مقطع من حوار قديم مع الفنان حلمي التوني

لوحة للفنان من مقتنيات مكتبة مصر العامة (مبارك العامة سابقًا)





حوار مع الفنان التشكيلي المصري حلمي التوني أجراه جهاد فاضل، نشر في مجلة آفاق عربية في السنة العاشرة العدد الثالث ( 1984) والتي كانت تصدر عن دار آفاق عربية للصحافة والنشر في  الجمهورية العراقية

- هل أنت مع التجديد في الفن التشكيلي؟

* نعم أنا مع التجديد الحقيقي لا المستعار، وكلمة التجديد نفسها تحمل معنى أن هناك شيئًا يستوجب التجديد. هناك شيء موجود بحاجة إلى التجديد وهكذا فالتجديد ليس قفزة في الفضاء أو المجهول. هناك شيء موجود فعلا ولكن عدا عليه الزمن، شحب وجهه، اعتراه ذبول أو علة، ونريد أن نجددة. إن لكل تجديد تاريخه والطبقة الجديدة من موسوعة "الجران بانتر"التي أصدرها لاروس، أغفلت الإشارة إلى بعض الفنانين المكسيكيين الكبار لأنهم وقعوا في تقليد الآخرين، وفي تشيلي كان هناك فنان كبير مهم جدا ولكن أهل تشيلي لم يعترفوا به وفضلوا عليه فنانا آخر من بلادهم له أصالته واتصاله بتراثه، ليس هناك نموذج واحد وحيد. هناك نماذج كثيرة متعددة وخاصة إذا كان عندك شيء، حتى أمريكا الحديثة التي عمرها "210" سنة  لديها نماذج، النماذج استنبطت واستوحيت من واقع أمريكي، هناك فن أمريكي في الولايات المتحدة ولديهم الآن فن خاص مع أن عمر فنهم 200 سنة لنفترض أن لدينا نفس العمر فمن حقنا أن يكون لنا فننا العربي الخاص بنا.
إن الجديد هو ما يصدر عنك مضيفًا شيئًا إلى الذي عندك وليس الجديد هو الذي تتسوله من الخارج، وهو في الواقع جديد الآخرين لا جديدك أنت.

- المؤسف أن هناك شيئًا مفقودًا هو البوصلة. ليس لدى فنانيا العرب بوصلة. الفن حرية ولكن يجب أن يكون هناك علامات واضحة في  ذهن الفنان. الفنان العربي موزع ومشتت ولا شيء من الثوابت الفنية عنده.

* المهم أن نعود ونفتش عن هذه الثوابت، أن نعيد اكتشافها لأنها ضاعت منذ فترة طويلة. إن الفن الذي لا يتضمن طربًا ليس فنًا. وإذا كان الفن ذهنيات ومعادلات شديدة التعقيد فهو ليس فنًا. يجب أن يطرب الجمهور وما يطرب الناس نختار منه الراقي. لأن الناس يمكن أن تطرب لأشياء كثيرة ولكن لا بد أن نتأمل لماذا يطرب الناس. أنت تعلم أن للفن دورًا أساسيًا في بناء المجتمع. الطرب جزء أساسي من الفن.

- كيف تقيم وضع اللوحة العربية الراهنة. هناك من يقول أن الرسام اللبناني والعربي أفضل من الرسام الفرنسي والإيطالي مثلا..

* أرى أن الفن التشكيلي العربي الراهن في وضع متواضع وضعيف, وهناك غياب لدور الفن التشكيلي في مجتمعاتنا: دوره التثقيفي،  الوجداني الروحاني العقلي، كل مقومات الفن. أنا أعتبر أنه [ليس] هناك إقبال على الفن التشكيلي لأسباب أولها أن الفنان مغترب. هناك اغتراب عن المكان والزمان. وهناك حلقة وقع فيها الفنانون وهي الظن أن الناس أغبياء ومتخلفون وأن الفنان وحده هو المتفوق والعبقري،  وبأن الفنان لا يجوز أن ينحني ليلمس يد الناس  وطالما أن هؤلاء لا يفهمونني فلأترك نفسي سادرًا في حزني ولا بد أن أفهم في مكان آخر وفي زمان آخرفي بلادنا إذا تقدمت.

هذه الحالة المرضية موجودة مع الأسف، ونراها نحن في الأدب والشعر. ولكنها في ميدان الفن التشكيلي العربي واضحة جدًا. الناس كلها  تقرأ وتسمع الموسيقى، ولكن لا أحد يتعاطى الفن التشكيلي تقريبًا إلا النخبة، وهذه النخبة كثيرًا ما تكون مدعية، لا تملك ثقافة فنية وهذا يذكرني  بموضوع هام هو عملية التربية الذاتية.

إنني من الفنانين المهمومين بقضايا مجتمعهم والباحثين عن دور للفنان، وغير الراضين أيضًا. أنا غير راضٍ وغير قانع بالدور الذي يقوم به الفنان المعاصر في مجتمعاتنا. عيب على الفنان العربي أن يقبل بهذا الدور الهامشي دوره يشبه الأزهار الاصطناعية التي توضع في الصالونات السخيفة. إنني لا أقول أن اللوحة العربية الآن سخيفة، ولكن دور الفنان العربي أصبح بهذا الشكل.
 

يجب أن يكون لهذا الفنان دور، لماذا للأدب وللشعر والموسيقى أدوار؟ سم لي فنانًا تشكيليا عربيًا له دور يشبه دور فيروز في الغناء؟

لوحة للفنان من مقتنيات المجلس الأعلى للثقافة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات