التشويش الثقافي (Culture jamming)




بقلم: أحمد ع. الحضري

    لو أردنا التشويش على موجة إذاعية أو تلفزيونية تكون الطريقة المعروفة لذلك هي نشر بث آخر على نفس الموجات التي يراد التشويش عليها، وتكون النتيجة هي تعطيل البث الأصلي أو إضعافه. واستيحاءً من هذا التكنيك جاء مصطلح التشويش الثقافي (Culture jamming) والذي يمكن تعريفه على أنه: "مجهود منظم للناشطين الاجتماعيين يهدف إلى مقاومة القصف الذي تقوم به وسائل الإعلام لنشر ثقافة الاستهلاك" [i]
تصميم شعار الكوكاكولا مستخدمًا بنفس الشكل لكتابة جملة استمتع بالرأسمالية


     تم صك المصطلح في عام 1984 وهو يشير إلى تكنيك تم تبنيه من قبل العديد من الحركات الاجتماعية المناهضة للاستهلاكية، من أجل تعطيل أو إفساد الثقافة التي تروج لها مؤسسات التيار المهيمن على الثقافة، بما في ذلك الشركات المعلنة، والصحف، والتلفازات... أحيانًا ما يتم استخدام مصطلحات أخرى للدلالة على نفس المعنى: كحرب العصابات السيميائية (Guerrilla semiotics)، وخطاب الليل (night discourse).

     في هذا السياق تجب الإشارة إلى أنه قد يتم الخلط بين مصطلح التشويش الثقافي وبين الاستخدام الفني للسلع في الأعمال الفنية (artistic appropriation)، أو حتى بينه وبين التكنيكات التي لها أغراض تخريبية محضة. ورغم إمكان وجود مناطق تداخل، وفي أحيان ما قد تدخل نفس المادة تحت المصطلحات الثلاثة في نفس الوقت، إلا أن التمييز بينها واجب.
استخدام نفس شكل الماركات المعروفة لتوجيه رسالة مضادة



     عادة ما يتم النظر إلى التشويش الثقافي على أنه شكل من أشكال "إفساد الدعاية" (Subvertising). وكلمة Subvertising (إفساد الدعاية) هي مزيج من كلمتي subvert بمعنى يفسد أو يخرب أو يسبب الاضطراب، وكلمة advertising (الإعلان) وهي تشير إلى عملية التهكم أو المحاكاة الساخرة من الدعاية السياسية والتجارية. ويتم لهذا الغرض في الغالب استخدام: بعض الصور، أوالرموز، أو اللوجوهات، أوالتصريحات، لمنتجات أو خطابات تعبر عن الثقافة الاستهلاكية، مع القيام بعمل تعديلات عليها تظهر بعض الجوانب أو المشاكل التي يتم إخفاؤها أو التشويش عليها وسط الخطاب الدعائي المكثف. وذلك من أجل تحدي الفكرة الإيجابية التي يتم الترويج لها للثقافة الاستهلاكية، وتغيير المفهوم الذي يتم تعميمه لما هو طريف أو جيد (what's cool). 
 

     تقوم عملية التشويش الثقافي على اللعب على عواطف المشاهد أو المار من أجل التشويش على الأفكار والعمليات اللا واعية التي تجري حين يرى معظم المستهلكين العلامة أو إعلانها التجاري، بهدف إحداث تغيير سلوكي وأثر سياسي. بشكل عام هناك أربعة مشاعر رئيسة يتم اللعب عليها بشكل أساسي: الصدمة، والعار، والخوف، والغضب، وهي تعد المحفزات الرئيسة للتغير الاجتماعي. الغرض الأساسي هو محاولة جعل المشاهد يفكر، وذلك من أجل إجباره على مغادرة منطقه المعتاد المريح.



إعلان شركة الكوكاكولا بعد أن أضاف إليه أحدهم كلمة واحدة

     يتم انتقاد هذه العملية أحيانًا لأنها تكتفي بالنقد ولا تتجاوز ذلك إلى إيجاد بديل، وربما لهذا السبب ظهر مفهوم أكثر إيجابية لمصطلح (Culture jamming) مستوحى من الموسيقى (في السياق الموسيقي يشير لفظ jamming إلى بعض الحفلات التي يجتمع فيها عدد من العازفين بآلات مختلفة ليرتجلوا معًا ألحانًا موسيقية لم يتم التحضير لها مسبقًا). وفي هذا الإطار يكون المقصود بالمصطلح عملية تهدف لجمع الفنانين، والعلماء، والناشطين من أجل إنشاء أشكال جديدة للإنتاج الثقافي تتجاوز القائم. وفي ما يخص هذا الفهم تحديدًا تكون ترجمة التشويش الثقافي غير معبرة عن المصطلح بل ربما تكون ترجمة "التناغم أو التلاحم الثقافي" التي وجدتها في عرض أحد الكتب على الإنترنت العربية هي الأقرب في هذه الحالة فقط.

     من المهم أيضًا في النهاية الإشارة إلى مصطلحين مرتبطين بهذا المصطلح، قد يستخدمان أحيانًا بشكل تبادلي مع مصطلح التشويش الثقافي:



1- قرصنة الميم Meme hack 

الميم كما يراه البعض هو بشكل ما جين ثقافي، وحدة معلومات ثقافية. أول من استخدم اللفظ هو ريتشارد داوكنز (Richard Dawkins) عالم البيولوجيا، لكنه بعد ذلك انتقل إلى عدد من النقاد الثقافيين. ينظر للميم على أنه وحدة معلومة مكثفة تنتقل من عقل لعقل بشكل واسع، وتنشر نفسها كالفيروس، أو كما تنتقل الجينات أثناء تطور الكائنات الحية من جيل لجيل أو من كائن لكائن على سبيل المثال، الميم قد يكون فكرة، مفهوم، أغنية، رمز، موضة ... قد ينتقل بشكل معتاد أو يتحور بفعل طفرة ما. باختصار يتم النظر إلى ثقافة ما أو نظرية ما على أنها مجموعة من الميمات أو الجينات الثقافية المكونة. أما قرصنة الميم فتعني تعديل متعمد لمفهوم أو عبارة، أو استخدامها في سياق مختلف بغرض افساد المعنى أو إظهار فساده.

 2- إعادة التوجيه (Détournement )

     تنويع أو إعادة صياغة لعمل أو صورة معروفة، بحيث تكون الصورة المعاد إنتاجها معادية ومضادة للصورة الأصلية. الصورة الأصلية لابد أن تكون مألوفة وشائعة للمتلقي، بحيث يتواصل مع الصورة المعاد إنتاجها. المصطلح كما هو واضح أصله فرنسي.
هذا ما أفكر به كلما رأيت شعار بيبسي
نحب نشوفك مبسوط - استخدام الشعار وجملة الدعاية


[i] Handelman, J.M. and Kozinets, R.V. (2004) Proposed Encyclopedia of Sociology entry on
‘Culture Jamming’. Unpublished manuscript.
المصدر أعلاه هو صاحب التعريف، لكني نقلته عن:

Culture Jamming A Sociological Perspective \VINCE CARDUCCI; in (Journal of Consumer Culture; 2006, no 6); p 116.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات