعتلالات، لكن حتى الآن، هذا هو ما يحدث، وهو ما يخلق شعرًا له نفس النبرة، ونفس المزاج. ييتس أدرك هذا حين كتب:
  "Seventy years have I lived, / Seventy years man and boy, / And never have I danced for joy."
" سبعون عامًا عشتُها/ سبعون عامًا رجلا وصبيًا/ لم أرقص فيها قط من الفرحة". قيود الشعر اليوم لا تأتي من إخفاقات الحرفة (تعتني برامج MFA programs بهذا الأمر) لكنها تنبع من أمراض الروح. لم ينتج الشعر الأمريكي مارك توين الخاص به بعد.

إذن فالتأثيرات المدمجة لتجاهل الجمهور وللوصولية الوظيفية (careerism)، هي: الركود الفكري والروحي في الشكل الفني. ورغم أن الشعراء يفخرون باستقلاليتهم، متى كانت آخر مرة قرأت فيها قصيدة فاجأتك رؤيتها السياسية أو تحدتك؟ لقد حلت المواقف محل الفكر.

اقرأ أيضًا: الشعر الأمريكي في القرن الجديد- ترجمة أسبق




[i] [درجة علمية يتم الحصول عليه من خلال دراسة تستمر 3 أو 4  سنوات بعد التخرج يتم الحصول عليها في الفنون الجميلة والكتابة الإبداعية وصناعة الأفلام والرقص، والمسرح والفنون الأدائية
[ii] اخترت الترجمة بتصرف هنا، فالأصل هو:
For all its schools and experiments, contemporary poetry is still written in the rain shadow thrown by Modernism.
ويشير مصطلح rain shadow إلى منطقة جافة أو قليلة المطر في سفح الجبل المحجوب عن الريح نتيجة لحجب الجبل للأمطار
[iii] غاز سام يسبب حروق وتقرحات وسمي كذلك لرائحته الشبيهة بالخردل استخدم في الحرب العالمية الأولى
[iv] قصيدة شهيرة ل: ت. س. إليوت

تعليقات

  1. جميل حركة الترجمة الآدبية اللي انت ماشي فيها يااحمد دي بس مطلوب منك انك تنقلها للمجلات الأدبية ولا تكتفي بوجودها هنا في المدونة

    ردحذف
  2. مقال يبين رؤية أوضح للأمور والتعامل مع الشعر في الوقت الحالي.

    سعيد لقراءة المقال ثانيا وترجمتك ليه أولا.. شكرا جدا لمجهودك يا حضري.

    ردحذف

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات