نظرية التطور!

Rembrandt _anatomy lecture


     في بدايةٍ ما، كان الناس خائفين. كانوا مع كل قتيلٍ جديد يبكون بحرقة. حين كانت تمر جنازة جديدة تحت بيتٍ كان النوم يغيب عن سكانه في تلك الليلة، كان الحزن يظهر على الوجوه صادقًا دون تصنع ولا تمثيل. ولهذا ربما صاروا يغلقون النوافذ؛ فجأة صار من العادي أن تسير في شارعٍ شبه خاو كل نوافذه مغلقة، كان الناس يخافون من الموتى، يخافون من الحزن الذي سيدخل البيت إن لمح أحد سكان البيت الجنازة. في مرحلةٍ ما اكتشف البعض أن الناس بدأوا يكرهون الموتى أكثر مما يكرهون الموت.

     في تلك الفترة ورد عن أحدهم أنه قال: "حدث أن مات سبعة من جيراننا في أسبوع واحد، سمعت أحدهم يقول ذلك، خفتُ من مجرد سماعِ أسمائهم، هربت منه قبلَ أن يذكرها، خشيتُ أن يكون بينهم من أحبه أو آلفه. كنا نقولُ ستعودُ الأمور كما كانت، ستنحسرُ موجة الموت القارصة هذه، كنا نُصَبّر أنفسنا". لم ينحسر الموت على ما يبدو ربما يكون حتى قد استمر في التزايد، لا نعلم يقينا. في مرحلة ما توقف الناسُ عن العد، في مرحلة ما اختاروا/ اخترنا ألا نهتم، تعودنا على الموت، فتحنا النوافذ، دون أن نكترث بالجنازات التي تسير تحتها، لم نعد نخاف ولا نحزن، لكننا لا نفرح أيضًا. ربما ظلت قلة من الناعبين والمولولين أصروا على إزعاج الناس، كنت أصدق الحزن الصادق والحماس الحي في أصوات بعضهم، وأرى الاصطناع في أصوات أخرى، لكني في الحالين أحاول ألا أهتم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات