مقاطع من رواية "المثقفون" لسيمون دو بوفوار (1)



غلاف الترجمة العربية للرواية





لا شك أنني أفرطت في الشرب. لست أنا من خلق السماء والأرض. لا يطالبني أحد بشيء، ثم لماذا يكون الاهتمام بالآخرين شغلي الشاغل؟ يحسن بي أن أهتم بنفسي ولو قليلا. أسند خدي إلى الوسادة، أنا هنا، هذا أنا. أشعر بالسأم لأنني لا أجد ما أقوله عن نفسي، آه ... إذا سألني أحد من أنا أستطيع إبراز الملف المتعلق بشخصيتي. فلكي أبرع في مجال التحليل النفسي، عليَّ تحليل نفسي بالذات. وجدوا لديَّ بوضوح عقدة أوديب تعلل زواجي برجل يكبرني بعشرين سنة، وعدوانية جلية حيال أمي، وبعض الميول المثلية التي تخطيتها بالشكل الملائم. أدين لتربيتي الكاثوليكية بأنا مثالية طاغية للغاية: وهنا يكمن سبب طهرانيتي وضمور النرجسية لديَّ. أما التباس مشاعري حيال ابنتي فمصدره كراهيتي لأمي ولا مبالاتي بنفسي. قصتي من أكثر القصص كلاسيكية، ويسهل ضمن الأطر المعهودة.
في نظر الكاثوليكيين، حالتي تافهة للغاية: توقفت عن الإيمان بالله عندما اكتشفت إغراءات الشهوة. وزاد زواجي بملحد في هلاكي. اجتماعيًا أنا وروبير من مثقفي اليسار. في وجهات النظر هذه شيء من الصحة. ها أنذا مصنفة إذا وقانعة بذلك مكتفية مع زوجي ومع مهنتي ومع الحياة والموت والعالم وأهواله. هذا أنا بالضبط أي لا أحد.
ألا أكون أحدًا فهذا أعتبره في النهاية امتيازًا. أراهم يروحون ويجيئون عبر الاستوديو. جميعهم أسماؤهم معروفة ولا أحسدهم روبيير اسم معروف وهو منذور لذلك، وفي هذا قدره. أما الآخرون فكيف يجرؤون؟ كيف بالإمكان أن نكون من الإدعاء أو من الطيش بحيث نرمي بأنفسنا لقمة سائغة تتناتشها زمرة مجهولين؟ كانت أسماؤهم تُدنَّس على أفواه الآلاف من الناس، وكان الفضوليون يسطون على أسرار فكرهم وقلبهم وحياتهم: لو كنت أنا أيضًا فريسة جشع لمَّامي الخرق هؤلاء لآل بي الأمر إلى اعتبار نفسي قذارة لا أكثر. أغبط نفسي لكوني لست أحدًا.
   
*** *** ***

من الصعوبة بمكان النقاش مع متحدث يحسب نفسه يتكلم عن العالم والآخرين، فيما هو يتكلم عن نفسه بلا انقطاع. لن يهدأ لي خاطر إذا لم أجرحه بكلامي. ومع ذلك قلت : ... 

*** *** ***

سيمون دي بوفوار وسارتر

حتى ذلك الحين، لم أكن تعيسة، لا، ولم أكن سعيدة أيضًا. كانت صحتي جيدة ومررت ببعض اللحظات السعيدة، لكني أمضيت معظم وقتي في التأفف. أرى من حولي الغباء والكذب والظلم والعذاب، هذه الفوضى الشديدة القاتمة. وهذه الأيام تتكرر من أسبوع لأسبوع ومن قرن لقرن، ولا تؤدي إلى مكان، أي بطلان هذا! أن تعيش يعني أن تنتظر الموت لأربعين أو ستين عامًا وأنت تراوح العدم. لذا انكببت على الدراسة بورع شديد: وحدها الكتب والأفكار بوسعها الصمود في وجه العدم. وحدها بدت لي حقيقية

*** *** ***

أغمضت عيني من جديد ولذت بكليتي باللذة التي انتزعها مني: لذة بعيدة وحيدة كزهرة مقطوعة. هناك، كانت الزهرة المبتورة تلتهب، تنثر أوراقها.

مقاطع من :
المثقفون
سيمون دو بوفوار
ترجمة ماري طوق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات