احتلوا المستقبل/ نعوم تشومسكي ...2
بقلم: نعوم تشومسكي
ترجمة: أحمد ع. الحضري
في عام 2005 رأت سيتي جروب (Citigroup) - والتي تم إنقاذها بالمناسبة عدة مرات عن طريق المساعدات الحكومية- الأثرياء كفرصة نمو؛ فأطلق البنك كراسة للمستثمرين حثهم فيها على وضع أموالهم في ما يدعى "مؤشر بلوتونومي" [i](Plutonomy Index) [مؤشر الثراء] والذي حدد أسهم الشركات التي تلبي احتياجات السوق الفاخرة.
"العالم مقسم إلى فئتين: البلوتونوميين والبقية"، هكذا لخصت سيتي جروب الأمر. "الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا هم البلوتونوميين الأساسيين، الاقتصاد يديره الأثرياء"
أما بالنسبة لغير الأغنياء فيطلق عليهم أحيانا لفظ بريكاري :[ii](precariat) الأشخاص الذين يعيشون وضعًا متزعزعا على هامش المجتمع. لكن هذا الهامش على الرغم من ذلك صار نسبة غالبة وجوهرية من إجمالي السكان في الولايات المتحدة وفي بقية مناطق العالم.
لذا فإن لدينا البلوتونومي [يقصد الأغنياء]و البريكاري [يقصد الفقراء]: "الواحد في المائة، والتسعة وتسعين في المائة - وفقًا لرؤية حركة" احتلوا"- وهي أرقام ليست مطابقة تمامًا للواقع لكنها معبرة عن الصورة بدقة.
الانقلاب التاريخي في ثقة الناس في المستقبل يعبر عن نزعات قد تغدو غير قابلة للتصحيح. واحتجاجات حركة "احتلوا" هي أول رد فعل شعبي ضخم ربما يكون قادرًا على تغيير هذه الدينامية؟
الانقلاب التاريخي في ثقة الناس في المستقبل يعبر عن نزعات قد تغدو غير قابلة للتصحيح. واحتجاجات حركة "احتلوا" هي أول رد فعل شعبي ضخم ربما يكون قادرًا على تغيير هذه الدينامية؟
لقد اقتصرت على القضايا المحلية في حديثي، لكن تطورين خطيرين في الساحة الدولية يلقيان بظليهما على كل شيءٍ آخر:
فلأول مرة في تاريخ البشرية هناك أخطار حقيقية تهدد بقاء الجنس البشري بأكمله؛ منذ عام 1945 امتلكنا أسلحة نووية، ويبدو أنها معجزة أن تمكنا من النجاة منها، لكن سياسات إدارة أوباما وحلفائها تشجع التصعيد.
التهديد الآخر هو كارثة بيئية؛ فعمليًا كل دولة تأخذ على الأقل خطوات عرجاء من أجل أن تفعل شيء بهذا الخصوص: الولايات المتحدة تأخذ خطوات متقهقرة .النظام الدعائي، بتواطؤ واضح من مجتمع المال يعلن أن قضية التغير المناخي هي مجرد خداع ليبرالي: لماذا نلقى بالا لهؤلاء العلماء؟ ولو استمر هذا العناد في أغنى وأقوى دولة في العالم؛ فإن الكارثة لا يمكن تجنبها.
شيء ما لا بد أن يتم فعله، بطريقةٍ منضبطة وجوهرية، وبسرعة. لن يكون من السهل المواصلة، ستكون هناك مشاق وإخفاقات ،هذا أمرٌ لا مفر منه؛ لكن ما لم تنمُ العملية التي تجري هنا وفي أماكن أخرى من الدولة وحول العالم ،لتصبح قوة غالبة في المجتمع والسياسات فإن فرص الوصول لمستقبل لائق كئيبة.
لا يمكنك تحقيق مبادرات خطيرة دون قاعدة شعبية كبيرة، وفاعلة. من المهم الخروج إلى أرجاء البلاد لمساعدة الناس على فهم مغزى حركة احتلوا، وما الذي يستطيعون فعله، وما عواقب عدم فعل أي شيء.
تنظيم مثل هذه القاعدة الجماهيرية يتضمن التعليم، والفاعلية، ولا يعني التعليم أن تخبر الناس ما يجب عليهم أن يعتنقوه، بل يعني أن تتعلم منهم ومعهم.
قال كارل ماركس: "لا تقتصر على مجرد فهم العالم، بل تعد ذلك إلى محاولة تغييره". هناك متغير لابد أن نأخذه في الحسبان هو أنك إن أردت أن تغير العالم لا بد أن تحاول فهمه، ولا يعني هذا الاستماع إلى حديث ما، أو قراءة كتاب - رغم أن هذا يفيد أحيانا. تعلم من المشاركة، تعلم من الآخرين، تعلم من الناس الذين تحاول تنظيمهم؛ فكلنا يجب أن نكتسب الفهم والخبرة لتكوين وتمكين الأفكار .
أكثر الجوانب إثارة في حركة احتلوا هي عملية بناء الصلات التي تجري في كل مكان، لو أمكن أن تزيد وتتوزع فإن "احتلوا" ستقود إلى جهود مكرسة لبدء مجتمع على أرضية أكثر إنسانية.
ملحوظة: مابين المعقوفات [...] إضافات من المترجم للتوضيح وليست من صلب النص الأصلي
ملحوظة: مابين المعقوفات [...] إضافات من المترجم للتوضيح وليست من صلب النص الأصلي
[i] اللفظ مشتق من اسم بلوتوس (Plutus) إله الثراء عند اليونان. (المترجم)
[ii] لفظ يدل على الطبقة العاملة تم صكه من جمع لفظي (proletarian) بلوريتاري -وهي التسمية التي أطلقت على الطبقة العاملة في الأدبيات الماركسية وانتقلت منها للأدبيات الأخرى- و (precarious) متزعزع أو محفوف بالمخاطر، وتغيير المصطلح هنا يشير إلى ما تواجهة هذه الطبقة من عدم ثبات والخطر الذي تعانيه (المترجم)
تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء