كيف استطاعت السويد والنرويج كسر سيطرة "الواحد بالمائة"..2
بقلم: جورج لاكي
ترجمة: أحمد ع. الحضري
اقرأ أولا: كيف استطاعت السويد والنرويج كسر سيطرة "الواحد بالمائة"..1
مشهد من وسط المدينة في أوسلو - النرويج |
حين كون العمال اتحادات في بدايات القرن التاسع عشرتحولوا بشكلٍ عام إلى الماركسية، انتظموا من أجل الثورة وأيضًا من أجل المكاسب الفورية. وقد كانوا منتشين للغاية بسقوط القيصر في روسيا، والتحق حزب العمال النرويجي بالتنظيم الشيوعي الدولي بقيادة لينين. لكنه لم يظل منضمًا لفترة طويلة مع ذلك. من المناطق التي سلك فيها معظم النرويجيين دربًا مغايرًا للاستراتيجية اللينينية هي رؤيتهم لدور العنف: أراد النرويجيون أن تفوز ثورتهم من خلال نضال جمعي غير عنيف، ومن خلال إنشاء جمعيات تعاونية، ومن خلال الساحة الانتخابية.
ازدادت الإضرابات في شدتها خلال عشرينينات
القرن الماضي. في عام 1921 عقدت مدينة هامرفست (Hammerfest) اجتماعًا، قادته
مجالس العمال؛ فتدخل الجيش لسحقه. ردة فعل العمال كادت أن تتحول إلى إضراب وطني
عام. لكن أصحاب الأعمال المدعومين من الدولة تمكنوا من إنهاء هذا الإضراب، غير أن العمال ثاروا مرة أخرى في إضراب عمال
الحديد بين عامي 1923 و 1924.
القلة النرويجية المسيطرة (الواحد بالمائة)
قرروا ألا يعتمدوا ببساطة على الجيش، ففي عام 1926 قرروا تكوين حركة اجتماعية
سُميت اللجنة الوطنية (Patriotic League)، تضم أشخاصًا من
الطبقة المتوسطة في الأساس. وفي الفترة التي سبقت ثلاثينيات القرن العشرين ضمت
اللجنة مائة ألف شخص، يوفرون حماية مسلحة لمن يفضون الاعتصامات – هذا في بلد عدد
سكانها فقط 3 مليون شخص!.
في أثناء ذلك فتح حزب العمال عضويته لأي شخص سواء
كان منضمًا للنقابة أو لا. انضم ماركسيو الطبقة الوسطى وبعض الإصلاحيين للحزب، بعض
من يعملون في الأراضي الزراعية في القرى انضموا للحزب، بالإضافة إلى بعض ملاك
الأراضي الصغار. أدركت القيادات العمالية أنه في نضالٍ ممتد تظهر الحاجة إلى توعية
وتنظيم مستمرين من أجل عمل حملات غير عنيفة. وفي وسط هذا الاستقطاب المتنامي، أطلق
عمال النرويج موجة أخرى من الإضرابات والمقاطعات في عام 1928.
ثم بلغ الكساد أوجه في عام 1931. عددٌ كبير
من الناس كان بلا عمل هناك، أكثر من أي دولة اسكندنافية أخرى. لكن على خلاف ما حدث
في الولايات المتحدة أبقى الاتحاد النرويجي العمال المطرودين أعضاءً فيه، رغم عدم
قدرتهم على دفع مستحقاتهم. وأتى هذا القرار بفائدة في حالات التعبئة العامة؛ فحين
منع اتحاد أصحاب الأعمال الموظفين من الدخول للمصانع محاولا فرض تخفيض المرتبات،
رد العمال بمظاهرات ضخمة.
عدد كبير من الناس اكتشف أن الرهونات
العقارية كانت خطرًا، (هل يبدو هذا مألوفًا؟) استمر الكساد، ولم يعد المزارعون
قادرين على ملاحقة أقساط الديون. وحين ضربت المشكلات القطاع القروي، تجمعت الحشود
سلميًا لمنع طرد العائلات من مزارعها. الحزب الزراعي – الذي احتوى أكبر المزارعين
والذي كان قد تحالف قبلها مع حزب المحافظين- بدأ في إبعاد نفسه عن الواحد
بالمائة؛ واستطاع البعض أن يروا أن قدرة القلة على حكم الكثرة صارت مشكوكًا فيها.
وقبل حلول عام 1935، كانت النرويج على
الحافة. المحافظون الذين قادوا الحكومة كانوا يخسرون الشرعية بشكل يومي؛ وصار
"الواحد في المائة" يائسون بشكل متزايد بعد أن تزايد الإصرار في صفوف
العمال والمزارعين. وصارت الإطاحة الكاملة بهم على بعد سنتين ربما، حسب تفكير
العمال الراديكاليين. لكن شقاء الفقراء صار كذلك أكثر إلحاحًا بشكل يومي، وأحس حزب
العمال ضغطًا متزايدًا من أعضائه من أجل تخفيف معاناتهم، وهو ما يمكن أن يحدث فقط،
عن طريق الوصول إلى تشكيل الحكومة مقابل اتفاق مع الجانب الآخر.
وقد فعلوا هذا. وفي اتفاق وسط سمح للملاك
بالاحتفاظ بحق امتلاك وإدارة مصانعهم، أمسك حزب العمال في عام 1935 زمام السلطة
الحكومية بعد التحالف مع الحزب الزراعي. وقاموا بتوسعات اقتصادية وبدأوا مشاريع
أعمال عامة بهدف الوصول إلى سياسة توظيف الجميع (full
employment) والتي أصبحت حجر أساس
في السياسة الاقتصادية النرويجية. ومكن نجاح حزب العمال، مع استمرار حالة التأهب بين
العمال من تمهيد طريق من النجاحات ضد امتيازات الواحد بالمائة، إلى النقطة
التي تم فيها نقل ملكية كل الشركات الضخمة للمصلحة العامة. (هناك مدخل لهذه القضية
أيضًا في قاعدة البيانات العالمية للنشاط اللاعنفي.
وبالتالي خسرت الواحد بالمائة قوة تاريخية
كانت مسيطرة على الاقتصاد والمجتمع. ولم يستطع المحافظون العودة إلى الحكم إلا بعد
ثلاثة عقود من خلال حكومة ائتلافية، حيث كانوا قد قبلوا القواعد الجديدة للعبة،
والتي تضمنت درجة عالية من الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وضرائب تصاعدية مرتفعة،
وتنظيم قوي للأعمال يخدم المصلحة العامة ويسعى للإلغاء العملي للفقر. وحين حاول المحافظون في
النهاية الاندفاع مع الليبرالية الجديدة خلق الاقتصاد فقاعة واتجه نحو كارثة. (هل
يبدو هذا مألوفًا؟)
تقدم حزب العمل واستولى على الثلاثة بنوك
الكبرى، وفصل الإدارات العليا، وترك حاملوا الأسهم دون دايم واحد (الدايم عشرة سنتات)
ورفض إنقاذ أي من البنوك الصغيرة. لم يتأثر القطاع المالي النروجي النرويجي الذي تم تطهيرة
بشكل جيد بأزمة عام 2008 مع الدول الأخرى؛ فلأنه يدار بشكل حذر، وأغلبه
ملكية عامة، كان القطاع متماسكًا.
وبالرغم من أن النرويجيين قد لا يخبروك بهذا
في أول مقابلة لك معهم، تظل الحقيقة أن المستويات المرتفعة للحريات في مجتمعاتهم،
والازدهار الذي يتشاركونه، بدأ حين قام العمال والفلاحون، متشاركين مع حلفاء من
الطبقة الوسطى، بشن نضالٍ غير عنيف، مكن الشعب من الحكم سعيًا إلى الصالح العام.
تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء