ثورة الخامس والعشرين وحقوق الثقافات الفرعية / حجاج أدّول

حجاج أدّول


  (ملخص الورقة التي قدمها حجاج أدّول لمؤتمر الثورة والثقافة الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة من 14 إلى 16 أبريل 2012، نقلا عن كتاب ملخصات الأبحاث الخاص بالمؤتمر)

     من أهم الأساطير الفرعونية والعالمية، أسطورة إيزيس وأوزوريس كثنائية في وحدة خير، ويعملان على وحدة الشعب المصري، وعدوهما "ست" الممثل للشر، والعامل على تفتيت تلك الوحدة، ويستمر الخير بتجميع القطاعات المصرية واحترام خصوصيتها، فتزهر مصر، فيعمل "ست" على بعثرة القطاعات المصرية، أي بضرب الخير في مقتل، هذا باغتيال أوزوريس وبعثرة أشلائه فلا يكون قطعة واحدة، مع إذلال إيزيس روح مصر. ثم دور إيزيس التي جمعت أشلاء زوجها المتناثرة في أنحاء مصر، وبدعوتها وبحبها وبدموعها النيلية، وباستعانتها بالعلم "إله المعرفة توت" بثت الحياة فثي أوزوريس. فحياة أوزوريس لا تكون إلا بالوحدة. ثم أنجبا ابنهما المقاتل حورس، حورس نتاج الخير قاتل الشر المتمثل في "ست" وهزمه. الشر رسخ على مصر عقودًا طويلة، والخير في إيزيس وأوزوريس هما مصر، وثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، هي حورس الذي يطيح حاليًا بشرور ست، المتمثل في نظام "المخلوع".

     في الأسطورة، إيزيس تجمع شتات أوزوريس من إثني عشر – ويقال ستة عشر- قطاعًا، وهي مناطق مصر كلها من شمالها إلى جنوبها إلى شرقها إلى غربها. وهي إشارة للأمن القومي، الذي لن يقوى إلا بتجميع قطاعات "أشلاء" الوطن ليكون واحدًا سليمًا صحيحًا. وقد عمل نظام الشر السابق على تمزيق الوطن تمزيقًا رأسيًا، علَّت من طبقات لا تستحق العلو، وعليه كانت الصدامات بينها وبين من خسف بهم. ومزقت الوطن أيضًا أفقيًا، فعملت على بث الفرقة بين أقاليم مصر، مثل النوبة في الجنوب وبدو سيناء في الشمال الشرقي، وبدو مطروح في الشمال الغربي. هذا بالإضافة إلى بث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، والرجل والمرأة، إلخ. والغرض من هذا ضرب الشعب بعضه ببعض، فلا يتكتل ضد عدوه الحقيقي الذي يحتله وهو النظام الفاجر السابق.

     وأقاليم مصر ليست فقط مساحات وتضاريس، بل مجاميع بشر لهم ثقافاتهم الفرعية، والتي تغذي الثقافة الجمعية لعموم مصر (إيزيس وأوزوريس). ثورة الخامس والعشرين المستمرة، حققت الكثير رغم مؤامرات كارهيها المستمر، ومن ضمن نجاحاتها أنها وقفت سياسة شيطنة الأقليات الثقافية، بالوطن المصري الإيزيسي. والثورة كما ستعمل على نهضة مصر كأم إيزسية، فسوف تعمل على حقوق الثقافات الفرعية، كجداول تصب في النيل المصري، وتأخذ منه، في جدلية إنسانية وطنية تزهر ولا تجدب. اعترف كثيرون من المسؤولين الجدد بأهمية الثقافات الفرعية لمصر، ومنها الثقافة النوبية، وبدؤوا في فهم أن التعددية الثقافية فوق أنها حق للشعوب، فهي ضرورة لاستقرار الداخل، وضرورة لاتصال إيجابي بشعوب الجوار، أي أن التعددية الثقافية، بند أساسي من بنود الأمن القومي، سواء في شقه الداخلي أو الخارجي.

     كتب النوبيون كثيرًا عن دورهم في الأمن القومي الجنوبي، خصوصًا بنده المائي مع شعوب حوض النيل، فشعوب الجنوب في أفريقيا يفاخرون بالحضارة النوبية وهي حضارة نيل، وعليه فالنوبة المصري، هي المدخل الثقافي الأهم في ربط مصر بشعوب حوض النيل. وبناء على الرابط النوبي الثقافي يبنى الرابط الاقتصادي بين مصر وتلك الشعوب . وبهذا تكون النوبة المصرية، هي البلسم الشافي للصراعات التي اشتعلت بالفعل منذرة بحروب المياة.

     سلطة ست الشرير "المخلوع" لم تستمع للنوبيين في نداءاتهم، ليقوموا بدورهم الوطني المصري، بل إن السلطة وقتها خونتهم واتهمتهم بالانفصالية! وقد ثبت مرارًا وتكرارًا، أن مؤامرات الانفصال لا تشعلها الثقافات الفرعية، بل تشعلها حكومة "ست" الشرير، لذا قال العدو عن "ست" إنه كنز استراتيجي لهم، ولم يقل العدو عن النوبة، ولا عن بدو سيناء ومطروح، ولا عن مسيحيي مصر إنهم كنز له.

تعليقات

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات