لهب شمعة / غاستون باشلار


لهب الشمعة / غاستون باشلار

ترجمة د. مي عبد الكريم محمود
الناشر : دار أزمنة (عمان – الأردن)




غاستون باشلار (Gaston Bachelard):
هو فيلسوف فرنسي معروف ولد في 27 يونيو 1884 وتوفي في 16 أكتوبر 1962م في مدينة باريس، حصل على ليسانس الرياضيات في عام 1912م، وعلى ليسانس الفلسفة في عام 1920م وعمره 36 سنة، وعلى الدكتوراه في عام 1927م وعمره 43 سنة



     تطرقت أعماله بشكل رئيس إلى موضوعات فلسفة العلم، ثم اهتم بالكتابة عن الصور الشعرية؛ ففي كتابه "التحليل النفسي للنار" تأثر بفرويد بشكل كبير لكن هذا التأثر قل مع الوقت ليحل محله التأثر بعالم النفس الكبير كارل جوستاف يونغ. ويعد باشلار من أعلام الفلسفة الظاهراتية.
 

 نبذة عن الكتاب

     يعد هذا الكتاب هو آخر كتاب يكتبه باشلار قبل موته بعدة أشهر، وفيه يتعرض لأحلام يقظة الحالم المتوحد قبالة لهب الشمعة. وهو ينقسم إلى: توطئة؛ وخمسة فصول، هي: ماضي الشموع، وعزلة حالم الشمعة، وعمودية اللهب، والصورة الشعرية للهب في الحياة النباتية، ونور المصباح؛ بالإضافة إلى خاتمة بعنوان مصباحي وورقتي البيضاء.

     وباشلار يصف نفسه في بداية الفصل الثاني من هذا الكتاب بأنه "باحثٌ عن الصور، الصور التي فيها جاذبية بما يكفي لتثبيت أحلام اليقظة" وهو تعبيرٌ يصف بشكل كبير محتوى الكتاب والغرض منه، فالكتاب يتتبع الصور التي كتبها الشعراء أمام لهب شمعة وذلك من أجل "إثبات قدرة الشعر الفعالة في حياتنا اليومية"، وهو هنا يهتم بالصورة الشعرية كناتجٍ عن الخيال البشري حين يتطلع إلى أشياء العالم المحيط به؛ "إن للأفعال الاستعارية قدرة عظيمة على إثارة الفواعل الأكثر تنافرًا"

     وهو يقول في مطلع مقدمته للكتاب: "اللهب هو من بين أشياء العالم التي تستدعي الأحلام، وهو واحد من أعظم صانعي الصور، إن اللهب يجبرنا على التخيل، وحالما نشرع بالحلم أمام اللهب فإن كل ما نراه يصبح لا شيء نسبة لما نتخيله ... فالاستعارات الأكثر برودة تصبح صورًا بالفعل بواسطة اللهب المدرك بوصفه موضوعًا للحلم" 
لهبُ الشمعة الضعيف المرتجف هو مضيءٌ معتمٌ، ومضيء معتم النفس هو أحلام اليقظة "نقترح ترحيل القيم الجمالية للمضيء المعتم الخاص بالرسامين إلى ميدان القيم الجمالية للنفس، فلو نجحنا فإننا سنزيل ولو بقدر ضئيل ما هو مشين في مفهوم اللاوعي" وحلم اليقظة المضيء المعتم يختلف عن حلم النوم المضيء بإضاءةٍ فانتازية، يرى فيها المرء بوضوح كلي، فحتى الرموز تكون مرسومة بملامح واضح، مما يجعل الحلم الليلي نوعًا من الأدب –ولكنه ليس شعرًا- يمكن للأديب أن يعمل عليه. أما في حلم اليقظة "بالرغم من أن المرء يرى بوضوح ما في ذاته إلا أنه يحلم، فهو لا يجازف بكل ضيائه، إنه ليس اللعبة والضحية" فرغم حضور اللاوعي، فإن وعي الحالم قبالة اللهب ما زال حاضرًا.
 

     "كل حالمٍ أمام اللهب هو شاعرٌ متقد وكل حلم أمام اللهب هو حلم مثير ومدهش" والحالم يوسع اللغة ويوسع العالم ، "فالحالم السعيد بأحلامه، النشيط بأحلام يقظته، هو الذي يمتلك حقيقة الوجود ومستقبل الوجود البشري"


     ويقول أيضًا في فصل ماضي الشموع: "كان لهب الشمعة يجعل الحكماء يفكرون، كان لهب الشمعة يمنح ألف حلم للفيلسوف المستوحد
...
...
 ألا يتوفر اللهب على كل التناقضات الداخلية التي تمنح الديناميكا لميتافيزيقا بدائية؟ أنذهب للبحث عن جدليات الأفكار بينما تكمن جدليات الوقائع وجدليات الكائنات في قلب ظاهرة بسيطة؟ إن اللهب عار عن الجسم وفي الوقت ذاته هو كائن جبار
...
في ذلك الزمن الغابر من المعرفة حين كان اللهب يجعل الحكماء يفكرون لم تكن الاستعارة سوى الفكرة ذاتها"

     اللهب عند باشلار يمثل الزمن الخفيف في مقابل الزمن الثقيل التي تمثلة الساعة الرملية، اللهب في حقيقته ساعة رملية لكنه يتجه نحو الأعلى، يقول جوبير الحكيم "اللهب هو نار ندية" ويقول باشلار اللهب ولادة سهلة وموت سهل.

      وفي فصل عزلة حالم الشمعة، يقول : "ألا يفاقم اللهب المستوحد بحد ذاته عزلة الحالم، ألا يواسي أحلام يقظته؟ يقول لشتنبرغ: إن الإنسان بحاجة إلى الصحبة حتى أنه وهو حالم بعزلته، يشعر بوحدته أقل أمام الشمعة المضاءة"

      وهو يفرق في هذا الفصل بين شخصية لهب الشمعة وشخصية نار الموقد "النار التي في الموقد يمكنها أن تبهج مؤجج الجمر، ويمكن للجالس أمام نار متأججة أن يساعد الحطب على الاحتراق حين يرمي في اللحظة المناسبة حطبة إضافية، ويحتفظ الذي يعرف كيف يدفئ نفسه بفعل برومثيوسي، لأنه يغير الأفعال البرومثيوسية الصغيرة، ومن هنا يتأتى كبرياؤه بوصفه مؤججا عظيما للنار، غير أن الشمعة تحترق بمفردها، فما من حاجة لها بمن يخدمها" . وهو في نفس الفصل يتتبع من خلال الاستشهاد بمقطع لمريضة مصابة بالشيزوفرينيا ومقارنته بمقاطع لشعراء مختلفين ثنائية الذبابة والنار، و"الذبابة حين تلقي نفسها في لهب الشمعة يكون للتضحية صوت".
 

     من الأفكار المهمة في الكتاب أيضًا فكرة عمودية لهب الشمعة فلهب الشمعة –على العكس من الحياة الأفقية اليومية المعتادة- عمودي يصبو دائما للأعلى ، هو "جسر ما بين الواقع واللاواقع"

      "احترق عاليًا، احترق أعلى، أعلى على الدوام حتى تكون متيقنا من توفير الضوء"


     الكتاب مليء بالأفكار وهو لأسلوبه الشعري لا يمكن تلخيصه بشكل دقيق فقط يمكننا إلقاء نظرة عامة عليه، والترجمة التي أتحدث عنها ترجمة متميزة، لغتها رائقة.


-----------
اقرأ أيضًا : مصباحي وورقتي البيضاء



بقلم: أحمد الحضري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات