سيرة علي الزيبق المصري .. 3

من رسومات إحدى الترجمات الإنجيلزية لألف ليلة ولية .. للفنانة فيرجينيا فرانسيس ستاريت (Virginia Frances Sterrett)

بقلم: أحمد ع. الحضري


     أول ما قرأت من حكايات تدور حول علي الزيبق وملاعيبة مع دليلة بنت الليل المحتالة كان في كتاب ألف ليلة وليلة، وكنت أظن أن سيرة على الزيبق هي الأسبق وأنها هي أصل الحكاية الواردة في ألف ليلة، لكن محمد رجب النجار يرى أن الحكاية الواردة في ألف ليلة وليلة هي التي جاءت أولا وهي نواة -مجرد نواة- للسيرة سرعان ما نمت وتطورت في مسار منفصل خاص بها. الحكاية في ألف ليلة تبدأ وتنتهي في بغداد، أما في السيرة فهي تبدأ في مصر حيث يقضي علي الزيبق طفولته، وبداية فترة شبابه، لتنتقل بعد ذلك إلى أرجاء متنوعة.


     لكن العلاقة بين النصين لا تتوقف عند استيحاء الفكرة الأصلية وتطويرها؛ فكما نلحظ هناك بعض الحكايات التي تستوحي بأشكال مختلفة تيمات وردت في حكايات ألف ليلة؛ ففي قصة علي بن الرماح مع الجنية فيروز مثلا، تبدأ الحكاية بدخول الفتى إلى القصر مع الجنية التي فتنته، ويشهد فيه من النعيم ما يأخذ عقله، وحين تتركه لبعض الوقت تسمح له بدخول كل حجرات القصر الأربعين سوى واحدة، وطبعا يدخل بعد تردد إلى الغرفة الممنوعة ليعرف ما لم يكن يعرف، ومن التيمات التي وردت في الليالي أيضا  تيمة الجن الذي يخطف الفتاة الجميلة وهي تيمة وردت أكثر من مرة في السيرة، ومنها أيضًا حكاية والي البصرة مع الكلبين المسحورين،  التي وردت تقريبا بنفس الشكل في الليالي وهي تبدأ بملاحظة تصرف الوالي الغريب بتعذيبه للكلبين، ثم البكاء عليهما وإطعامهما كل ليلة؛ حيث يتبين بتطور الأحداث أن الكلبين هما أخواه الذان حولتهما الجنية إلى كلبين نتيجة لمحاولاتهما المتكررة لخيانة أخيهما، ورغم ذلك فالحكايات في السيرة تسير غالبا بعد التيمة المستعارة في طريق خاص بها، ولا تأتي  أحداث حكاية  منقولة عن الليالي من البداية إلى النهاية إلا نادرًا (مرة أو اثنتان على أقصى تقدير).

      أيضا من الحكايات التي تبدو لي قريبة من جو ألف ليلة وليلة جدا حكاية الدراويش الثلاثة، خصوصا أن ما من دور فيها للزيبق والشطار، والبطل الرئيس فيها هو هارون الرشيد نفسه بالإضافة للدراويش الثلاثة، وتبدأ الحكاية كما تبدأ بعض حكايات ألف ليلة بملل يصيب الخليفة؛ فينزل  إلى شوارع المدينة متنكرًا، ليقابل أثناء ذلك الدراويش الثلاثة ويسمع أمنياتهم المختلفة -دون أن يعرفوه- ويقرر تحقيقها: الأمنية الأولى للدرويش الأول أن يصبح ملكا لثلاثة أيام، والأمنية الثانية للدرويش الثاني هي الحصول على الجارية خيزران جارية الخليفة، والدرويش الثالث كان واقعيا ساخرا في طلباته فطلب أن يمدوه ثلاثمائة عصاة، ويعطوه ثلاثمائة دينار، وينفوه من بغداد ويتم بعد ذلك كشف حكاية كل درويش منهم وسبب أفعاله بشكل مشوق.

      بطبيعة الحال هناك استفاده أو تأثر بالليالي ربما لتقارب الزمن بينهما، ولكن هذا التأثر لا يعني التشابه؛ فبنية السيرة وأسلوبها وبنية الحكايات فيها تختلف في المجمل عن بنيه وأسلوب الليالي، كما أن الحكايات المتأثرة - بالأسلوب الذي ذكرناه - محدودة وتأتي متناثرة على مدار السيرة.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات