هكذا تبدو الثورة ..2


بقلم كريس هيدجز
ترجمة: أحمد ع. الحضري


القبض على أحد المتظاهرين

قام المؤرخ كرين برينتون (Crane Brinton) في كتابه "تشريح ثورة" بعرض المسلك العام للثورات. برهن برينتون على أن الشروط المسبقة لثورة ناجحة، هي: عدم الرضا الذي يؤثر تقريبًا على كل الطبقات الاجتماعية، ووجود مشاعر عامة بين الناس بأنهم محاصرون ويائسون، ووجود تطلعات غير متحققة، ووجود وحدة متماسكة تقف في وجه نخبة ضئيلة تملك القوة، وبروز رفض بين العلماء والمفكرين للاستمرار في الدفاع عن تصرفات الطبقة الحاكمة، وعدم قدرة الحكومة على الاستجابة للاحتياجات الأساسية للمواطن، ووجود فقدان ثابت للإرادة بين النخبة الحاكمة نفسها وحدوث ارتدادات من بين صفوف دائرتها الضيقة، ووجود عزلة مُعَطِّلة تترك النخبة الحاكمة دون أي حلفاء أو دعم خارجي، وأخيرًا أزمة اقتصادية. نخبة الشركات التي تحكمنا – طالما تعلق الأمر ببرينتون- قد حققت بوفرة هذه الشروط المسبقة. لكن ملاحظة برينتون التالية هي التي تستحق أن نتذكرها بقدر أكبر؛ فقد كتب: الثورات دائمًا تبدأ بصياغة مطالب مستحيلة من النوع الذي إذا استجابت له الحكومة فإن هذا يعني نهاية تكوينات القوى القديمة، أما المرحلة الثانية -والتي دخلنا فيها الآن- هي المحاولة غير الناجحة للنخبة الحاكمة لقمع الاضطراب وعدم الرضا بواسطة أعمال القمع الجسدي. 



لقد نلت نصيبي من مشاهدة انتفاضات، وتمردات، وثورات، بدءًا من صراعات حرب العصابات في أمريكا الوسطى في ثمانينيات القرن الماضي، إلى الحروب الأهلية في الجزائر، والسودان، واليمن، ثم الانتفاضة الفلسطينية، والثورات في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا، بالإضافة إلى الحروب في يوغسلافيا السابقة. كتب جورج أورويل أن الطغاة يحكمون من خلال الخداع والقوة، لكن بمجرد انكشاف الخداع لابد من اعتمادهم بشكل حصري على القوة. لقد دخلنا الآن مرحلة القوة المحضة، بيروقراطية المليون شخص الشاسعة التابعة للأمن الداخلي ورقابة الدولة لن يتم استخدامها لوقف الإرهاب بل لمحاولة إيقافنا. 


تنهار الأنظمة المستبدة في النهاية من الداخل. بمجرد أن يتوقف جنود المشاه المكلفون بتنفيذ إجراءات القمع -كإخلاء المتنزهات أو القبض أو حتى إطلاق النار على المتظاهرين- عن إطاعة الأوامر، ينهار النظام القديم بسرعة. حين غدا دكتاتور ألمانيا الشرقية المعمر إريش هونيكر (Erich Honecker) غير قادرٍ على جعل المظليين يطلقون النار على الحشود المحتجة في مدينة لايبزيغ انتهى النظام. نفس الرفض لاستخدام العنف أفشل الحكومات الشيوعية في براغ وبوخارست. لقد شاهدت في ديسمبر 1989 حين قام جنرال الجيش الذي اعتمد عليه نيكولاي تشاوشيسكو (Nicolae Ceausescu) في سحق الاحتجاجات بالحكم عليه بالموت في عيد الميلاد. بن علي تونس وحسني مبارك مصر فقدوا القوة حين صاروا غير قادرين على الاعتماد على قوات الأمن الخاصة بهم لإطلاق النار على المتظاهرين. 


تكون عملية الارتداد بين صفوف الطبقة الحاكمة وقوات الأمن بطيئة وغير ملحوظة عادة. هذه الارتدادات تتعزز من خلال التقيد الصارم باللاعنف، ورفض الاستجابة لإثارة رجال الشرطة، والاحترام اللفظي لرجال الشرطة مهما كانت الفظاعة التي يمكن أن يكونوا عليها حين يخوضون في الحشود مستخدمين هراواتهم ضد المتظاهرين بنفس الطريقة التي تُضرب بها الكباش. إن استقالة شارون كورنو (Sharon Cornu) نائب جين كوان (Jean Quan) عمدة أوكلاند، بالإضافة إلى مستشاره القانوني وصديقه لفترة طويلة دان سيجال (Dan Siegel) اعتراضًا على إخلاء معسكر [احتلوا في] أوكلاند هي بعض الصدوع الأولى في الصرح؛ "ادعموا حركة احتلوا أوكلاند وليس الواحد في المائة ومُسيّري أعمالهم في الحكومة" هكذا قال سيجال على موقع تويتر بعد استقالته. 

كانت هناك أوقات دخلت فيها الحلبة كملاكم عالمًا – كالمتفرجين – أنني بشكلٍ يرثى له لم أكن أضاهي خصمي. قد يقوم ملاكم محترف - لحاجته للإحماء أو لقليل من التمرين-  بالمجيء للنوادي التي يتدرب فيها أنصاف المحترفين ويكذب فيما يخص تاريخه الطويل في الاحتراف ليلعب معنا. مثل هذه المنازلات لم تعد تتعلق بالفوز، لقد صارت تتعلق بالكرامة واحترام الذات. كنت تقاتل فيها لكي تقول شيئًا ما عن الإنسان الذي تكونه. كانت تلك المباريات كالعقاب، كانت قاسية جسديًا ومعنويًا. كان من الممكن أن يتم إسقاطك فتترنحُ قائمًا، قد تتمايل للخلف بعد ضربة أحسستها ككتلة من الأسمنت، قد تذوقُ ملوحة دمك على شفتيك، رؤيتك قد تتشوش، أضلاعك ورقبتك من الخلف وبطنك قد تؤلمك، تشعرُ بقدميك كأنهما رصاص. لكن بقدر ما تصمد بقدر ما يتحول جمهور النادي لصالحك. لم يكن أحدٌ بمن فيهم أنت نفسك يظن أنك قد تفوز، لكن وقتها ومن حين إلى حين يغدو الخصم أكثر ثقة، قد يغدو غير مكترث، وقد يغدو ضحية عجرفته الخاصة، وأنت قد تجد عميقًا بداخلك دفقة جديدة من الطاقة، بعضَ قوةٍ غير مستغلة، وبكل ضراوة المحرومين، أسقطه أرضًا. لم أقم بوضع قفازين منذ أكثر من ثلاثين عامًا، لكني شعرت نفس وخزة النشوة مرة أخرى في معدتي هذا الصباح، هذا اليقين التام أن المستحيل ممكن، هذا الإدراك أن العظيمَ سوف يهوي. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات