عن حياة لدفيغ فتجنشتين (مقتطفات)
ويروي رسل عنه هذه الرواية التي تعبر عن عدم استقراره في إحدى فترات حياته فيقول إن فتجنشتين جاءه بعد نهاية الفترة الدراسية الأولى التي قضاها في كمبردج وسأله "أرجو ان تخبرني إن كنت غبيًا" فأجبته: "إنني لا أعرف لماذا تسألني"، فقال: "لأنني إذا كنت غبيًا فسأصبح ملاحًا جويًا، وإذا لم أكن غبيًا فسأصبح فيلسوفًا" حينئذ طلبت إليه أن يكتب لي شيئًا أثناء العطلة حول أي موضوع فلسفي وسوف أخبره عندئذ ما إذا كان غبيًا أم لا، ومع بداية الفترة الدراسية التالية أحضر لي ما طلبته منه، وبعد أن قرأت جملة واحدة منه قلت له: "لا، يجب عليك ألا تصبح ملاحًا جويًا".
*** *** ***

*** *** ***
كان فتجنشتين واعيًا بالجهد الكبير الذي يبذله في محاضراته، الأمر الذي جعله يعتزل كرسي الفلسفة في كمبردج عام 1947، فضلًا عن نصيحته المستمرة لتلاميذه المقربين بالتخلي عن فكرة العمل بتدريس الفلسفة، فقد حاول فتجنشتين عام 1939 أن يقنع نورمان مالكوم بالتخلي عن فكرة أن يصبح مدرسًا للفلسفة، وسأله عم إذا كان يعتقد أن الإنسان الطبيعي السوي لا يستطيع أن يكون أستاذًا للفلسفة بالجامعة، ويكون في نفس الوقت شخصًا جادًا أمينًا. وقد جدد فتجنشتين محاولته معه أكثر من مرة لإقناعه بالتخلي عن مهنة تدريس الفلسفة، كما قام بمثل هذه المحاولات مع طلبة آخرين أيضًا.
ولم يكن فتجنشتين بصفة عامة مهتمًا بالجانب المادي في الحياة، كما لم يكن حريصًا كل الحرص على جمع الثروة، بل كان على العكس تمامًا – وخير ما يشهد بذلك الحادثتان التاليتان:
1 – بعد وفاة أبيه عام 1912 أصبح فتجنشتين يمتلك ثروة كبيرة تنازل عنها كلها بعد عودته من الحرب العالمية الأولى مباشرة، ويعزو البعض سبب تخليه عن الثروة إلى:
- شعوره بالإثم لحصوله على ثروة لم يكتسبها بجهده بل عن طريق الميراث.
- رغبته في الابتعاد عن كل التعقيدات المتعلقة بالميراث وبالثروة نفسها، وخاصة من الناحية الإدارية والحكومية.
- رغبته في ألا تكون ثروته وأمواله هي أساس التفات الناس حوله، أو أساسًا لصداقة زائفة لا تقوم على رغبة في الاستفادة منه ماليًا.
ويؤيد فتجنشتين بنفسه التفسير الثالث، كما يذهب رسل إلى أن أساس تنازل فتجنشتين عن ثروته هو أن الثروة لا تعدو ان تكون عبئًا ومضايقة للفيلسوف.
إلا أنني أميل إلى الاعتقاد -حتى مع صحة هذا التفسير- إلى أن السبب الأساسي الذي جعله يتنازل عن ثروته هو تأثره البالغ بتولستوي، فأثناء الحرب العالمية الأولى، وقع صدفة على كتابات تولستوي عن الأناجيل التي يذكر فتجنشتين أنها تركت في نفسه أثرًا كبيرًا ويتضح ذلك التأثير الكبير إذا ذكرنا أن تولستوي كان قد فعل نفس الشيء وتنازل عن جميع أمواله وثروته الطائلة. بل حتى عن ألقابه ومات فقيرًا معدمًا.
2- أنه لم يكن يتخلى عن أصدقائه بمساعدتهم بالمال الذي قد يحتاجون إليه -بدون أن ينتظر إعادة هذا المال إليه مرة ثانية- وفي هذا الصدد يروي مالكوم الرواية التالية قائلًا: "على الرغم من كل المحاولات التي كان يبذلها فتجنشتين لكي يجعلني أتخلى عن مهنة التدريس، إلا أنه ساعدني بالفعل على الاستمرار في دراستي للفلسفة في كمبردج لمدة ستة أشهر
مقاطع من كتاب:
لدفيغ فتجنشتين
بقلم: عزمي إسلام
نوابغ الفكر الغربي، 19
دار المعارف، القاهرة
[196?]
تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء