عروض الكتب بين المدونين والنقاد
بقلم: أحمد ع. الحضري
ستوزارد: على أحدهم الدفاع عن دور النقد الأدبي وإلا سيغرق |
وبطبيعة الحال لم يلق هذا الاقتراح قبول الجميع؛ فعلى عكس الآراء التي أشارت إلى ضرورة ذلك ظهرت أصوات ترفض أن يتم إلغاء خاصية عمل عروض مجهلة من الاسم في موقع الأمازون، يدافع Joe Konrath عن ذلك، قائلا أن كون العرض زائف لا يعني بالضرورة أنه خالٍ من القيمة، ونحن إن منعنا ذلك نمنع حقًا أصيلا للعارض بأن يبقى مجهولا، كما أننا لا يجب أن نفترض أن القراء سلبيون ويقبلون كل ما يقرؤون عن الكتب. يقول: "ليس البشر بقدر الغباء الذي يريدنا صائدو الساحرات أن نعتقده. نحن لا نصدق بشكل آلي كل ما نقرؤه على الإنترنت. نستطيع أن نقرر بأنفسنا ما الذي يستحق"، وكرد فعل على هذه الدعوة قام بنفسه بعمل مجموعة من العروض المزيفة بأسلوب يميل للفكاهة.
بطبيعة الحال هذه الحادثة ليست مهمة في ذاتها، لكنها تعكس بالتأكيد الاهتمام المتزايد الذي صار الأدباء يولونه تجاه العروض المكتوبة على الإنترنت سواء في مواقع بيع الكتب، أو مواقع العروض، أو في المدونات. تزايدت أهميتها في الواقع مع الوقت إلى الدرجة التي جعلت بيتر ستوزارد Peter Stothard رئيس لجنة تحكيم جائزة بوكر مان لهذا العام، يحذر من أن التدوين أصبح يغرق النقد الجاد للكتب، وهو أمرٌ يراه في غير صالح الأدب.
ورغم أن بيتر ستوزارد - محرر الملحق الأدبي لجريدة التايمز- هو نفسه مدون، وسبق أن مدح مواقع متخصصة في عروض الكتب مثل ( the Complete Review)، لكنه لا يخفي قلقه من أن العروض المكتوبة في فضاء الإنترنت قد يكون لها أثرها المضر على مستقبل الكتابة. ورغم أنه لا ينكر وجود بعض الآراء عالية القيمة في بعض المدونات، لكنه يرى في نفس الوقت أن هناك أيضًا عددًا أكبر من الآراء الأقل في القيمة؛ فأغلب هذه العروض في رأيه هي عروض متطايرة سريعة الزوال. ينبه ستوزارد: لو أننا أعلينا الآراء غير المبررة فوق النقد فسوف يتضرر الأدب. يقول : "لا بد أن يقف أحدهم مدافعًا عن دور النقد الأدبي وإلا سيغرق، وسيؤدي إلى اضمحلال مستوى الأدب". "فالنقد الأدبي ينبه إلى الجديد، إلى الكتابات التي لا تشبه ما سبقها". وهو ينتقد محرري الصحف لاقتطاع صفحات الكتب، ولزيادة نشر العروض من هذا النوع المتطاير.
وعبر بيتر ستوزارد بوضوح عن كون انتشار مثل هذه الآراء التي تغيب المعايير النقدية عنها يمثل خطرًا حقيقيا على العروض الاحترافية؛ مشيرًا إلى انتشار اعتقاد عام في بريطانيا وأمريكا أن النقد التقليدي الواثق الذي يرتكز على الحجة ليخبر الناس إن كان الكتاب جيدًا أم لا هو في مرحلة انحدار. وقال أنه من الجيد وجود هذا العدد من المدونات والمواقع المخصصة للكتب، لكن أن تكون ناقدًا يعني أنه من الضروري لك أن تختلف عن هؤلاء الذين ينشرون ذوقهم الشخصي؛ فليست كل الآراء متساوية في القيمة.
وبينما يتفق سام جورديسون (Sam Jordison) (مدون وكاتب في جريدة الجارديان) مع ستوذارت بخصوص الحاجة لنقد مبرر ووافٍ لكنه يعتقد أن ذلك متوافر فعلا في مدونات، فهناك عدد من المدونين الذين يقدمون عروضًا مميزة، وهو يشير في هذا السياق إلى عددٍ من المدونين الذين يرى أن مدوناتهم هي من أفضل الأماكن التي قد تتعرف فيها على الجديد في عالم الكتب (John Self, Max Cairnduff and Stephen Mitchelmore). ويبين أن ترشيحات القراء قد تصنع فارقًا ضخمًا، حتى لو لم تضم إلا تعليقات لأناس يقولون فقط "أعجبني هذا" فقد ينشأ نتيجة لمثل هذه الآراء تراكمًا مفيدًا. كما أن الكتب كثيرة للغاية ومن المهم أن تكون هناك بدائل تعفيك من اقتناء الكتاب لمعرفة مستواه.
ويقول سايمون سافيدج (Simon Savidge) -صاحب مدونة Savidge Reads- : "سيكون هناك دائمًا تكبر ما حيال المدونين، كل المدونات التي أتابعها تكتب دون مقابل من قبل أناس شغوفين بالكتب، عدد منهم يقرأ بالفعل بعض كتب اللائحة القصيرة لجائزة مان بوكر ويزكون الكتب التي تثير اهتمامهم للقراء. أعتقد أن أي شخص يقرأ بكثافة، يستطيع -فقط من خلال القراءة- نقد أي شيء يقرؤه. فالقراءة، ورد الفعل حيالها، هي خبرة شخصية معتمدة على خبرة حياتية. المثير للاهتمام أنك لن تجد المدونين يهجون صفحات العروض المطبوعة [بشكل مماثل لنقد بيتر ستوزارد لعروض المدونات والمواقع الإلكترونية]، ستجدهم [على العكس] يقرؤونها بين الكتاب والكتاب، جنبًا إلى جنب مع قراءة المدونات الأخرى، [وذلك] لأننا جميعًا متحدون في حب الأدب بكافة أشكاله وأجناسه.
بطبيعة الحال كان النقاش محفزًا لآخرين للمشاركة فيه فكتب روبرت ماكروم (Robert McCrum) اليوم (1 أكتوبر 2012) مقالا أثنى في بدايته على إدارة بيتر ستوزارد للجنة التحكيم بمان بوكر، مشيرًا إلى أن القائمة القصيرة هذا العام من أفضل القوائم القصيرة مقارنة بالأعوام الماضية، كما أن الانضباط هذا العام في جوانب أخرى واضح. لكنه يختلف أيضًا مع بعض ما طرحه بخصوص العروض.
يقول ماكروم: "بدلا من أن أشجب هذا الطرح ببساطة، أرى أنه من الواجب نأخذه بجدية. أشار ستوزارد إلى أن عرض المواطن الصحفي "citizen journalist" لا يرقى إلى مستوى النقد الاحترافي. لنتأمل عرضًا مثاليًا مطبوعًا في أي من الصحف المعروفة: الأوبزرفر، التايمز، الملحق الأدبي للتايمز، أو في نيويورك رفيو أوف بوكس ( the Observer, the Times, the TLS or the New York Review of Books، ) مثل هذا العرض سيتراوح في العادة بين 500 إلى 1500 كلمة. وسيمر قبل النشر بعمليات تحرير مطولة ومجهدة. وبشكل أكيد ستكون مذيلة بتوقيع وفي العادة تكون مدفوعة الأجر. وبالمقارنة مع المادة الخام المنشورة في أي مدونة معتادة فقد تمت مراجعة و"تقطير" هذه العروض بشكل مفرط."
ويضيف: "ولا يضمن كل هذا أن العرض لن يكون بدائيًا، أوهدامًا، أوهجوميًا، أو مجاملا، لكنها ستكون محل احترام، وستبرز بشكل مفرط اللغة المتخصصة للنقد الأدبي". ثم يوضحُ أن أي عارض جيد ينشر في المطبوعات المتعارف عليها يقف على أكتاف عظماء النقد السابقين له، وهذا النقد سيكون: أولا احترافيًا، ثانيًا لن ينشر دون توقيع، ثالثا: سيوضع في سياق النقد الأدبي. و"لا شك أن تركز مثل هذه السلطة في يد قلة [من النقاد] في الماضي كان له أثره السيء على بيئة النشر".
وهو يؤكد في النهاية إلى أنه رغم اتفاقه على وجود بعض وجهات النظر المهملة في فضاء التدوين، إلا أنه يوجد بالمقابل [في حالات أخرى] مكانًا للانضباط الذاتي، والمعايير الراقية الموضوعة بوعي.
ويضيف: "ولا يضمن كل هذا أن العرض لن يكون بدائيًا، أوهدامًا، أوهجوميًا، أو مجاملا، لكنها ستكون محل احترام، وستبرز بشكل مفرط اللغة المتخصصة للنقد الأدبي". ثم يوضحُ أن أي عارض جيد ينشر في المطبوعات المتعارف عليها يقف على أكتاف عظماء النقد السابقين له، وهذا النقد سيكون: أولا احترافيًا، ثانيًا لن ينشر دون توقيع، ثالثا: سيوضع في سياق النقد الأدبي. و"لا شك أن تركز مثل هذه السلطة في يد قلة [من النقاد] في الماضي كان له أثره السيء على بيئة النشر".
وهو يؤكد في النهاية إلى أنه رغم اتفاقه على وجود بعض وجهات النظر المهملة في فضاء التدوين، إلا أنه يوجد بالمقابل [في حالات أخرى] مكانًا للانضباط الذاتي، والمعايير الراقية الموضوعة بوعي.
مقال مهم يا أحمد.. كنتُ قد قرأتُ جزءاً من مقال جو كونراث على مدونته بهذا الشأن، وأعتقد أنه قد أفرد له تدوينتين دسمتين، إلا أنه من وجهة نظري من الصعب أن نضع نظاماً يتحكم في إفرازات عروض الكتب.. إمكانيات الإنترنت المهولة، وظهور النشر الألكتروني يجعل هذا من الصعب جداً في فضاء زخم بعشرات الكتب التي تُنشر كل يوم، وأعتقد أنها ظاهرة طبيعية.. فلنتخيل كاتباً نشر رواية رديئة، وشكر فيها عن طريق عرض مزيف من جانبه، أو حتى أحد أصدقاءه، وقمت أنا بشراء الرواية واكتشفت أنها رديئة أعتقد أنني سأستفز لدرجة تجعلني أقوم بالتحدث عن النص بشكل سلبي.. وحتى لو فرضنا- وهو فرض صعب تحقيقه على أرض الواقع- أنه حدث تحكم في عروض الكتب بشكل يدعم مصداقيتها، فهل هناك إمكانية لفعل هذا للكمّ المهول الذي يصدر كل يوم سواء ورقيا أو ألكترونيا؟ أشكّ.. طبعا هذ الظاهرة لا توجد عندنا أصلاً؛ فبخلاف بعض المدونات الجدية، والمقالات القيمة، إلا أن ظاهرة عروض الكتب قليلة جداً، وتعكس خلفية صادقة لأمتنا التي لا تقرأ.
ردحذفأتفق معك يا صديقي في شقي كلامك، الإنترنت بالفعل تحمل وسائل تصحيح ذاتية تساعد من يعرفون كيف يستخدمونها، أما الوضع عندنا في العالم العربي فهو موضوع آخر يطول الحديث فيه :)
ردحذفشكراا على مشاركاتك القيمة