ألبرت أينشتاين وميليفا ماريتش: قصة حب (اقتباس)


أينشتاين يتزوج ميليفا ماريتش

بقلم: والتر إيزاكسون 
ترجمة: هاشم أحمد محمد

     كان الأصدقاء مندهشين أن رجلا وسيمًا وجذابًا مثل أينشتاين الذي يمكن أن تقع في حبه أي امرأة، يجد ضالته في فتاة صربية قصيرة عرجاء تفتقر إلى الجمال وتبدو عليها علامات الاكتئاب، وقال له أحد زملائه: "لن أجازف أبدًا بالزواج من امرأة مالم تكن سليمة البدن تمامًا"، فرد أينشتاين: "لكنها تتمتع بصوت جميل" 
 
     كانت أم أينشتاين متيمة بماري فينتلر، وكانت تنظر بعين الريبة لتلك المثقفة السمراء التي حلت محلها، وكتب أينشتاين، من ميلانو حيث كان يزور أبويه خلال إجازة الربيع عام 1899: "كان لصورتك تأثير بالغ على والدتي، وبينما كانت تفحصها بعناية، قالت بتعاطف شديد: "أجل إنها بالتأكيد فتاة ذكية"، وقد تحملت بالفعل مضايقات كثيرة بهذا الشأن."
    
     من السهل أن نعرف سبب انجذاب أينشتاين بشدة إلى ماريتش، فقد كانا روحين متقاربين، وكانا يريان أنفسها طالبي علم غريبين منعزلين عن الناس، وكان بهما شيء من الثورة على التطلعات البرجوازية، وكانا مفكرين يبحث كل منهما عن محبوب يكون أيضًا رفيقًا وزميلا ومساعدًا، وقد كتب إليها أينشتاين: "إن كلا منا يفهم جيدًا الجوانب الخفية في نفس الآخر، وقد احتسينا القهوة معًا، وأكلنا المقانق معًا، إلى غير ذلك"
 
     كانت لأينشتاين طريقة في جعل عبارة "إلى غير ذلك" تبدو خبيثة، فقد اختتم خطابًا آخر بقوله: "مع أطيب أمنياتي، إلى غير ذلك". وبعد أن غاب عنها بضعة أسابيع دون الأشياء التي يحب أن يفعلها معها: "قريبًا سأكون مع حبيبة قلبي مرة أخرى، وسأستطيع أن أقبلها، وأعانقها، وأصنع القهوة معها، وأعنفها، وأذاكر معها، وأضحك معها، وأسير معها، وأثرثر معها، إلى مالا نهاية!" وكانا يتباهيان باشتراكهما في غرابة الأطوار، وقد كتب أينشتاين ذات مرة: "لا أزال وغدًا كما كنت دائمًا، مليئًا بالنزوات العارضة ومولعًا بالأذى، ومتقلب المزاج كما كنت دائمًا!" 
 
     أحب أينشتاين فوق ذلك من أجل عقلها، وكتب إليها ذات مرة: "كم سأكون فخورًا عندما تحصل حبيبتي على شهادة الدكتوراه." كانت هناك فيما يبدو علاقة متشابكة بين العلم والرومانسية. وعندما كان في إجازة مع أسرته عام 1899، كتب أينشتاين خطاب إلى ماريتش: "عندما قرأت هيلمولتز للمرة الأولى لم أستطع – ولا أزال لا أستطيع- أن أصدق أنني كنت أقرؤه دون أن تكوني إلى جواري، إنني أستمتع بالعمل معك وأجده لطيفًا وأقل إملالا أيضًا."
      والواقع أن معظم رسائلهما كانت تمزج بين التعبير عن العواطف والحديث عن الأنشطة العلمية، مع التأكيد على الأنشطة العلمية، وقد تنبأ في أحد الخطابات – على سبيل المثال- ليس فقط بالعنوان بل أيضًا ببعض المفاهيم التي سيضمها بحثه العظيم عن النسبية الخاصة، وكتب: "أزداد اقتناعًا كل يوم أن الديناميكا الكهربية للأجسام المتحركة في صورتها الحالية لا تتفق مع الواقع، وسيصبح من الممكن تقديمها بطريقة أبسط. إن استخدام مصطلح "الأثير" في نظريات الكهربية أدى إلى تصور وسط يمكن وصف حركته – في رأيي – دون أن نستطيع تفسيرها تفسيرًا فيزيائيًا."

      وعلى الرغم من أن هذا المزيج من الارتباط الفكري والعاطفي كان يروق له، فقد كان يحن بين الحين والآخر إلى فتنة الرغبة البسيطة التي كانت تمثلها ماري فينتلر، وقد أخبر ماريتش بذلك بسبب افتقاره إلى اللباقة الذي كان يراه نوعًا من الصراحة (أو ربما رغبته الخبيثة في تعذيبها). وبعد إجازته الصيفية عام 1899، قرر أن يأخذ شقيقته لكي تلتحق بمدرسة في آرو حيث تعيش ماري، وكتب لماريتش يطمئنها أنه لن يقضي وقتًا طويلا مع صديقته السابقة، لكنه كتب وعده بطريقة جاءت أقرب إلى إثارة القلق منها إلى بعث الطمأنينة، وربما تعمد ذلك. قال أينشتاين: "لن أكثر الآن من الذهاب إلى آرو، لأن الفتاة التي كنت مولعًا بها منذ أربع سنوات ستعود إلى بيتها. أشعر بأمان تام في حصني العالي من الهدوء، لكنني أعرف أنني سأجن إذا قابلتها بضع مرات أخرى، أنا على يقين من ذلك وأخشاه كالجحيم."


      غير أن أينشتاين – لحسن حظ ماريتش – ينتقل في خطابه لوصف ما سيفعلانه حينما يلتقيان في زيورخ، تلك الفقرة التي أوضح فيها أينشتاين مرة أخرى لماذا كانت علاقتهما متميزة، فقال: "أول شيء سنفعله معًا هو تسلق جبل أوتليبرج والاستمتاع باجترار ذكرياتنا" علن الأشياء التي قاما بها معًا في رحلات السير على الأقدام، وكتب: "أستطيع بالفعل أن أتصور المتعة التي سنعيشها معًا"، ثم أنهى خطابه قائلا: "وبعد ذلك سوف نبدأ في دراسة النظرية الكهرومغناطيسية للضوء لهلمولتز."

      وفي الشهور التالية أصبحت خطاباتهما أكثر حميمية وعاطفية، فقد بدأ يدعوها بدوكسيرل (دوللي) وأيضًا "فتاتي الصغيرة الشقية"، وكانت تدعوه ب"يوهانزل" (جوني) و"حبيب قلبي الشرير"، وفي بداية عام 1900 صارا يخاطبان أحدهما الآخر بكلمة أنت غير الرسمية، وهو أمر بدأته ماريتش برسالة قصيرة نورد فيما يأتي نصها الكامل: 
 
"صغيري جوني،
لأنني أحبك كثيرًا، ولأنك بعيد عني ولا أستطيع أن أقبلك قبلة صغيرة، فأنا أكتب هذا الخطاب لأسألك إن كنت تحبني كما أحبك؟ أجبني على الفور. ألف قبلة
من حبيبتك دوللي"

ميليفا ماريتش مع ابني أينشتاين




 (الإجازة الصيفية 1900)

     عندما اقتربوا من الفندق، نزل أينشتاين وشقيقته من السيارة لكي يسيرا، وأسرت إليه مايا بأنها لم تجرؤ على أن تناقش مع أمهما علاقته بميلفا ماريتش، المعروفة في الأسرة ب"مسألة دوللي"، وهو اللقب الذي يدللها به، وطلبت منه أن يترفق في حديثه مع والدته. ومع ذلك فلم يكن من طبيعة أينشتاين أن "يمسك لسانه" كما قال فيما بعد في خطابه إلى ماريتش عن المشادة التي وقعت، ولم يكن من طبيعته أن يحافظ على مشاعر ماريتش بأن يكتم عنها التفاصيل الدرامية لما حدث.! 
  
     ذهب أينشتاين إلى غرفة أمه، وبعد أن أخبرها عن امتحاناته سألته: "وما مصير علاقتك بدوللي الآن؟"
 
      رد أينشتاين: "زوجتي". وهو يحاول التظاهر بنفس اللامبالاة التي استعملتها أمه في سؤالها.
 
     يذكر أينشتاين أن أمه "ألقت بنفسها على السرير ودفنت رأسها في الوسادة، وأخذت تبكي كالأطفال"، واستطاعت في النهاية أن تستعيد رباطة جأشها وتواصل الهجوم، فقالت: "إنك تدمر مستقبلك وتحطم فرصك، فلن تقبلها أية أسرة محترمة، وإذا أصبحت حاملا فسوف تصبح ورطة حقيقية."
     عند ذلك جاء دور أينشتاين ليفقد رباطة جأشه، وقال لماريتش: "لقد أنكرت بشدة أننا نعيش في الخطيئة، ووبختها بعنف."
 
… 
 
     تعاقبت فترات العواصف والهدوء طوال العطلة، وبين الحين والآخر كلما ظن أينشتاين أن الأزمة انتهت أثارت أمه الموضوع من جديد، وعنفته ذات مرة قائلة: "إنها مثل مجرد كتاب، ولكنك تحتاج إلى زوجة"، وفي مرة أخرى أثارت موضوع أن ماريتش في الرابعة والعشرين وهو في الحادية والعشرين، وقالت: "عندما تصل إلى الثلاثين ستكون هي عجوزًا شمطاء."


 
     بيد أن عاطفتهما كانت من النوع السامي، على الأقل في عقليهما، مع الصفوة المنعزلة من الشباب المترددين على المقاهي الألمانية الذين يدمنون فلسفة شوبنهاور، وقد أوضحا بغير خجل الفارق الخفي بين روحيهما الساميتين وبين الغرائز المتدنية التي يسعى وراءها العامة. وكتب لها أثناء معركته مع عائلته في أغسطس/ آب: "في حالة أبي وأمي – كما هو الحال مع معظم الناس- تتحكم الأحاسيس تحكمًا مباشرًا في العواطف، وبفضل الظروف السعيدة التي نحياها، فإن الاستمتاع بالحياة في حالتنا أصبحت له آفاقًا أوسع."
 
     ويذكر لأينشتاين أن نبه ماريتش (ونفسه) قائلا: "يجب ألا ننسى أن حياة والدي وأمثالهما هي التي تجعل وجودنا ممكنًا"، فالفطرة البسيطة والصادقة لأناس مثل والديه هي التي ضمنت تقدم الحضارة ، "ولذا أحاول حماية والديَّ دون أن أضحي بشيء أراه مهمًا بالنسبة لي، وهذا يعني أنت يا حبيبة قلبي!" 

     
مقتطف من كتاب: أينشتين حياته وعالمه
تأليف: والتر إيزاكسون 
ترجمة: هاشم أحمد محمد 
مراجعة: مجدي عبد الواحد عنبة، سامح رفعت مهران
_________________

 

تعليقات

  1. القصة تشبه الشيء الجميل الموضوع في إطار من الألم :)

    استفزني خطابه اللي لما كان رايح يودي أخته المدرسة شُغل رجالة صحيح :D

    ردحذف
    الردود
    1. هو فعليا أينشتاين قاسى نتيجة لصراحته هذه ... مثلا صراحته مع أساتذته منعت تعيينه في المعهد المتخرج منه رغم إن التعيين فيه كانت سهل للخريجين ... حرفيا "اتمرمط" في البحث عن الشغل نتيجة لهذا من أقواله المعبرة عنه والمقتبس من رسالة له: ": “فلتحيا الوقاحة، إنها ملاكي الساحر في هذا العالم.”" ... لكن قصتهما لها تفاصيل أخرى بعضها ستكون أكثر استفزازًا لك ربما :) .

      حذف
    2. حياة أينشتين ثرية فعلا ... وهو كتاب مكتوب حلو .. ممتع وخفيف رغم طوله

      حذف
  2. هو حضرتك بتترجم أفلام و الا مقالات بس ؟

    ردحذف
  3. "إن كلا منا يفهم جيدًا الجوانب الخفية في نفس الآخر،

    ردحذف
  4. "إن كلا منا يفهم جيدًا الجوانب الخفية في نفس الآخر،

    ردحذف
  5. مقحبن بالمعنى الجزائري

    ردحذف

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات