وبينما هو على مثل هذا إذ لاحت منه التفاته إلى رأس الجبل؛ فتبين هناك صومعة عالية ففرح وقال لابد أن يكون في هذه الصومعة أناس يسكنون بها؛ فيوجد عندهم الماء؛ فأطلق لجواده "الأصفران" العنان وسار يتقدم بسرعة حتى وصل إلى أعالي الجبل ودنا من الصومعة وطرق بابها ففتح له؛ فدخل وإذا به يرى أربعين شيخًا يسكنون فيها وكلهم بذقون بيضاء قائمين على الصلاة والعبادة؛ فحياهم وقال لهم هل تسمحون لي بشربة ماء؛ فلما سمعوا كلامه وشاهدوه تقدموا منه وقالوا على الرحب والكرامة يا حمزة وجاؤوا حالا بالماء فتعجب كيف أنهم عرفوه في الحال ولم يروه قبل ذلك اليوم وبعد أن شرب قال لهم أريد أن أسألكم من أين عرفتموني فناديتم اسمي ومن أخبركم عني. قالوا إن الخضر عليه السلام من زمانٍ طويل حضر إلينا في هذه الصومعة وأخبرنا أنه سيأتينا في زماننا الأمير حمزة العرب من برية الحجاز من أشرف مكان في العالم أي من مكة المطهرة فيزوركم وهو عطشان ، ومن ذلك اليوم إلى يومنا هذا لم يحضر إلينا غريبٌ سواك. ونحن على الدوام نصلي وقد خصصنا أنفسنا لعبادته آناء الليل وأطراف النهار، وإننا نبشرك أن لك عندنا أمانة أوصينا من سيدنا الخضر عليه السلام أن نسلمك إياها، ثم جاؤوا برمحٍ طويل مكعب يلتوي كالأفعى له سنان حاد مسقي بالسم إذا مر على جسم أحد قتله، ودفعوا إليه أيضًا ثوبًا ثمينًا مدبجًا بالزخارف وفيه اللؤلؤ والياقوت والجوهر مما يدخل بالأبصار؛ فتعجب منها، واندهشت أبصاره وأخذها وأخذ الرمح وقد فرح به فرحًا لا يوصف وشكر رجال الله، وودعهم ورجع من حيث أتى وهو طائر الفؤاد وقد لبس الثوب على جسمه، وتقلد بالرمح ودام في رجوعه إلى أن بقى بينه وبين المعسكر نحوًا من ساعة وإذا بأخيه عمر قد خرج لأنه استبطأه وانشغل باله عليه حيث قد ذهب ولم يخبره ولا أخذه معه؛ فلما رآه مال إليه وسلم عليه، واندهش مما رأى من ثيابه والرمح الذي معه، وقال له من أين لك هذا كله ومن أين جئت به، قال نصيبٌ كان لي في مكان فدفع إلىَّ ثم أخبره بخبره وما كان من أمر الشيوخ الذين في الصومعة، فقال له إنك لا ترغب في ربحي لأن لا بد وأن يكون لي نصيبٌ في ذاك المكان ولو أخذتني معك لكنت حصلت على مثل ما حصلت عليه أنت، فسر إلى المعسكر وأنا لا أرجع ما لم أزر الصومعة وأطلب من الشيوخ نصيبي.
ثم ترك الأمير وقفز كالغزال وانطلق كالبرق يسير بسرعةٍ كليه، وبمده قصيرة وصل إلى تحت تلك الصومعة فرأى الباب مقفلا فطرقه وإذا به قد فتح فدخل وشاهد الشيوخ فسلم عليهم ورحبوا به وقالوا أهلا وسهلا بالأمير عمر العيار؛ فتعجب وقال لهم كيف عرفتم بي وأن اسمي عمر فقالوا له إن ذلك نعرفه من زمان، قال إني أسألكم هل من نصيب لي عندكم كنصيب الأمير حمزة؛ فقالوا بل نصيبك عندنا أفضل من نصيب الأمير حمزة ونحن بانتظارك أن تأتي من تلقاء نفسك. ثم ذهب أحد الشيوخ وجاءه بسيف صقيل بجوهر لا يوجد مثله في ذاك الزمان، وقال له هذا لك يا عمر وإني كنت وكيلا عليه لأسلمه إليك واسمه ذو الشلطين، فأخذه وهو فرح به كثيرًا، ثم قال وهل من باقي لي من نصيب عندكم فأعطوني إياه ولا تحرموني منه فقام شيخ آخر وجاءه بخنجر أحسن من السيف قبضته من الماس وهو مصفح بالذهب محلى به، وقال لعمر خذ هذا فلا نظير له في هذا الزمان واسمه خنجر إسماعيل، وهو محفوظ لك من زمن إسماعيل فانبهر منه عندما أخرجه من جرابه، ثم إنه التفت إلى شيخٍ ثالث وقال له وأنت ما عندك لي فذهب وجاء بجراب من الجلد طوله ذراع وعرضه ذراع فرفعه إليه وقال له هذا يا أمير اسمه جراب إسماعيل مهما وضعت فيه لا يمتلئ، يعني لو أدخلت فيه هذه الصومعة ونحن كلنا فيه لما بنَّا فيه فأعجبه ذلك أكثر من الجميع ثم قال للرابع: وأنت هل سلم إليك شيئ فادفعه حالا لأن الله يسألك عنه في اليوم الأخير؛ فقام الشيخ وجاءه بطماقات من الجلد وقال له إذا لبست هذه في رجليك ومشيت الدهر بطوله لا تشعر بتعب ولا ملل ولا وجع حتى لو طفت الأرض بطولها لأمكنك ذلك بسهوله، ثم قام الخامس والسادس فجاءه الاول بمرآه والآخر بمكحله وقالا له هذه المكحلة إذا تكحلت منها وضربت على المرآة بقضيب وقلت بحق ما كتبت عليك من الأسماء أصير مثل فلان تصير مثله، وبهما يمكنك أن تكون مثل من شئت وإذا أردت أن تقصد مكانًا أو محلا فضع المرآة لجهة القبلة واذكر اسم المكان الذي تكون أنت قاصده؛ فيظهر لك في الحال بطرقه وكل جهاته، فطار قلبه من هذه البشارة وفرح فرحًا عظيمًا وسرورًا لا مزيد عليه ثم سأل الباقين إن كان عندهم شيء فقالوا ليس عندنا إلا الدعاء، فودعهم وخرج من عندهم فرحًا بالذخائر وكلها نافعة ضرورية له، وقد تأكد أنه ملك الدنيا بأسرها وبقي  سائرًا إلى جهة المعسكر حتى كاد يقرب منه فلم يرد أن يظهر نفسه لقومه كي يخبرهم بما نال بل قصد أن يجرب المكحلة وكان الوقت إذ ذاك بعد نصف الليل؛ فذهب إلى ناحية صيوان الملك النعمان ودخل عليه من ورائه وهو نائم ورفعه إلى الخارج ووضعه في صيوان بعيدًا عن صيوانه ورجع إلى فراشه وانتظر إلى قبل الصباح فأخذ المكحلة وتكحل بها ومسك المرآة فنظر فيها وهو يقول بحق ما كتب عليكما من الأسماء العظام أريد أن أصير مثل الملك النعمان هيئة وجسمًا ثم لبس ملابس النعمان؛ فرأى نفسه كأنه هو وقد تغيرت حالته وأصبح كل من يراه ويرى الملك النعمان لا يعلم أيهما الصحيح وبعد ذلك جلس على كرسي الملك وأقام ينتظر العرب وهي تأتي أميرًا بعد أمير وكل واحد يصل يسلم على عمر وهو يظنه الملك النعمان.

المصدر: قصة الأمير حمزة البهلوان.- القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2010.- 4ج.- (سلسلة الدراسات الشعبية)

تعليقات

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

ألبرت أينشتاين وميليفا ماريتش: قصة حب (اقتباس)

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات