حوار مع نجيب محفوظ في عيد ميلاده الخامس والسبعين .. 2






س/ لقد أشيع أن جمال عبد الناصر كان يقرأ أعمالك فهل هذا صحيح؟


ج/ قال لي أحد الضباط أنه لما نشر طبع "بين القصرين" اهتم عبد الناصر وطلبها ليقرأها.

س/ لقد مارست بحريات واسعة في عهد عبد الناصر نقد السلبيات الناصرية، فهل حدث تصادم بينك وبين السلطة وأجهزتها؟

ج/ ثرثرة فوق النيل عملت شيئا من الخطورة، ويظهر أن عبد الناصر كان قد سمع عنها أو قرأها الله أعلم، فالدكتور ثروت عكاشة قال لي أن عبد الناصر سأله ما هي حكاية ثرثرة فوق النيل؛ فقال ثروت عكاشة أنه لم يقرأها، ثم ذهب لعبد الناصر بعد أن قرأها ودافع عنها وعن مؤلفها، وقال أن الأدب إن لم يتح ويهيء له قدرًا من الحرية لن يكون أدبًا وأنا مدين بهذا لثروت عكاشة.

س/ وماذا عن الأزمة التي أحدثها عرض فيلم ميرامار؟

ج/ آه ميرامار بالعكس الذي اعترض عليها الاتحاد الاشتراكي والذي سمح بنشرها وعرض الفيلم جمال عبد الناصر الذي كلف السادات بتبليغ الأجهزة والرقابة بذلك.
وأنا أعتقد أن الذي حماني شخصيًا بالإضافة إلى ما قلت عن ثروت عكاشة وإلى شخصية محمد حسنين هيكل هو براءة ساحتي، ولم يكن في تاريخي ما يثير الزيف، فضلا عن أن نقدي كان نقد سلبيات وليس رفضًا لثورة 1952 فهو نقد كاتب منتم للثورة لا رافض لها. 

س/ ولكن شهادتك عن فترة عبد الناصر في رواية الكرنك أثارت النقد في قوى عديدة من اليسار وبالذات الفيلم صدم الناس العاديين فقد أضاف أكاذيب للرواية. 

ج/ الواقع أن رواية الكرنك سيئة الحظ بالنسبة لتاريخ صدورها لأنه زامن موجة رجعية للهجوم على الثورة فظن خطأ أنها إحدى الموجات، ولم تكن كذلك، وليست رواية الكرنك إلا استمرارًا لما يكتب أو أكتبه في العهد الناصري من نقد الشمولية والإرهاب بل لعلها أخف من قصة مثل الخوف وسائق القطار.

س/ وماذا عن شهادتك عن مرحلة السادات في رواية يوم قتل الزعيم؟

ج/ سرح نجيب محفوظ ونظر للبعيد ثم همس:
شوف يا عزيزي طبعا ما زلت مؤمنًا بإيجابيات السادات كنصر أكتوبر والسلام، ولكن هاجمت الفساد والانفتاح الاستهلاكي في روايات مثل أهل القمة والحب فوق هضبة الهرم، كذلك في مقالات مباشرة أكثر من مرة، وقد اتصل السادات أكثر من مرة بعلي حمدي رئيس تحرير الأهرام محتجًا على بعض وجهات نظري وعقب حوادث 17، 18 يناير المشهورة خطأت الحكومة حتى اضطر السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء أنذاك أن يرد على الأهرام وهذا مسجل.
وبعد الاعتقالات الشهيرة في أزمة سبتمبر 1981 دافعت في مقال صريح عن أساتذة الجامعة الذين نقلوا إلى أعمال أخرى ويشهد بذلك الدكتور عبد المحسن طه بدر أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة ولقد زارني في كازينو قصر النيل شاكرًا أمام أعضاء الندوة.
وصمت نجيب محفوظ في حزن ، ثم قال يقصد بعض مدعي اليسار الذين هاجموا مواقفة:
هي المسألة كلها أن عين السخط لا ترى إلا المعايب.

س/ في كتابك أمام العرش حاكمت وقيمت الحكام الذين توالوا على حكم مصر منذ عهد الفراعنة حتى جمال عبد الناصر والسادات، أمام محكمة أوزوريس وإيزيس فإلى أي مدى لك الحق في ذلك؟

ج/ ضحك نجيب محفوظ ضحكته الشهيرة قائلا:
في اعتقادي أني أعطيت لكل واحد إيجابياته وسلبياته على قدر طاقتي وهذا كتاب من النوع الذي يحمل اجتهادًا في الشهادة التاريخية الوجدانية.. إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر وأنا متنازل عن الأجر.

س/ ما هو موقفك السياسي بصراحة؟

ج/ فوجئ نجيب محفوظ بالسؤال فتردد ثم أجاب قائلا:
تحديد موقفي السياسي في أعمالي أفضل، ليحكم عليه القارئ أو الناقد، أما أنا كإنسان مصري ومواطن عادي يفترض فيه أن يعرف ذلك، فأقول لك أني اتمسك بقيمتين في الحياة هما: الحرية والديموقراطية، والعدالة الاجتماعية. 

س/ لنبتعد عن السياسة ونتحدث عن فن الرواية الذي عطيته عمرك وحملته فكرك وتجاربك ورؤيتك للواقع والإنسان ..

ج/ الحقيقة أن الرواية شكل تعبيري بانورامي واسع الإمكانات جدا وأنا قلت ذلك مرة، يعني فيه الحدوتة، وأنت تعرف سحرها للناس وفيها  اتساع لعرض التجربة الإنسانية بشمول لا يتسع له المسرح أو القصة القصيرة أو الشعر، فضلا عن أنها تستطيع أن تحتوي من الفكر والفلسفة والشعر، والواقع أن المنافس لها والذي بدأ يتفوق عليها  -وهو التليفزيون والفيديو - لا يستطيع أن يؤدي جزءا من ثرائها وقد عشقتها منذ صغري أكثر من أي شيء آخر ولكني أحب أن أقول لك، أني في الوقت الذي لا يعترف به أحد بالقصص القصيرة فإني صاحب أكبر مجموعات قصص قصيرة، وهي بحكم الطبعات والمطبوع لا ينافسها في ذلك عباقرة الفن أنفسهم من العرب.

_______

اقرأ أيضًا:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات