كنقطة سوداء تتحرك على ورقة بيضاء

Vassily Kandinsky, 1937



بقلم: أحمد ع. الحضري

هناك قصة تراثية قديمة تحكي عن جارين أحدهما عابدٌ مجتهدٌ في عبادته، وآخر مشغول بالدنيا، يتمتع بها، تحكي القصة كيف كان الجاران يمرُّ أحدهما على الآخر، فيحثه على أن يصير مثله، حتى يأتي يومٌ ويقرر كلٌ منهما أن ينتقل إلى حياة الآخر يصعد هذا إلى ذاك ويهبط ذاك إلى هذا، ويموتان في منتصف الطريق بين الدارين. القصة تروى على المنابر عادة، في سياق الحديث عن خواتيم الأعمال، لكنني فكرت الآن أن نفس القصة الرمزية تصلح أيضًا لتوضيح نظرة مخالفة تمامًا.    
     .   
أفكر أن حركة كلٍ من الرجلين تجاه الآخر هي حركة طبيعية، لا ليصلا إلى منطقة المنتصف، كما قد يقول شخصٌ ما، فالمنتصف يتشارك مع النقطتين في نفس مشكلتهما. حركة الرجلين تجاه بعضهما البعض هي حركة منطقية تمامًا لأن ثبات كل منهما على طريقته كل هذا الوقت، يبذر داخل كل منهما بذرة تنمو مع الوقت للنقيض، ولو كان هناك بيتٌ آخر في المنتصف بينهما يمزج بشكل ما بين الحياتين، ربما نمت بداخله مع الوقت بذرة لتطرفٍ ما، أحس أن هذا أمرٌ طبيعيٌ، ومن هذا المنطلق، ما يهمني هنا على عكس المنطق الديني، ليس الخواتيم، وإنما كيف رسم كل رجل من هذين الرجلين من خلال هذه الحركة -بتفاصيلها التي لم تروها القصة الرمزية- لوحة خاصة به، كنقطة سوداء تتحرك على ورقة بيضاء، الأهم من كونها بدأت من نقطة معينة أو كونها انتهت في نقطة بعينها، هو طريقة حركتها التي تعبر عن شخصيتها الخاصة، وبصمتها المميزة في الحياة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات