Mr. Nobody






كأن تلقي عملة في الهواء؛ ملكٌ أم كتابة؟ احتمالان فقط متاحان. أمامك نسبة نجاح 50%، ونسبة فشل 50%. الوضع يغدو أكثر صعوبة وتعقيدًا إن كان المطلوب منك أن تخمن نفس هذا التخمين عدة مرات متعاقبة؛ تنتج هذه الاحتمالات المتشابكة عددًا كبيرًا من الدروب المحتملة.
أتذكرون فيلم الأبواب المنزلقة (Sliding Doors (1998  حيث يؤدي حدث بسيط كاللحاق بعربة القطار أو عدم اللحاق بها إلى مسارين من الأحداث يختلف كلٌ منهما عن الآخر، وإن التقى المساران -رغم اختلاف التفاصيل- في أحداث الحياة الأساسية معبرًا بهذا عن رؤية ما للعالم وللقدر.  
لعلكم أيضًا تذكرون Run Lola Run (1998) حيث الفيلم هو عبارة عن ثلاث احتمالات لنفس الحدث، في كل مرة تستيقظ البطلة بعد نهاية الحدث بطريقة غير سعيدة؛ لتبدأ نفس الحدث من جديد، لتستطيع في المرة الثالثة ونتيجة اختلافات بسيطة جدًا في الطريقة التي تبدأ بها عدوها من الوصول إلى نهاية سعيدة ترغبها (يذكركم ربما بفيلم 1000 مبروك لأحمد حلمي).

في فيلم (Mr. Nobody (2009 الاحتمالات أكثر تشعبًا؛ فالقصة أو الحدوتة نفسها تغدو أمرًا هامشيًا أمام لعبة الاحتمالات التي يستمتع الفيلم بتشعيبها بطريقة شجرية منتجًا عددًا من الحيوات التي تتقابل وتفترق، منتقلا بحرية في الزمن، فمثلا قد يشاهد البطل ذاته الأخرى تموت في أحد المشاهد، ونشاهد عدة ميتات وعدة زيجات وعدة طرق لنفس البطل، يمتزج هنا الواقعي والخيالي أو بالأحرى تتم مساءلة مفاهيم الزمن والواقعية بشكل يخرجها عن يقينيتها المعتادة في الحس المشترك.

الفيلم هنا به سيناريو مكتوب بطريقة مختلفة، كتابة سيناريو كهذا ليس عملية بسيطة فهو متشابك الأحداث بشكل كبير، وهو يشير بوضوح من خلال مقاطع من أفلام تسجيلية يقوم البطل في إحدى الحيوات بتصويرها إلى نظريات وحقائق علمية مختلفة، منها ما هو بيولوجي، ومنها ما هو فيزيائي؛ فهو يشير -في إحدى اللقطات التسجيلية الأهم- إلى "STRING THEORY" أو ما يترجم أحيانًا للعربية بنظرية الأوتار، وهي نظرية تحاول الربط بين النظرية النسبية التي تتعامل مع الأجسام هائلة الحجم ونظرية الكوانتم (الكم) التي تنظر للأجسام متناهية الصغر (الجسيمات دون الذرية). الفكرة الأساسية التي يأخذها الفيلم من نظرية الأوتار هنا هي فكرة الأبعاد المتعددة (أن الكون مكون بالإضافة للأبعاد الثلاثة المعروفة من عدد كبير من الأبعاد التي لا نستطيع إدراكها ولا فهمها بالأسلوب العادي للنظر)، والفيلم كله بأحداثه المتشابكة يمكن النظر له على أنه انعكاس لهذا الفهم للعالم وللزمن.





الفيلم ممتع حقًا، أعجبني جدًا كتابةً وتصويرًا وتمثيلا وإخراجًا، ربما لا أدري بعد إن كنت سأضعه ضمن قائمة أفلامي المفضلة. لكنه حمسني للبحث عن أفلام أخرى لكاتبه ومخرجه " Jaco Van Dormael " وهو مخرج بلجيكي.



 تعمدت ألا أتحدث عن تفاصيل الإنتاج وأسماء الأبطال لسهولة الوصول إليها، ولمعرفة المزيد عن الفيلم يمكن الضغط هنا

بقلم: أحمد الحضري

تعليقات

  1. شكرا لهذا العرض الموجز، استمعت حقا بمشاهدة الفيلم

    ردحذف
    الردود
    1. شكرااا أخي "Mooad Shaqour" على الاهتمام وعلى التعليق ...أتمنى أن تثير المدونة اهتمامك بالقدر الذي يدعوك لمتابعتها :)

      حذف
  2. ها قد عدت من جديد أخي الكريم

    شاهدت في الآونة الأخيرة أفلاما كثيرة، منها ماهو مليء بالألغاز والتعقيد والمؤامرة الكونية مثل شفرة دافنشي وملائكة وشياطين ومنها ماهو موجه للأطفال ويناسب الأسرة مثل أليس في بلاد العجائب وعودة الحراس وكارولينا وغيرها كثير، لكني اليوم شعرت بحنين لأفلام من نوعية الفيلم الذي تناوه تقريرك، لذلك أتمنى أن تتحفنا أخي الكريم بأفلام مشابهة لهذا الموضوع، شكرا لك.

    أفلام مشابهة شاهدتها

    رجل العائلة: نيكولاس كيج
    تأثير الفراشة

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك على العودة والتعليق المفيد والممتع.. أنوي إضافة المزيد من العروض عن الأفلام التي تعجبني تباعا :) أشكرك للغاية

      حذف

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات