شيطان فؤاد حداد: تأملات

قصيدة الشيطان لفؤاد حداد من أحب القصائد لقلبي، وهي قصيدة بتتكرر في ذهني كتير، وباستدعيها باستمرار، ومع حبي ليها كنت حاسس دايمًا إن في أجزاء منها بتشاور على مناطق محتاج أعرف عنها أكتر. وفيها إشارات وإحالات ما كنتش فاهمها بالكامل، فهمتها أكتر مع الوقت مع قراية قصائد ودواوين تانية لفؤاد ساعدني الربط والتأمل على تكوين صورة متكاملة. هنا أنا هكتب عن القصيدة، وهو كلام مش نقد وقد يكون غير مفيد لكتير. بس حبيت أسجله لنفسي على الأقل. 



(في اختراع الأمل)

    فؤاد حداد كان لما الدنيا بتضلم يقول إنها ضلمة بس ف نفس الوقت يحلم بنهار، دي طريقته؛ عشان كدا قال في قصيدة اسمها "يا ليل أسمر": "أنا في اختراع الأمل صاحب عشر براءات"، وهي قصيدة للي يقراها فيها حزن وشجن، فيها كلام عن السجن والموت، بس فيها أمل وحلم بمستقبل أحسن، مسجون بس بيحلم بالحرية:


"حلمت يا أهل الجناين سعيكم مشكور

وصحيت ملك والشجر واقف يعظم لي

وجمعت بيهم على كل العرب شملي

نازل من النخلة أم طاقية بحريّة

حصاني مركب ف وقف المحكمة مذكور"

وبينهيها:

"الحق بالحق لا بأصول ولا تقليد

وأنا لسة باجري كإني في الواحات ما جريت"


    كإنه بيقول أيوة جربت الحبس في سجن الواحات بس "عارف الدور اللي مرسوم لي". و"عارف الدور اللي مرسوم لي" هي واحدة من الردود القليلة اللي بيحاول بيها الشاعر في قصيدة الشيطان يرد، ويتمسك بأفكار الأمل والجدوى، ضد كلام الشيطان اللي كان مسكت وقوي.


(مية تحت التبن)


    والشيطان في القصيدة دي ما هواش تجسيد للشيطان اللي في الأديان، لكنه هنا في رأيي تجسيد لقيم معينة هي اليأس، والإحساس باللاجدوى. بتخيله دايمًا كإنه مشهد من فيلم، فؤاد حداد لابس أبيض راكب الأوتوبيس اللي رايح من العتبة لمدينة الطلبة، وفجأة نط قدامه واحد شبهه بس لابس أسود، ولإن الحوار ما بينه وبين نفسه فالحوار سلس ومتدفق وف نفس الوقت هتلاقي شيطانه بيشير لنفسه برضه على إنه شاعر، ودا خلاني أفكر كتير ف معنى الشيطان هنا وترددت بين المعنى الديني اللي في القصيدة فيه منه فكرة الوسوسة، ومعنى شيطان الشعر اللي القصيدة في إشارات فيها ليه لحد ما حسيت إنه تمثيل لقيم معينة، قيم فؤاد كان دايمًا رافضها.


"الشيطان طرقع لي بصباعُه

فز من عيني وقفز في الخيال

نار بتقدح ولا في طباعة

مية تحت التبن .. مية زلال

بسمته ما تقولش بسمة أمير

ضحكته زي انشكاح الضمير

شكله بين الفُريجي والحرامي

والخبير والناظر المستبد

الفتك بارد وعامل حامي

صوته فيه الغطرسة والود

كل ما بيرخي النظر بيشد"

    القصيدة نفسها بتؤكد المعنى دا، لإن فؤاد استرسل في الكلام عن الشيطان استرسال ما كانش لولا المعنى دا هيقى أكتر من ألعاب كلامية، أو انسياب شعري جمالي محض، تلاقيه بيسأل في الأول "نار بتقدح ولا ف طباعه، مية تحت التبن؛ مية زلال". كإن هنا الانطباع الأول اللي بيديه الشيطان هو المعنى التقليدي للشيطان المخلوق من نار، لكنه هنا في تدارك إن الشيطان هنا "مية تحت التبن" إشارة للخبث أو إن ظاهره غير حقيقته، وعشان كدا استرسل: مية زلال، مية صافية عذبة. ويبدو إن هنا " الفتك بارد وعامل حامي".

ولما بيقول:

"شكله بين الفُريجي والحرامي

والخبير والناظر المستبد"

    هنا في رأيي إشارة للأقنعة الكتير اللي بيلبسها فؤاد حداد في شعره، والروافد الكتير اللي بنلاقيها في شعره، وهي إشارة الشيطان نفسه هيكررها لما بيقول: "شيء ظريف تفتل لي من دقني …بهلوان أراجوز أديب شحات". والفريجي هنا أو "الفورمجي" حسب ما عرفت هي شغلانة من شغلانات العمال في البنا، ليها علاقة بصب الخراسانة.

    فؤاد حداد في المرحلة دي زي ما بيقدم ابنه أمين للقصيدة كان مريض وبيواجه صعوبة في المشي:"أصيب في سنة 1976 بمرض الدوخة، كان يشعر بدوار كلما نزل إلى الشارع وحده"، عشان كدا الشيطان بيقول:

"وانت عارف حالي من حالك

وانت شايف رجلي شايلاني

زي واحد شايل التاني

وانت فاهم قصدي يا شاعر"


    ولما الشاعر بيحاول يتمسك ببقية من الإحساس بالمسؤولية بيقول:"استقل بنفسي عند اللزوم"، حسيت صوته خافت وإنه في المشهد دا مش بيبص للشيطان في عينه، كإنه هو نفسه مش مقتنع تمامًا باللي بيقوله، عشان كدا رد الشيطان كان فيه لمسة سخرية:

"شيء ظريف يا عم صدقني

شيء ظريف إنك تنطقني

شيء ظريف تفتل لي من دقني

بهلوان أراجوز أديب شحات

أنزل الميادين وألف الساحات

وأمشي أتنطط في بعض الساعات

لو قروني مية تبقى نافورة

بص شوف قدامك العصفورة

خلي عينك دوغري تلقط صورة

خلي أفكارك تلم الشتات"

    المقطع دا كله في رأيي بالإضافة لكونه تمهيد لما يليه من الكلام عن "التويوتا راكنة جنب الرصيف"، فيه إشارة للشعر من وجهة نظر حداد، وعشان كدا لما بيقول الشيطان، "شيء ظريف تفتل لي من دقني" يعني كإن كلامك دا إنت بترجع لي كلام أنا قلته قبل كدا، ودا يؤكد مفهوم الشيطان اللي وضحته. وفي مقطع تاني في إشارة للشعر برضه في كلام الشيطان، وفيه سخرية من المبادئ اللي الشاعر بيحاول بدون جدوى يدافع عنها، وهو:

"ياسلام بالذوق وبالعافية

التزمت بمبدأ القافية

والتزمت بقافية المبدأ

دا صحيح ذهنك بيتفتق

عن كلام موزون ومترستق

مهما تشطح فيه ما يكدبشي

توّ ما بينقال خلاص يمشي

أعرفك بالحق علم اليقين

من ظنون في الجو متبعترة

خلي قلبك ملك إيدي اليمين

يوم ما يصبح سرّ تحت الثرى

أنبشه وأحكي عن اللي جرى"


وبعد كدا في نفس القصيدة بيقول:

"خروشة بتسمعني ولا حفيف

خدت شعرك من لساني الخفيف

صوتي ظلّم وانت زي الكفيف

خد بقى من الضلمة شعري أنا"

    الشعر اللي بيتقال بعد كدا بيشاور على الضلمة بكلام تقيل موجع، ما فهوش حلم أو أمل ببكرة، كلام على حد وصف الشيطان كان: "سم بيشر ف قوافي الهنا". وهنا يبدو إن القصيدة دي كلها هي قصيدة استسلام لدعوة الشيطان: "خلي قلبك ملك إيدي اليمين … أنبشه وأحكي عن اللي جرى".


(الضلمة اللي في المصبنة)


"فاكر الظلمة اللي في المصبنة

شحم بينز ف الضبيبة

كان صاحبها في طقم أبيض صيفي

زي ما انت شايف العربية

فات عليك عليك في التضحيات ميت سنة

ولا يوم باهت غريب على كيفي

رجعت الأشياء سيرتها الغبية

باستعير رأيك واقهقه وأقول

عشت فجر يشبه المغربية

كنت فاكر إن ظله يطول

واتبلع في الظلمة يابن الأصول

راحت الدنيا اللي كانت صبية

كان زمان وأنا قلت لك يا ابني

أما دلوقتي بقول يابا"


    من أسباب الغموض في بعض قصايد فؤاد حداد وجود إشارات لأشخاص وأحداث ومواقف قديمة ممكن تكون مجهولة للقارئ ولقصايد ممكن ما يكونش قراها. ممكن تفهم المعنى الإجمالي لمقطع القصيدة اللي فاتت بس هتفضل تسأل إيه حكاية الضلمة اللي في المصبنة؟ وليه الشيطان هنا بالتحديد بيستدعيها؟ وحتى من غير ما تعرف التفاصيل إنت حاسس بالمشاعر التقيلة والحزن المسيطر. وف ظل غياب كتابات كفاية عن فؤاد حداد دورت كتير لحد ما وصلت لتفسير مرضي ليا. ووصلت لقناعة إن المقطع دا كله بيتكلم عن أحداث التعذيب في سجن أوردي ليمان أبو زعبل اللي كان فيه فؤاد حداد فترة من الوقت، القصيدة هنا بتشاور على فترة معينة؛ في الفترة دي مات 2 من الأعزاء على فؤاد حداد تحت وطأة التعذيب، الأول هو فريد حداد اللي مات في نهاية عام 1959، وهو ابن عم فؤاد حداد ورثاه فؤاد في قصيدة اسمها: "العطش يحلى مع المية" وذكره ف أكتر من قصيدة تانية؛ ورغم موته بالتعذيب إلا إن موته ما عملش ضجة وقتها، واترفض طلب أهله بتشريح الجثة، وقالوا إن ما فيش شبهة جنائية رغم وجود أثار التعذيب. ثم بعدها بفترة قصيرة في سنة 1960 مات شهدي عطية لكن موت شهدي أثار ضجة كبيرة لإن زمايله في السجن نجحوا يهربوا نعي ليه ونجحوا ينشروه في الأهرام في غفلة من الرقيب اللي ما اهتمش بصفحات الوفيات، وكان وقتها جمال عبد الناصر خارج مصر في بلغراد بدعوة من تيتو لحضور المؤتمر الشيوعي، ووقف مندوب يوغسلافي وجه التحية لشهدي. واتسأل جمال عبد الناصر من صحفي، فقال ما معناه: ما قتلتش حد واللي غلط هيتحاسب، والنتيجة إن الرقيب في صحيفة الأهرام اتعزل من منصبه بعدها وبدأ فعلا تحقيق في القضية.

    شهدي مات بعد ترحيله من اسكندرية لأبي زعبل. وكان في أوردي ليمان أبو زعبل فيه ممارسة مشهورة إن الضباط يعملوا تشريفة للمساجين الجدد. قبل وصول شهدي وزمايله أعضاء منظمة حدتو بيوم شاف المساجين عربية بتنزل جريد نخل وشوم، فعرفوا إن فيه فوج مساجين جديد جاي. يوم 15 يونيو وصلت عربية الترحيلات، وكان فيها شهدي عطية وزمايله، شهدي كان في العربية صحته كويسة، وكان جه بعد ما دافع عن نفسه في المحكمة في قضية كان هو المتهم الرئيسي فيها، وأثناء دفاعه عن نفسه أعلن تأييده لجمال عبد الناصر. شهدي كان يشبه للمفارقة في الشكل لجمال عبد الناصر، ومش عارف هل دا كان ليه دور في زيادة التنكيل بيه ولا دي تفصيلة مش مهمة، بس اللي حصل إن الفوج لما وصل خرجوهم من العربية الساعة 5 الفجر تقريبًا، قسموهم أربع صفوف، قعدوهم على أطراف رجليهم لمدة نص ساعة أو ساعة، في الفترة دي كانوا العساكر مستمرين ف ضربهم، بعد كدا قسموهم 3 طوابير، وخلوهم كل 3 يجروا لحد الأوردي، وهم بيجروا كان في مجاميع عساكر واقفين لما بيمر المترحلين عليهم بيضربوهم وفي ضابط راكب حصان بيشارك في الضرب وبيشرف عليه، واللي بيقع منهم بيضربوه على راسه ووشه وجسمه، لحد ما يوصلوا للباب وهم بيتضربوا، وبيدخلوا الباب، والكاتب بيسجل اسمهم، وبيقلعوا هدومهم ويحلقوا كل دا والضرب ما وقفش. المهم وصلة مستمرة من الإهانة والضرب، اللي جسم شهدي عطية اللي كان أكبر في السن من زمايله ما استحملوش خصوصا إنهم كانوا متوصيين بيه. فؤاد حداد كتب عن شهدي عطية أكتر من مرة، وف قصيدة الأمريكانوس في سخرية من بعض الضباط اللي كانوا مشاركين في الضرب يومها، وهم: مرجان اسحق مرجان، ويونس مرعي، وعبد اللطيف رشدي. وبيقول فؤاد حداد في ختامها:

"قال التاريخ أنا شعري اسود

الأوردي قال إيه اللي جد

أوردي ليمان أبو زعبل سد

كل البنا اللي بناه اتهد

بكلمتين شهدي عطية"

    وفي قصيدة "مش عايز الفجر" يطلع إشارة للتعذيب والمعاملة اللي كانوا بيتعاملوها هناك. وبيقول فيها:

"بيضربوني في أبوي

ويضربوني في أمي

مطرح ما باسني أبويا

مطرح ما باستني أمي

الضرب زي الشتيمة

على حشاكي الأليمة

كان ليه حواني حشاكي

وترضعيني عشاكي

وكل ساعة تقومي

تغير لي هدومي

مضروب وحالق وحافي

كان ليه يا أمي بنقرا

كان ليه أروح المدارس

واتعلم الأبجدية

ليه الكتب والفهارس

والامتحان والعدية

قولي لأبوي اللي غارس

أكتر من العلم فيا

عبد اللطيف رشدي وارث

ابنك ف جملة عبيده

عبد اللطيف رشدي سيده

عبد اللطيف رشدي فارس

راكب حصان الحكومة

راسم على وشه بومه

تصرخ وراه الكوارث

وتمشي قدامه شومه

حلفت بالشومة دية

وبدم شهدي عطية

حلفت بالدم يجري

على حنان الصبية"


    لكن كمان كان فيه قصيدة طويلة عن شهدي اتكتبت في المعتقل لكنها فقدت، حسن ابنه بيقول في مقدمة الأعمال الكاملة الصادرة عن قصور الثقافة إن القصيدة اتصادرت في المعتقل هي وقصيدة تانية عن فريد حداد، ما بقاش منهم غير أبيات حافظها أصدقاؤه. من الأبيات اللي بقيت من القصيدة عن شهدي بيقول حداد:

"في يوم 15 من شهر يونيه

سنة 60 ميلادية

كان فجر مش فجر

كانت ليلة مقضية

متقدرة بالسنين مش مخلية"

ودي القصيدة اللي أظن في إشارة ليها هنا لما فؤاد حداد بيقول على لسان الشيطان:


"استعير رأيك واقهقه وأقول

عشت فجر يشبه المغربية

كنت فاكر إن ظله يطول"

    وظني إن في قصيدة رثاء شهدي عطية كان فيه البيت اللي بيتم استعارته هنا وربما كان بيقول: "كان فجر يشبه المغربية" أو "عشت فجر يشبه المغربية".

اللي بيأكد كدا إن نفس الاستعارة بيلعب عليها فؤاد حداد في قصيدة "عين شمس"، اللي بيقول في مقطع فيها:


"في مغيب الفجر أتعس مغيب

غنوتي شكل السبعة أشهر

من فريد حداد إلى شهدي"


    أما المصبنة فاللي فهمته إن المساجين بيتم تقسيمهم لوحدات عمل في مرافق مختلفة: زي المصبنة، والمغسلة والمزرعة. ويمكن فؤاد حداد وقتها اشتغل في الوحدة دي في مرحلة ما. أو إنها مرتبطة بالأحداث بشكل ما مش مدركه لعدم قدرتي على ربط الأحداث بالأماكن اللي جرت فيها. والسطرين دول فيهم استدعاء لمشهد برضه بعينه، وأظن "صاحبها" في البيت اللي بيقول (كان صاحبها في طقم أبيض صيفي) ممكن تكون إشارة للضابط اللي كان مشرف عليهم. الفكرة إن المعنى واضح دلوقتي والجو العام والمشاعر اللي بيشاور عليها المقطع بقت أوضح بعد ما عملنا الربط.


(التيوتا راكنة جنب الرصيف)

"والسبب في كل دي الغلبة

السبب في كل دي التخاريف

ع الوجيعة جت بوزن الآهات

التويوتا راكنة جنب الرصيف

نقل بالأجر لجميع الجهات"

    فؤاد حداد دخل السجن أكتر من مرة لميوله الشيوعية. والحركات الشيوعية رغم إنها كانت من روافد ثورة 52 إلا إن النظام المصري انقلب عليها بعد فترة ونكل برموزها وأعضائها. فؤاد حداد وقتها كتب عن السجن والتعذيب وكان فيه فترات صعبة، لكن كان جزء منه عنده لسة أمل. أمل في إن النظام الاشتراكي لو ما عرفش يحقق الصورة الكاملة اللي يتمناها على الأقل بيحقق أجزاء منها. كان لسة في بعض الثقة في شخص جمال عبد الناصر. وكان فيه أمل إن تصحيح ممكن يحصل، وتغيير للأفضل. وإن الكلام والكتابة والنضال والتضحيات اللي قدموها ليها أثر. لكن بعد موت جمال، انكشفت صورة مختلفة. الرئيس الجديد اختار سياسة الانفتاح، وانقلب من وجهة نظر فؤاد حداد واللي زيه على أحلام الاشتراكية. فؤاد كتب في ديوان ميت بوتيك نقد وسخرية من الانفتاح ومظاهره. الصدمة عند فؤاد كانت حقيقية وعميقة، صدمة خلته في سنة 1976 أصيب بالدوخة، والأطباء قالوا إن الدوخة سببها نفسي، وبدأ يتعالج، بس نتيجة دا توقف فؤاد عن الكتابة 4 سنين تقريبًا. وكان فؤاد شايف الشارع بيتغير، وكان شايف كتير من التغييرات مش تغييرات في الشكل بس، لكنها تغييرات بتعكس إنهيار حلمه وحلم زمايل الدرب. عشان كدا الشيطان لما بيقول لفؤاد حداد "كل حاجة بتنقلب للضد" بيشاور له على التويوتا اللي واقفة على جنب الطريق.

"جت في عينك صورة تتخايل

فيها شكل اللعبة والعجبة

حد غيرك عنها راح سائل

رأس مال .. والا عرض زائل

والا خفة يد مكتسبة

والا هي بجد .. مُغتصبة

وادّعت في عقلك المايل

إن سيد عصرنا مقاول

جزمته مسحوبة الرقبة

وانت عنده بتشتغل فاعل

طالع السقالة مش نازل

أنت أتعس من جمل ناقل

خطوته على ذمّة السَلَبَه

ظلّه يتلوّى ويتحايل

لاجل يخلص من صنم شايل

مطرحه وفوقه هرم هايل

والسبب في كل دي الغلبة

السبب في كل دي التخاريف

ع الوجيعة جت بوزن الآهات

التويوتا راكنة جنب الرصيف

نقل بالأجر لجميع الجهات"


ومن ضمن سخرية الشيطان من فؤاد حداد، بيقول مقطع جميل:

"في الهوا أربع خمس تفاحات

لما أقطف منها تفاحة

لو طبيعي كنت هاتقول هات

مش تقول أمريكا سفاحة"


المقاطع الساخرة اللي على لسان الشيطان، ممكن تشوفها إنها طريقة فؤاد حداد في التعامل مع المرارة اللي حاسسها، سخرية من نفسه ومن الواقع في نفس الوقت. وبتوصل المشاعر اللي حاسس بيها، والأمل اللي اتهد، والإحساس بعدم الجدوى. وعشان كدا الشيطان بيختم القصيدة بنهاية بديعة بيقول فيها:


"راحت الدنيا اللي كانت صبية

كان زمان وأنا قلت لك يا ابني

أما دلوقتي بقول يابا

وانصحك يابا تعيش راضي

قول لفنك ... مهما كان قادر

مستحيل .. هاتغير الماضي

مستحيل .. هاتغير الحاضر

مستحيل .. هاتغير المستقبل

وانحسار الموج وخيبة الأهبل

والشتا اللي بيجي بعد الخريف

الهزيمة في الثلاث جبهات

والتويوتا راكنة جنب الرصيف

نقل بالأجر لجميع الجهات"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات