البحث عن السعادة ليس جديرًا بفيلسوف
بقلم: جان فرانسوا دورتي
ترجمة: إبراهيم صحراوي
يبقى أولئك الذين يرون أن البحث عن السعادة ليس جديرًا بفيلسوف. فكرة السعادة لدى كانط هي منتوج خيالي وهمي وسراب فكري. يستقي الإنسان اعتباره وكرامته على كل حال من الواجبات التي عليه القيام بها وليس من البحث عن المتع الشخصية.
أكثر سوداوية وتشاؤمًا من أولئك، الذين لا يعتقدون إطلاقًا بإمكانية وجود السعادة، وهي حالة آرثر شوبنهاور الانتحاري التشاؤمي السوداوي. في كتابه الكبير "العالم باعتباره إرادة وتصورًا" (1818) يُسجل بعنف: “إن أبدية اﻵلام هي نفسها جوهر الحياة (…) الحياة مليئة بالصخور واللجج، ولاتصافه بالحيطة والحذر يستطيع الإنسان تجنبها ويعرف مع ذلك (…) أنه يمشي شيئًا فشيئًا إلى الغرق الكبير والتام الذي لا يمكن تفاديه أو علاجه، وأن شاطئه هو مكان خسارته وموته".
يدرِّس فردريك نيتشة (1844- 1900) بخصوص البحث عن السعادة التشاؤم والاحتقار نفسيهما. أما معاصرنا إميل ميشال سيوران فيدفع إلى الآخر بالسخرية من وهم السعادة. تبدو رؤيته المتقززة والمتشائمة من الوضعية الإنسانية في عناوين كتبه: الواضح في الانحلال/ التعفن، قياسات الكآبة، وحتى: “في مساوئ أن يولد الإنسان".
***
ولد إبيكتتوس حوالي سنة 50 ميلادية في هيريابوليس في فريحية في آسيا الصغرى. ولد عبدًا. كان في خدمة شخص يدعى إيبافروديت الذي ورغم عنفه معه أحيانًا رباه تربية فلسفية وأعتقه مع وصوله سن الرشد.
بعد أن أصبح إنسانًا حرًا ذهب إبيكتتوس إلى روما ليفتح فيها مدرسة فلسفية متخصصة في تدريس الرواقية. كان يمكن للإنسان حينها أن "يستقر" كفيلسوف بفتحه مدرسة فلسفية لتدريس الرواقية مثلا أو بأن يكون مستشارًا للأمير.
ولأنه كان مهددًا بالمطاردة التي شنت ضد الفلاسفة في روما سنة 93م دوميتيانوس، فقد لجأ إلى مدينة نيكوبوليس وبدأ فيها حياته من جديد في سن ال43.
احتفظنا من إبيكتتوس خصوصًا بالتمييز الشهير بين "الأشياء التي تتعلق بنا وتلك التي لا تتعلق بنا". الأشياء التي تتعلق بنا - وهي التفكير والرغبة والحب والكره – نستطيع التحكم فيها ومراقبتها وتسييرها بالإرادة. حريتنا موجودة هنا وعلينا استعمالها كاملة.
ينبغي أخذ الأشياء التي لا تتعلق بنا – ومنها الاعتراف والمرض والموت إلخ – كما تأتينا بما أنها "ليست من عملنا الخاص". لماذا التأثر مما لا يمكن تفاديه؟ لماذا تحزن لما لا تستطيع تغييره؟
يبدو مذهب إبيكتتوس من هذه الزاوية منتميًا إلى الرواقية. يدعو إلى ضرورة تعمل إحداث القطيعة مع الرغبات المفتعلة. لكنه أيضًا فلسفة للحرية الداخلية والإرادة. نستطيع تغيير نظرتنا إلى العالم واستعادة حريتنا بهذا الصنيع. ونستطيع أن نتعلم عبر مراحل مختلفة كيف نتحكم في حزننا وأشجاننا.
------------------
من كتاب: فلسفات عصرنا: تياراتها، مذاهبها، أعلامها، وقضاياها
جان فرانسوا دورتي
ترجمة: إبراهيم صحراوي

تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء