مقاطع من كتاب ستيف جوبز لوالتر إيزاكسون
من الفصل الأول:
بُني منزل آل جوبز والمباني الأخرى في حيهم بواسطة المقاول جوزيف إيكلار الذي بنت شركته ما يزيد عن 11 ألف منزل في العديد من مقاطعات كاليفورنيا في الفترة ما بين 1950 و 1974، قام إيكلار – مستمدًا إلهامه من رؤية فرانك لويد رايت لتوفير منازل عصرية بسيطة "لجميع" الأمريكيين- ببناء منازل رخيصة الثمن وتتميز بحوائط زجاجية تمتد من الأرض إلى السقف وتصميم الدور الأرضي المفتوح، وأسلوب التشييد بالأعمدة والعوارض المكشوفة، وأرضيات الألواح الخرسانية، والكثير من الأبواب الزجاجية المنزلقة. قال جوبز أثناء إحدى جولاتنا حول الحي: "لقد قام إيكلار بعمل عظيم. إن المنازل التي بناها تتميز بالأناقة ورخص الثمن والجودة، وقد مكنت الأشخاص ذوي الدخل المحدود من امتلاك منازل ذات تصميم بارع وذوق بسيط. وقد كانت تمتلك بعض المقومات المذهلة، مثل تدفئة الأرضيات بالحرارة الإشعاعية. إنك تغطي الأرضيات بالسجاد، ولكننا كنا نمتلك أرضيات دافئة رائعة عندما كنا أطفالًا".
قال جوبز إن تقديره للمنازل التي بناها إيكلار غرست فيه الشغف لصنع منتجات جيدة التصميم لتسويقها. قال جوبز مشيرًا إلى الأناقة البسيطة للمنازل: " أحب كثيرًا أن يتمكن المرء من دمج التصميم العظيم مع القدرات البسيطة لإنتاج شيء لا يكلف الكثير. لقد كانت هذه هي رؤية شركة أبل الأساسية، وهذا ما حاولنا تحقيقه في جهاز Mac (ماك) الأول، وهذا ما حققناه في جهاز iPod (آي بود)".
لقد كانت معلمة الفصل المتقدم امرأة شجاعة تدعي إيموجين هيل وكانت تعرف باسم تيدي، وقد أصبحت، كما يقول جوبز: "أحد أبطاله". بعد أن راقبت المعلمة سلوكه لبضعة أسابيع، قررت أن أفضل طريقة للتعامل معه هي رشوته. قال جوبز: "في إحدى الأيام بعد انتهاء اليوم الدراسي أعطتني كتيب تدريبات مليئًا بالعمليات الحسابية وقالت: "أريدك أن تأخذ هذا الكتاب للبيت وتحل هذه العمليات الحسابية، ففكرت في نفسي، هل فقدت عقلها؟ ثم أخرجت المدرسة إحدى تلك المصاصات العملاقة التي تبدو أنها بحجم الكرة الأرضية، وقالت: عندما تنتهي من حل المسائل الحسابية، وإذا كان معظمها صحيحًا، فسأعطيك هذه المصاصة وخمسة دولارات". وبالفعل سلمتها المسائل الحسابية المحلولة بعد يومين"، وبعد بضعة أشهر لم يعد جوبز يحتاج إلى الرشوة، فكما يقول: "جل ما أردته هو أن أتعلم وأسعدها".
وكمكافأة له أعطته المعلمة عدة هوايات لتجليخ العدسات وصنع كاميرا. قال جوبز: "لقد تعلمت منها أكثر مما تعلمت من أي معلم آخر، ولولاها من المؤكد أنني كنت سأدخل السجن". عزز هذا الأمر، مرة أخرى، من فكرة أنه مميز، حيث قال: " في الفصل كنت الوحيد الذي تهتم به. لقد رأيت شيئًا مميزًا بي".
*** *** ***
أراد والد جوبز تنشئته تنشئة دينية، بالرغم من عدم تمسكهما التام بتعاليمه؛ لذا فقد كانا يصطحبانه إلى دار العبادة المحلية كل أحد، وانتهى هذا الأمر عندما بلغ الثالثة عشرة من العمر، في يوليو من عام 1968 نشرت مجلة لايف صورة غلاف صادمة يظهر فيها طفلان يتضوران جوعًا في إقليم بيافرا في أفريقيا، والتي أخذها جوبز إلى مدرسة الأحد وواجه بها رجل الدين في دار العبادة قائلًا: " إذا رفعت أحد أصابعي، فهل سيعرف الله هذا قبل حتى أن أقوم به؟"
رد رجل الدين: "نعم فالله يعلم كل شيء".
فاخرج جوبز حينها غلاف مجلة لايف وسأل رجل الدين: "حسنًا، هل يعلم الله شيئًا عن هذا وما الذي سيحدث لهؤلاء الأطفال؟
فقال رجل الدين: "ستيف، أعلم أنك لا تفهم، ولكن نعم، الله يعلم بهذا الأمر".
أعلن جوبز بعد ذلك أنه لا يريد أن يكون مؤمنًا، ولم يعد إلى دار العبادة مرة أخرى، ولكنه قضى سنوات طويلة في دراسة ومحاولة ممارسة تعاليم البوذية، وبعد سنوات من التفكير العميق في أحاسيسه الروحية، قال جوبز إن الدين كان في أفضل حالاته عندما كان يركز على التجارب الروحية بدلًا من الإقناع بالعقدية.
*** *** ***
ازدهر جوبز عقليًا خلال السنتين النهائيتين من دراسته الثانوية ووجد نفسه عند مفترق طرق، وكان قد بدأ في رؤية طريقين، إما طريق خبراء الحاسب الذين ينغمسون في الإلكترونيات أو طريق الذين ينغمسون في الأدب والتجارب المبتكرة. قال جوبز: "كنت قد بدأت سماع الموسيقى طوال الوقت، وبدأت قراءة المزيد خارج مجال العلوم والتكنولوجيا -شكسبير وأفلاطون وأحببت الملك لير". وكان يفضل أيضًا رواية موبي ديك وأشعار ديلان توماس، فسألته لماذا تعلق بالملك لير وبالكابتن إهاب، وهما اثنان من أكثر شخصيات الأدب عنادًا وتحفزًا، ولكنه لم يعلق على العلاقة التي كنت أحاول رسمها بينه وبين هاتين الشخصيتين، لذا فقد تخليت عنها. قال جوبز: "عندما كنت في سنتي النهائية تلقيت دروس التوظيف المتقدمة في اللغة الإنجليزية وقد كان المعلم يشبه إرنست هيمنجواي. وكان أن اصطحب بعضًا منا للسير على الجليد في يوسيميتي".
هناك دورة تدريبية أخرى تلقاها جوبز وتعتبر من تقاليد وادي السليكون: درس الإلكترونيات الذي يدرسه جون ماكولم، طيار البحرية السابق ذو الأسلوب المسرحي الذي يحمس طلابه بالخدع التي تبدو كما لو كان يطلق ملف تيسلا، وقد كان مخزنه الصغير، الذي يقرض مفتاحه لطلبته المفضلي، يمتلئ بالترانزستورات والقطع الأخرى التي قام بجمعها.
*** *** ***
من الفصل الثاني:
أثناء دراسته في صف الأستاذ ماكلوم تصادق جوبز مع خريج يدعى ستيف وزنياك والذي كان الطالب المفضل لدى الأستاذ، بالإضافة إلى كونه أسطورة المدرسة لعبقريته الإلكترونية، وكان ستيف وزنياك عضوًا في فريق السباحة مع جوبز، وكان يكبر جوبز بخمسة أعوام تقريبًا وأكثر دراية بعالم الإلكترونيات منه، لكنه على الجانب العاطفي والاجتماعي، كان لا يزال شخصًا منعزلًا ومهووسًا بالحاسبات الآلية كما كان أيام الدراسة الثانوية.
وعلى غرار جوبز، فقد تعلم وزنياك الكثير من والده، إلا أن دروس كلا الوالدين كانت مختلفة؛ فقد ترك بول جوبز الدراسة قبل استكمال المرحلة الثانوية وتعلم أثناء قيامه بتصليح السيارات كيف يحقق أرباحًا ضخمة من إبرام الصفقات المناسبة لشراء قطع غيار السيارات. أما فرانسيس وزنياك، والمشهور باسم جيري، فقد كان مهندسًا بارعًا تخرج من معهد كالتك، حيث كان يلعب في مركز الظهير الربعي في فريق كرة القدم الأمريكية، ليصبح فيما بعد عالمًا في صناعة الصواريخ لدى مؤسسة لوكهيد، وكان يعلي من قيمة الهندسة وينظر باستخفاف لهؤلاء الذين يعملون في الأعمال التجارية والتسويق والمبيعات. ويتذكر ستيف وزنياك والده قائلًا: "أذكره وهو يقول لي إن الهندسة هي أرقى مستوياات الأهمية التي يمكن أن تصل إليها في هذا العالم، فهي تنقل المجتمع إلى مستوىً جديد".
*** *** ***
والد ووز علمه شيئَا آخر أصبح جزءًا أصيلًا من طفولته مما أدى إلى امتلاكه لشخصية انعزالية اجتماعيًا، وهذا الشيء هو: لا تكذب، وعن هذا يقول ووز: "آمن أبي بالصدق، بل بالصدق المطلق. وكان هذا أهم ما علمني إياه. ولذا لم أكذب أبدًا، حتى يومنا هذا". (والاستثناء الوحيد يكون من أجل استكمال الحبكة الدرامية لمقلب فكاهي). بالإضافة إلى ذلك قام الوالد بغرس كراهية الطموح الذي لا حدود له في نفس ابنه، وهو ما يميز ووز عن جوبز. في حفل أقيم لإطلاق أحد منتجات شركة أبل عام 2010، أي بعد أربعين عامًا من تعارفهما أشار ووز إلى هذا الاختلاف حينما قال: "قال لي والدي: "يجب أن ترغب دائمًا في أن تكون في مكانة وسطية". لذا لم أكن أرغب في أن أكون وسط علية القوم مثل ستيف. لقد كان والدي مهندسًا. وهذا هو ما أردت أن أكونه. وكان انعزالي الدائم يمنعني من أن أكون قائدًا مثل ستيف".
*** *** ***
من الفصل الرابع:
عندما وصل جوبز إلى شركة أتاري مرتديًا خفًا ومطالبًا بوظيفة، تم استدعاء آل ألكورن لمقابلته، وعن هذا يقول ألكورن: "أخبروني بأن هناك شابًا من الهيبيين بالردهة يقول إنه لن يغادر حتى نعينه في وظيفة وتساءلوا: "هل نحضر له الشرطة أم ندعه يدخل إليك؟ فقلت لهم دعوه يدخل!"
ومن ثم، أصبح جوبز واحدًا من أول خمسين موظفًا بشرك أتاري، حيث عمل في وظيفة فني مقابل 5 دولارات في الساعة، ويتذكر ألكورن قائلًا: "عند استعادة الأحداث، كان من الغريب تعيين أحد المتسربين من التعليم بكلية ريد. ولكني رأيت فيه شيئًا، كان ذكيًا للغاية ونشيطًا ومتحمسًا للتكنولوجيا". كلفه ألكورن بالعمل مع مهندس صارم يدعى دون لانج وفي اليوم التالي اشتكى لانج قائلًا: " هذا الشاب من الهيبيين وله رائحة نتنة. لماذا تفعل بي هكذا؟ هذا شخص يستحيل التعامل معه". كان جوبز متمسكًا بمعتقد أن النظام الغذائي المعتمد على الخضروات والفاكهة سيمنع عنه المخاط ويمنع أيضًا رائحة الجسد، حتى إن كان لا يستخدم مزيلات للتعرق أو الاستحمام بانتظام. وكانت نظرية خاطئة.
كان لانج وآخرون يرغبون في تسريح جوبز، ولكن بوشنيل فكر في حل قال: "لم تهمني الرائحة والسلوك. كان ستيف شخصًا حساسًا، ولكنني كنت معجبًا به نوعًا ما. ولذا طلبت منه أن يعمل في الدوام الليلي، وكانت هذه طريقة لإنقاذه". كان جوبز يأتي في المساء بعد انصراف لانج والآحرين ويعمل طوال الليل، وعلى الرغم من إنعزاله، فإنه كان مشهورًا بفظاظته، ففي تلك المناسبات التي يصادف فيها التعامل مع الآخرين، كان يميل نحو وصفهم بالحمقى. وفي استعادته لأحداث الماضي، كرر جوبز هذا الرأي قائلًا: "السبب الوحيد لتألقي هو أن الآخرين كانوا سيئين للغاية".
وعلى الرغم من غروره (أو ربما بسبب غروره)، استطاع جوبز أن يأسر قلب مدير شركة أتاري، ويسترجع بوشنيل ذلك قائلًا: "كان شخصًا فلسفيًا. وقد اعتدنا مناقشة الإرادة الحرة في مقابل الجبرية، وكنت أؤمن بأن الأمور كلها مقدرة علينا لدرجة أننا مبرمجون. لو كانت لدينا معلومات كاملة، لكان بإمكاننا التنبؤ بتصرفات الآخرين. غير أن ستيف كان يشعر بالعكس". كانت هذه الرؤية تتناسب مع إيمانه بقدرة الإرادة على تحريف الحقائق.
ساعد جوبز في تطوير بعض الألعاب من خلال استخدام الشرائح الإلكترونية لإنتاج تصميمات ممتعة، واكتسب جوبز بعضًا من قدرة بوشنيل على الإنفراد بالرأي وتسيير الأمور حسب هواه. بالإضافة إلى ذلك، كان جوبز يقدر بساطة ألعاب شركة أتاري بصورة بدهية. كانت هذه الألعاب تأتي بدون كتيب تعليمات وليست بها أي تعقيدات بحيث يستطيع المبتدئ صاحب المعرفة القليلة التعامل معها وكانت التعليمات الوحيدة توجد في لعبة شركة أتاري ستار تريك: "1: أدخل العملة 2. تجنب وحوش الكلينجونز".
*** *** ***
من الفصل الخامس:
وقد كان المعالج الدقيق كما تصوره وزنياك -رقاقة واحدة تحتوي وحدة المعالجة المركزية بأكملها- لقد كان يتمتع بالفطنة. كان وزنياك يصمم وحدة إدخال ذات لوحة مفاتيح وشاشة يمكن توصيلها بجهاز حاسب صغير مستقل ، وباستخدام المعالج الدقيق كان باستطاعته أن يضع بعضًا من سعة الحاسب الصغير في وحدة الإدخال نفسها، وبهذا يمكن أن يصبح جهاز حاسب صغيرًا ومستقلًا بذاته على سطح المكتب..
*** *** ***
كان جوبز مذهولًا وأمطر وزنياك بالأسئلة: هل يمكن ربط الحاسب بحاسب آخر؟ هل من الممكن تزويده بقرص يعمل كذاكرة تخزين؟ وبدأ أيضًا في مساعدة وزنياك على الحصول على المكونات، وأولى اهتمامًا خاصًا لشرائح ذاكرة الولوج العشوائي الديناميكية. قام جوبز بإجراء بعض الاتصالات الهاتفية واستطاع الحصول على بعض منها من شركة إنتل مجانًا. قال وزيناك: " كان ستيف من نوعية الأشخاث الذين يعرفون كيفية التحدث مع ممثلي المبيعات، وهو الأمر الذي لم أستطع القيام به أبدًا، إنني خجول للغاية".
*** *** ***
(مولد شركة أبل)
بعد أن قررا أن يؤسسا شركتهما الخاصة، كانا بحاجة إلى اسم لها، عاد جوبز لتوه من زيارة مرعة أول وان فارم، حيث كان يعتني بأشجار التفاح هناك، وذهب وزنياك ليقله من المطار. تبادلا خلال ذهابهما بالسيارة إلى لوس ألتوس عرض الخيارات المتاحة أمامها، حيث فكرا في بعض الكلمات التقنية البحتة مثل ماتركس، وبعض الألفاظ الجديدة مثل إكسيوتك، وبعض المسميات الطويلة مثل مؤسسة بيرسونال كمبيوتر إنكربوراشن. كان الموعد النهائي لاختيار الاسم هو اليوم التالي الذي حدده جوبز لملء أوراق الشركة. في النهاية عرض جوبز اقتراح Apple Computer أبل كمبيوتر. وضح جوبز سبب اقتراحه لهذا الاسم قائلًا: "لقد كنت أقوم بحمية قائمة على الفواكه، وكنت عائدًا لتوي من مزرعة التفاح، لقد بدا لي مرحًا وجريئًا وهائلًا. لقد استولت كلمة أبل على العرش من كلمة كمبيوتر، بالإضافة إلى أنها ستجعلنا نسبق شركة أتاري في دليل الهاتف"، وأخبر جوبز وزنياك بأنهما إن لم يتوصلا إلى اسم أفضل حتى ما بعد ظهيرة اليوم التالي فسوف يستقران على تسمية أبل. وقد فعلا.
كانت كلمة أبل خيارًا ذكيًا. فقد أظهرت الكلمة على الفور ودًا وبساطة، وقد نجحت في أن تكون غريبة وطبيعية كقطعة ممن الحلوى في الوقت نفسه. كان في اختيار الكلمة لمحة من الثقافة المخالفة للتقاليد المادية والعودة للطبيعة، ولكنها كانت تعبر عن نزعة أمريكية خالصة. وقد كان وقع الكلمتين معًا –أبل كمبيوتر- على السمع يعطي انفصالًا ممتعًا بينهما. قال مايك ماركولا الذي أصبح فيما بعد أول رئيس للشركة الجديدة: "لم يكن اختيارًا معقولًا، لذا فإنه يجبر عقلك على التفكير فيه. التفاح والحاسبات، إنها أشياء لا تتناسب مع بعضها. هذا ما ساعدنا على زيادة شهرة العلامة التجارية".
*** *** ***
من الفصل الثالث:
(مايك ماركولا)
كل هذه الأمور تطلبت مالًا يقول جوبز: "إن تصنيع هذه الحاوية البلاستيكية كان سيتكلف ما يقرب من 100000 دولار"؛ لذا فقد عاد جوبز مرة أخرى للقاء نولان بوشنيل لحثه على المشاركة ببعض المال مقابل الحصول على حصة في الملكية أقل من خمسين في المائة. ويقول بوشنيل بتهكم: " لقد سألني إن كان بإمكاني تمويل الشركة بملغ 50000 دولار ويعطيني في المقابل حصة تعادل ثلث الشركة. لكنني كنت عبقريًا ورفضت العرض، وهذا أمر من الطريف التفكير فيه الآن، عندما أستطيع منع دموعي".
اقترح بوشنيل على جوبز لقاء دون فلانتاين وهو شخص يتسم بالصدق والصراحة ويعمل مدير تسويق لدى شركة ناشونال سيميكوند آكتور، كما أسس شركة سيكويا كابيتال، وهي شركة رائدة في مجال تمويل المشروعات الصغيرة. حضر فلانتاين إلى مرآب جوبز بسيارة مرسيدس ويرتدي حلة زرقاء وقميصًا ورابطة عنق. وكان انطباعه الأول أن جوبز يبدو غريب الأطوار. ويتذكر فالنتين هذا ويقول: " ستيف كان يحاول أن يكون تجسيدًا لكل ما هو خارج عن المألوف، فهو نحيف جدًا ولديه لحية خفيفة ويشبه الرئيس الفيتنامي (هو تشي مين)".
ومع ذلك فإن فالنتين لم يصبح مستثمر وادي السيلكون الأبرز بالاهتمام بالمظاهر السطحية. لكن ما أزعجه أكثر من هيئة جوبز هو أن جوبز لا يعرف أي شيء عن التسويق ويبدو مكتفيًا بعرض منتجه على المتاجر الخاصة واحدًا بعد الآخر. لذا فقد قال له فالنتين: "إن أردت أن أمولك فستحتاج إلى شريك يعي التسويق والتوزيع جيدًا وبإمكانه وضع خطط العمل". كان جوبز يميل إما إلى الشعور بالغضب أو بالاهتمام الشديد عندما ينصحه شخص كبير في السن. وفي حالة فالنتين اهتم بشدة، وأجابه قائلًا: "أرسل لي أسماء ثلاثة أشخاص تقترحهم". وبالفعل قام فالنتين بهذا وقابلهم جوبز، واتفق مع أحدهم وهو شخص يدعى مايك ماركولا. والذي سينتهي به الحال بلعب دور حيوي في شركة أبل في العشرين عامًا التالية.
كان ماركولا يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا فقط، لكنه كان قد تقاعد بالفعل من العمل لدى شركة فيرتشايلد ومن بعدها شركة إنتل، حيث حقق الملايين من حصته في الأسهم بعد ما حققته هذه الشركة التي تصنع رقاقات الحاسب من رواج. لقد كان رجلًا حذرًا وداهية ويتحرك بطريقة دقيقة تدل على شخص كان يمارس رياضة الجمباز في المدرسة الثانوية، كما كان بارعًا في صياغة استراتيجيات التسعير وشبكات التوزيع والتسويق والماليات. وعلى الرغم من كونه متحفظًا إلى حد ما، إلا أنه كان يهتم بالمظاهر عندما يتعلق الأمر بالاستمتاع بثروته [...] ويتذكر ماركولا هذا اللقاء قائلًا: "عندما وصلت إلى المرآب، كان ووز يعمل على طاولة؛ وبدأ على الفور يتباهى بجهاز Apple 2 أبل 2. تجاهلت حقيقة أن كلا الرجلين يحتاج لقص شعره وأدهشني ما رأيته على طاولة العمل. فقص الشعر شيء يمكنك الحصول عليه في أي وقت، أما هذا فلا".
[...]
وضعت خطة ماركولا تصورات لكيفية تجاوز حدود أسواق الهواة، ويتذكر وزنياك ذلك قائلًا: "تحدث عن تقديم الحاسب الشخصي لأشخاص عاديين في منازل عادية للقيام بأشياء مثل الاحتفاظ بنسخة من وصفات أطعمتهم المفضلة أو معرفة ما يتبقى في حساب دفتر الشيكات". وتكهن ماركولا بشيء يبدو مستحيلًا عندما قال: "سنصبح ضمن أغنى 500 شركة في غضون عامين. فهي بداية لصناعة جديدة وهذا شيء لا يحدث إلا مرة كل عقد من الزمان". وتطلب الأمر من شركة أبل سبع سنوات حتى أصبح ضمن قائمة أغنى 500 شركة، لكن جوهر ما تنبأ به ماركولا ثبت صحته في النهاية.
عرض ماركولا أن يضمن تمويلًا يصل إلى 250000 دولار في مقابل أن يصبح شريكًا بحصة تعادل الثلث، حيث ستتحول شركة أبل إلى مؤسسة ويملك ماركولا وجوبز ووزنياك حصة قدرها 26% من الأسهم لكل منهم، أما بقية أسهم المؤسسة فسيتم الاحتفاظ بها لجذب المزيد من المستثمرين. وقد التقى ثلاثتهم في منزل مركولا وتجمعوا حول حمام السباحة وأبرموا هذه الاتفاق. ويتذكر جوبز هذه اللحظات: "اعتقدت أنه من غير المرجح استعادة مايك لما دفعه من مال وقدره 250000 دولار وقد تأثرت لأنه مستعد للمخاطرة بهذا القدر من المال".
[...]
كتب ماركولا في مذكرة من ورقة واحدة عنوانها "فلسفة تسويق أبل" وأكد فيها على ثلاثة عناصر. كان الأول هو التعاطف، أي التواصل بشكل وثيق مع مشاعر المستهلك وصاغها في هذه العبارة: "سندرك بحق احتياجاتهم أفضل من أي شركة أخرى". أما العنصر الثاني فقد كان التركيز، وصاغه بقوله: " حتى ننجح فيما نقرر القيام به، يجب أن نتخلص من جميع الفرص غير المهمة"، أما العنصر الثالث والمساوي لسابقيه في الأهمية، والذي أطلق عليه اسمًا غير متماشٍ معه، فقد كان الإضفاء، وهو عنصر يؤكد أن الناس تكون رأيًا يتعلق بشركة أو منتج بناء على ما ترسله لهم هذه الشركة أو هذا المنتج من دلالات. وقد عبر عن هذا بعبارة كتبها: "الناس تحكم حقًا على الكتاب بناء على غلافه. لذا فقد نمتلك أفضل منتج وأعلى جودة ممكنة ، وأكثر البرمجيات فائدة، إلخ؛ لكن إن طرحناه بإهمال، فإن الناس ستهملها؛ وإذا طرحناه بأسلوب مبتكر واحترافي، فسوف نضفي عليها الجودة المرغوبة."
*** *** ***
من الفصل السادس عشر: جيتس وجوبز
كان من حق جيتس أن يكشف عن أن مايكروسوفت تخطط لتطوير نظام تشغيل جديد لحاسبات آي بي إم IBM يعتمد على واجهة رسومية ونوافذ وأيقونات وفأرة للتوجيه بالإشارة والنقر، وسيطلق على النظام ويندوز وأعلن جيتس عن المنتج المشابه لمنتج جوبز في احتفال أقيم في فندق هيلمسلي بالاس في نيويورك، ويعد الاحتفال هو الأكثر بذخًا في تاريخ مايكروسوفت.
كان جوبز مغتاظًا، لقد علم أنه لا يمكنه فعل الكثير حيال الأمر، فقد قاربت اتفاقية آبل مع مايكروسوفت التي تقضي بعدم تطوير الأخيرة لبرامج رسومية لجهة منافسة على الانتهاء، ورغم ذلك انفجر غضبه،
[...]
واتضح أن مايكروسوفت لم تكن قادرة على جعل Windows 1.0 جاهزًا للإطلاق حتى خريف عام 1985، وحتى في ذلك الحين كان المنتج رديئًا ويفتقر إلى أناقة واجهة ماكنتوش، وكانت النوافذ فيها تتم محاذاتها ولا تتداخل بالطريقة السحرية التي صممها بيل أتكينسون في نوافذ ماكنتوش. وسخر المصممون منها وازدراها المستهلكون، وعلى الرغم من ذلك، من خلال مثابرة مايكروسوفت، أصبح نظام ويندوز أفضل ثم آلت إليه السيطرة، كما هو الحال في غالبًا مع منتجات مايكروسوفت.
ولم يتغلب جوبز مطلقًا على غضبه، فقد قال لي بعد ثلاثين سنة تقريبًا: "لقد سرقونا تمامًا، لأن جيتس ليس لديه حياء". وبعد أن سمع جيتس ذلك، رد قائلًا: "إذا كان يعتقد ذلك، فقد سقط نطاق تحريف الواقع الخاص به". ومن الناحية القانونية كان جيتس على حق. كما قضت المحاكم طوال تلك السنوات، ومن الناحية العملية، كانت حجة جيتس قوية أيضًا، فعلى الرغم من أن شركة أبل أبرمت صفقة تسمح لها باستخدام ما رأته في شركة أبحاث زيروكس بارك، كان حتميًا أن الشركات الأخرى سوف تطور واجهات رسومية مشابهة. لقد وجدت أبل أن "شكل وطبيعة" تصميم واجهة الحاسب شيء تصعب حمايته.
كان ذعر جوبز مفهومًا، فقد كانت شركة أبل مبتكرة ومبدعة وأنيقة في التنفيذ وممتازة في التصميم، وعلى الرغم من أن مايكروسوفت صنعت سلسلة منتجات مقلدة بطريقة بدائية، فسوف ينتهي بها الحال بالفوز في حرب أنظمة التشغيل، وأظهر هذا خطأ فنيًا في آلية عمل الحياة، فأفضل المنتجات وأكثرها ابتكارًا لا تفوز دائمًا، وبعد عقد من هذه الحادثة فإن هذه الحقيقة جعلت جوبز يشن هجومًا متكبرًا ومغالى فيه إلى حد ما، لكنه يحتوي على قدر من الحقيقة، حين قال: "المشكلة الوحيدة في مايكروسوفت هي أن تفتقر إلى الذوق. إنهم لا يمتلكون ذوقًا على الإطلاق. أنا لا أقصد ذلك على نطاق صغير، بل أقصده على نطاق كبير، فهم لا يفكرون في أفكار جديدة أو مبتكرة، ولا يدرجون الثقافة داخل منتجاتهم".
*** *** ***
من الفصل السابع عشر: التحليق والسقوط
وعن هذا يقول جوبز: " [...] لقد علمتي تجربتي مع ماكنتوش أن الأفراد من المستوى أ يحبون العمل مع أفراد متميزين ومن المستوى نفسه، وهو ما يعني أنه لا يمكن تحمل وجود أفراد من المستوى ب داخل الفريق".
*** *** ***
من الفصل الثامن عشر: شركة نيكست
يختفي تحت المنافسة الشخصية بين جوبز وجيتس -ومظاهر الحقد العرضي- الاختلاف الفلسفي الأساسي بينهما، حيث إن جوبز يؤمن بالتكامل من بداية التصنيع إلى نهايته بين مكونات الجهاز وأنظمة تشغيله، الأمر الذي قاده إلى تصنيع أجهزة لا تتوافق مع أجهزة الشركات الأخرى. أما جيتس فكان يؤمن، وحقق من وراء هذا الإيمان أرباحًا طائلة، بعالم تقوم فيه شركات مختلفة بتصنيع أجهزة تتوافق مع بعضها، وتعمل مكوناتها على نظام تشغيل قياسي (نظام تشغيل ويندوز من مايكروسوفت)، وأن يستخدم الجميع التطبيقات البرمجية نفسها (مثل برامج وورد وإكسيل من شركة مايكروسوفت)، قال جيتس في إحدى المقابلات الصحفية لصحيفة واشنطن بوست: "يتسم منتج جوبز بسمة مثيرة للاهتمام وهي عدم التوافق، فهو لا يشغل أيًا من البرامج المتوافرة في الأسواق. إنه جهاز جيد جدًا، ولا أعتقد أنني كنت سأقوم بعمل أفضل منه إذا ما أردت أن أصمم جهازًا لا يتوافق مع أي شيء".
مقاطع من كتاب:
ستيف جوبز
تأليف: والتر إيزاكسون
الرياض: مكتبة جرير، 2012
__________
اقرأ أيضًا: ستيف جوبز
تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء