حوار قديم مع يوسف إدريس
مقطع من حوار مع يوسف إدريس أنقله هنا من كتاب "حوار مع هؤلاء لعبد الرحمن أبو عوف" الذي نشر عام 1990 في سلسلة الثقافة الجديدة التي كانت تصدر عن قصور الثقافة.
س/ قلت له يبدو أنك اقتنعت بوجهة نظري التي قدمتها في دراستي عن دلالة صمت يوسف إدريس عن الإبداع القصصي، في مجلة العربي، فقد كتبت في آخر مقالة لك بالأهرام أنك تشعر أنك أسلمت نفسك للمقالات الأسبوعية عن المشكلات والقضايا العامة، وأنك تحن للعودة إلى الإبداع الأدبي والفني وهو دورك الأساسي.
ج/ هذا صحيح لحد ما لقد قمت في السنوات الماضية بمهمة أحزاب المعارضة وواصلت الكتابة البركانية عن أعقد مشكلات حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية وعانيت من عديد من المصادمات والأزمات والآن هناك أحزاب للمعارضة وهناك جرائد لها.
ثم أني بصدق شعرت أني أنطح الصخر نحن نقول ونكتب ونعترض ولا أحد يسمع ولا أحد ينفذ ما نطالب به، لقد شعرت بالملل واللاجدوى وأخشى أن أقول اليأس.
س/ قلت ولكن ماذا عن نظريتك (ان بال الشعب غير رايق) وبالتالي لا نستطيع أن نكتب قصة أو رواية عنه؛ فالمقالات الملتهبة عن مشكلاتنا وقضايا حياتنا أكثر وصولا ومخاطبة لوجدانه؟
ج/ قال: صحيح . يبدو أن (بال الشعب غير رايق) سيستمر لمدة طويلة ولذلك فأنا أفكر في اكتشاف شكل للكتابة الأدبية والفنية يتفق مع هذه الحالة النفسية والعقلية للشعب، ولكني أحب أن أوضح نقطة يغفلها النقاد عن الكتابة عندي وهمومها أنا ضد الكتابة التي أسميها صناعة الكتابة أو صناعة الكنافة، أن يكتب المرء كل عام رواية لتتحول إلى التليفزيون ثم السينما، الكتابة عندي توهج وحضورآني ومعاناة، وهي تولد في لحظة صدامية مع الواقع وتستهدف تغييره إلى الأرقى والأكثر حرية وتقدمًا، وليست قضية روتينية يومية ولذلك فأنت تجد أن معظم أعمالي وقصصي قصيرة ونادرًا ما أكتب رواية لأنها تحتاج إلى وقت وصبر وزمن ونفس طويل وكتابة يومية.
وتفرع الحديث لمشكلة الاختيار الإنساني والحب وهز يوسف إدريس رأسه قائلا: ورغم ذلك فالإنسان ليس كائنا بسيطًا كما يعتقد البعض فقطعة النقود لها وجهان ومن هنا لابد أن نؤمن بأن الإنسان له أكثر من مليون وجه. إنني أرى أنه كان يحكمني قانون هام وسيطر على طوال حياتي وهو أن الإنسان أهم من أي قوانين ابتدعها عقل وأهم من أي نظام.
س/ يبدو أن الفن الذي جذب اهتمامك بعد القصة القصيرة هو المسرح، فهل يمكن التعرف هنا على بداية علاقتك بعالم المسرح الذي استوعب حتى حياتك بعد مهنتك كطبيب، ترى أي الأشكال الأدبية مارستها في البداية؟
ج/ قال ستندهش أني بدأت علاقتي بالفن عن طريق التمثيل، أحببت المسرح فاتفقنا أنا وبعض أصدقائي على إنشاء فرقة خاصة في دمياط أذكر من أعضائها (سعد أردش) وفشلت كمممثل ثم كتبت لهذه الفرقة مسرحية عن صديقين طبيب ومجرم، ومدى تعقد العلاقة بينهما غير أن طريقي الأساسي في ممارسة الكتابة اتخذ في البداية شكل نوبات عانيت منها؛ فقد جربت الشعر، وكتبت القصة القصيرة في وقت شعرت فيه أن معظم من أقرأ لهم من كتاب القصة القصيرة لم يعد يقنعني ؛ كنت أبحث عن المصرية في شكل القصة القصيرة فكتبتها بهدف البحث، وما زلت أكتبها بنفس الهدف حتى الآن غير أني أعترف بأنني أحقق وجودي في المسرح.
س/ قلت لكن بصفتك مارست كلا الشكلين باقتدار حدثنا عن العلاقة الأساسية بين القصة القصيرة والمسرح؟
ج/ العلاقة بينهما في الشعر؛ فالقصة القصيرة تحتاج إلى عقلانية أكثر من المسرح؛ لذلك يمكن أن ترى كاتب قصة قصيرة ولكنه دون التأليف المسرحي، لكن من المؤكد أن نرى كاتبًا مسرحيًا يكتب القصة القصيرة . هذا يرجع بالتأكيد إلى لغة الشعر التي تتجلى في المسرح، ومن هنا فالمسرح يؤثر في القصة لإنه ينمي الحاسة الدرامية.
س/ قلت ولكن يبقى سؤال عن دوافع اختيار شكل محدد للتعبير أو بمعنى محدد يشعر القارئ لك بعنفوان التألق في الإبداع سواء في القصة القصيرة أو المسرح، وما أكثر ما تكررت لك مسرحيات بدأت كقصص قصيرة.
ج/ وصمت يوسف إدريس وابتسم في طفولة وتذكر معي أسماء القصص الثلاث:
1- جمهورية فرحات تحولت إلى مسرحية بنفس الاسم.
2- فوق حدود العقل .. . مسرحية المهزلة الأرضية.
3- هي ... الجنس الثالث.
قال حقيقة أنني عندما يستحوذ على اهتمامي عمل أو شكل من الشكلين المختلفين فإنه يكتبني وليس أنا الذي اكتبه؛ فمتعتي به أثناء كتابته مثل متعة القارئ وربما تزيد؛ فأنا أعرف أثناء إبداعي للعمل شكله النهائي؛ فهو رحلة اكتشاف بكر بالنسبة لي، ومن هنا أقول أن أعظم صفة يمتكلها القصاص أو الدارس هي أنه [لم يمتلك الخبرة عن خبرة تالية] إنما يواجه كل عمل دونما أدنى تأثر بالأعمال السابقة، وأخيرًا فأنا سأجرب في المسرح والقصة، وسأظل أجرب كشكل محبوب أرى من خلاله تجدد وتغير العالم الذي لا يكف عن الحركة.
تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء