ليوناردو دافنشي وعلم التشريح
بقلم: ديفيد لو بروتون
ترجمة: محمد عرب صاصيلا
"أنت يا من تكب على التأمل في هذه الآلة، التي هي آلتنا، لا تحزن، لأنك تتعرف عليها من خلال موت الآخرين، بل ابتهج لأن خالقنا زود العقل بمثل هذه الأداة الممتازة"؟ تلك هي العبارات البليغة لليوناردو دافنشي في ال Quaderni وبالفعل فإن طرق علم التشريح الحديث شُقت على يد رجلين متباينين جدًا. وحتى لو أن التاريخ أعطى حظوة جيدة لفيسال (1514-1564) فإن ليوناردو (1452-1519) سبقه إلى هذ المغامرة بتشريحه ثلاثين جثة، وبتحقيقه لمذكرات وملفات لا تحصى حول علم التشريح البشري. لكن مخطوطات ليوناردو لم يكن لها إلا تأثير محدود في زمانها، وبقيت فيما بعد شبه سرية لمدة طويلة، بسبب تهاون خليفته فرانسيسكو ملري، الذي اكتفى خلال خمسين سنة بأن يعيد فقط نسخ بعض المقاطع من المخطوطة المكرسة للرسم. إن ليوناردو دافنشي لم يطبع مطلقًا أفكاره أو رسوماته. وكما كان غير قابل للإدراك بسبب اتساع اهتماماته الفضولية ومواهبه، كان أيضًا كذلك بالنسبة للباحثين في القرون اللاحقة. لقد احتقر ليوناردو، كما أشار لذلك جورج سارتون، الاكتشافين الكبيرين في عصره: الطباعة، والنقش؛ الذين كان بإمكانهما أن يدخلا عمله في العصر ويخلداه، بدل تركه مبعثرًا وبلا عناية. إن الدراسات التي كان ليوناردو ينوي القيام بها حول الرسم أو علم التشريح لم تر النور مثل العديد من اكتشافاته التي جمعت فقط في ال Quaderni وحين وفاة ملري، انتقلت هذه الأخيرة من يد إلى يد قبل أن تعرف انتشارًا واسعًا، وخاصة بعد عام 1796، الذي قام فيه شمبرلين بإعادة انتاج قسم من الرسومات التشريحية في كتاب مجلد. وكانت هذه مناسبة للناشرين لإعادة إنتاج المخطوطات بنسخ طبق الأصل (وذلك في أواخر القرن التاسع عشر)، أدت بالنهاية إلى التعريف بمدى اتساع ونوعية عمل ليوناردو في ميدان التشريح. ومما لا شك فيه أن فيسال لم يتعرف مطلقًا على هذه الرسومات وهذه الشروحات، ولهذا آل إليه الفضل في إدخال المعرفة التشريحية في مدونة العلم الحديث.
مقطع من كتاب: أنثروبولوجيا الجسد والحداثة
تأليف: ديفيد لو بروتون
ترجمة: محمد عرب صاصيلا
(الصور: رسوم تشريحية متنوعة رسمها ليوناردو دافنشي، مأخوذه من كتاب: Quaderni di Anatomia)



.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء