من كتاب صحرائي الكبرى لإبراهيم الكوني (مقتطفات)

غلاف الكتاب



"قال المكابر أن الميلاد الأول حدث بفعل تصادم الأضداد (إمبيدوقليس) فلماذا لا يتمخض المنفى ليلد أرض الميعاد؟ ولماذا لا يجود التيه بنقيضه الفردوس؟

فإذا سلمنا بأن ما لم يكن أبدًا هو الكائن الذي يستحق الخلود، هو الكائن الذي سيكون إلى الأبد (شيللر)، فكيف لا يصير عراء العدم جنة للعالمين؟ إذا سلمنا بأن الوجود ألم، والموت عدم (ثيوفراست) فلماذا لا يجد صيغة وسطى، صيغة مُثلى، توفق النقيضين؟ أليست الصحراء حدَّا أدنى من الوجود؟ ألا تقع الصحراء في مسافة أقرب إلى مملكة العدم؟ أليست العزلة أول شروطها ؟ أولم يقل القدماء أن العزلة هي قبر الكائن الحي؟ أليست الصحراء برزخًا يقوم بين الوجع الناتج عن الوجود، والسلام الناجم عن النهاية؟ ألا تعطى الصحراء الحرية بلا حدود، وفي نفس الوقت، تضع العابر، تضع المريد، في حافة الخطر؟ أليست مملكة الصحراء، من خلال هذه الأضداد، رديفًا صارمًا لأعجوبة الحياة؟ ألم نختر العبور طلبًا لأرض الميعاد؟ ألم نتخل نحن أهل العزلة، عن الحياة طمعًا في حياة أخرى وراء الحياة؟ "

(صحرائي وطن، صحرائي استعارة)


*** *** ***

"فكان حتميًا أن يفر الأعزل من غوغاء السوء، ويفتش عن الخلاص في أبعد الأوطان، فكانت العزلة لجراحه بلسمًا، والانقطاع عن الأغيار عُقارًا، والزهد في حطام الدنيا ديانة. مكث الأعزل المسكين في مغاور العزلة دهره، وتجسس على أكوان الخفاء وحيدًا، وتلقى السلوى في شرر الإلهام آمادًا، وتزعزعت أرباض البرازخ التي وقفت بينه وبين المجهول سدًا، فسمع ما لم يسمعه الناس، ورأي ما لم يره الناس، وبدا للناس كما لا يبدو الناس للناس، فسن بذلك شريعة تقول أن من أراد أن يعرف الناس ويحيا أوجاع الناس، فلا بد أن يعتزل الناس."


من نص: (تحولات المريد في منازل المنفى الدنيوي)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات