مشروع قتل جارة لصبري موسى


     مجموعة قصصية مميزة لصبري موسى، مرّ الزمان عليها ومازالت حية. المجموعة اسمها "مشروع قتل جارة" وهو اسم إحدى قصصها، وأستطيع أن أقول أن المجموعة بالكامل تدور حول فكرة الموت، بدلالاته المختلفة المادية والمعنوية. المجموعة ممتعة بسخريتها السوداء، وحسها الاجتماعي، والقدرة الجميلة على استخدام الفانتازيا في أوقات مختلفة، بالإضافة إلى الوصف المميز للأحداث والمشاعر. أنشر هنا من المجموعة قصة "مشروع قتل جارة". 



مشروع قتل جارة
 بقلم: صبري موسى
 
      كان الجار قد وضع في حسبانه كل شيء تقريبًا. وخلال الشهور الأخيرة راجع مشروعه أكثر من مرة، ودرس التفاصيل وتمثلها، تأكد تمامًا من سلامته الشخصية بعد التنفيذ؟

     كان قد قرر التخلص من زوجته. بطريقه حاسمة ونهائية، لا تثير الشكوك، ولا تترك أثرًا يعرضه للقبض والتحقيق وإضاعة الوقت الثمين المتبقي له من الحياة. ذلك الوقت الذي قرر القضاء على زوجته لحمايته .. والذي يرغب بعد قتلها في استخدامه، لإصلاح كل الأخطاء الفظيعة التي وقعت في حياته بسبب وجودها ..! 

     في البدء كان الجار نحيلا حالمًا .. وشقته الصغيرة هادئة ووثيرة، تطل من شرفتها نباتات ملونة .. وكان للجار قلب شاعري يتأمل به العالم .. فكان يروح ويجيء مفعمًا ونشوانًا كفراشة حرة مبهورة بألوان الحياة وترغب أن تضيف إليها لونًا جديدًا بوجودها..

     وفي الظهر كان الجار يعود محملا بالمجلات والكتب، فيأكل طعامًا جافًا، وينام قريرًا، وفي المساء يقرأ في شرفته ويستمع للموسيقى .. وعند الفجر تجيء العصافير إلى نافذته فينهض صبوحًا ويبدر أمامها الحب على النباتات، ويتركها تمرح في بيته .. ويخرج هو للحياة، شعاره أن يعطي أكثر مما يأخذ .. وكانت المخلوقات سعيدة به وفخورة .. كان هو أيضًا سعيدًا وفخورًا.

      وقد حدث للجار ما يحدث دائمًا لكل الرجال من الجيران. فتزوج.

     في البدء أطلت الجارة الجديدة من شرفة الجار، إطلاله عجلى.. ثم انفلتت داخله في خفر وحياء .. وبعد بضعة أسابيع مات الخجل، وبدأت تكثر من الوقوف في الشرفة كأنما تتعمد أن تستعرض أمام الجارات بطنها التي بدأت تكبر وتنتفخ ..

     وقد سمعها زوجها ذات ليلة وهي تكلم بطنها.. كانت تربت عليها بكفيها في تشفٍ وتقول لها: يا زهوي .. يا نصري .. يا ضمان مستقبلي .. يا قرار ترقيتي من من كادر الزوجات المؤقتات إلى كادر الزوجات الدائمات .. يا خبزي وملبسي .. وكلام آخر كثير من هذا النوع. لم يفهمه. وقد جاء الطفل ولدًا فبدأت تتشوق إلى بنت.. وجاءت البنت فبدأت تزينها وتعدها للزواج من عامها الثاني!

     وكانت النباتات في الشرفة قد فقدت ألوانها وبدأت تذبل، ولم تعد العصافير تجيء في الصباح، لأن الشرفه قد ازدحمت بأقفاص الدجاج والبط .. وقد أهمل الجار ذقنه وبدأت بطنه تنتفخ هي الأخرى! وخلال السنوات الأخيره كان يؤكد لنا أنه مدرك تمامًا أنه يغرق .. وأنه بالتدريج يفقد إنسانيته، برغم كل المجهودات التي يبذلها لإنقاذ حياته.. قال لنا أن زوجته رفضت أحلامه عن الحياة وسخرت منها، فوظيفة الحياة في رأيها أن تتكاثر وتستمر. قال لها أن التكاثر والاستمرار وظيفة فطرية، يعملها الدود والمخلوقات الدنيئة. أما المخلوقات العليا مثل الإنسان فوظيفتها أرقى.. أن تسمو بالحياة إلى أحسن أشكالها .. لكنها تسخر منه .. وأنجبت له ستة أولاد في خمس سنين.

     قال لنا: بعد الثاني بدأت أستعمل الأقراص فأنجبت الثالث والرابع .. فبدأت أستعمل أكياس المطاط والحلقات الدائرية وغيرها، لكنها أنجبت الخامس .. كدت أجن .. كدت أقرر الامتناع عن لمسها والاقتراب منها، لكني خشيت أن تنجب السادس والسابع طبقًا للنكتة المشهورة!

     كان الجار قد بدأ يدرك جيدًا أنه تزوج دودة.

     لكنه نسي أن يضع هذا في حسبانه وهو ينفذ مشروعه؟!

     ذهب الأولاد إلى الريف منذ يومين وبقى الجار مع زوجته لتنظيف البيت .. وكان قد أعد العدة لكل شيء. وبعد الغذاء .. قالت الزوجة أنها ستأخذ دواءها وتستريح .. وكان الجار قد وضع السم في الدواء ودس في إبريق الماء كمية كبيرة من المخدر .. وحين أخذت الزوجة جرعتها بدأت تتلوى فأغلق الباب عليها وتركها تموت دون ضجة..

     عند منتصف الليل كان الجثة قد بردت تمامًا، فسحبها إلى الحمام ومددها في البانيو، ومضى يجزئها إلى قطع صغيرة، ويلقي بها في محل الأدب، ويطلق خلف كل قطعة تيارًا من الماء من السيفون..

     لكم حمد الجار في تلك الليلة لذلك السيفون جودة صناعته !

     وقرب الفجر كان الجار قد انتهى تمامًا من إلقاء القطع، وتنظيف البانيو، ومسح آثار الدماء عن البلاط. فذهب ينام قريرًا لأول مرة منذ سنوات.

     وعند الظهر في اليوم التالي استيقظ الزوج .. وكان قد نسي قطعة صغيرة من زوجته خلف الحوض فوجدها تتقافز داخل الحمام ثم تنقسم إلى قطعتين .. تتقافزان أيضًا وتخرجان إلى الصالة، وتنقسمان إلى أربع قطع..

     وأخذت القطع تنقسم وتتكاثر وتقفز حوله .. حتى ملأت الشقة ..!

     وحين فتحوا عليه الباب في اليوم الثالث فاضت القطع التي تنقسم وتتقافز إلى الشارع.

     وكان الجار قد مات مختنقًا ..!

تعليقات

  1. القصة تحمل عدة مدلولات يا أحمد، لكن بسرعتها الجنونية الواثبة نحو الفانتازيا لم تعجبني نهايتها. لا أعرف..ينقصها شيء لا أستطيع وضع يدي عليه.. بالمناسبة النصّ مليء بالمغالطات الإملائية، مثل" وبدأت تذبلا"، وهناك جملة تنتهي بعلامة استفهام" لكنه نسي أن يضع هذا في حسبانه وهو ينفذ مشروعه؟!
    شكرا جزيلاً على تعريفنا بالمجموعة.

    ردحذف
  2. تذبلا خطأ تجميع ... أما علامة الاستفهام ففي رأيي مفهومة ولها دور .. شكراا عارف على تعليقك ورأيك :)

    ردحذف

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات