ذكاء الغربان (مقتبسات)

 

هذه الطيور غالبًا ما تكون سوداء بالكامل، على الرغم من أن بعض الأنواع لديها مساحات بيضاء أو بنية أو رمادية أو بنفسجية أو حتى خضراء. عادة ما يجعل هذا الريش الداكن الغربان تتمايز بشكل دراماتيكي وكذلك يجعل من الصعب تمييزها عن بعضها، فالأسود هو لون التراب والليل وربما لهذا كانت الغربان غالبًا ما ترتبط بقوى غامضة. إنه اللون الذي يجعل المخلوقات تبدو أكثر جلالا وجدية، ولهذا فقد كان اللون المفضل لثياب الكهنة وكذلك لمدراء المدارس حتى وقت قريب.

إن طريقة وقوفهم المحدبة وحبهم لالتهام الجيف ساعدا في جعل الغربان رمزًا للموت وبالرغم من ذلك فإن قلة من الطيور الأخرى تتمتع بحيوية الغربان وحبها للعب، فهي تقوم بالكثير مما يبدو أنه لعب بلا جدوى مثل حمل غصن صغير عاليًا وإسقاطه ثم الانحدار نحو الأسفل والتقاطه ثانية. 
  
قد تتدلى الغربان بالمقلوب دون سبب واضح وعلى قدم واحدة أو تقوم بتنفيذ شقلبات خلفية أثناء الطيران. تقوم الغربان في ألاسكا مرار وتكرارًا بكسر قطع من الثلج المتجمد على الأسطح المائلة وتستعملها كمزلجة لتنزلق عليها. 

وكان لورانس كيلهام، الذي ألف كتابًا مهمًا حول السلوك الاجتماعي لفصيلة الغربان، قد أطلق النار ذات مرة على غراب في أيسلندا فسقطت منه ريشة واحدة إلى الأرض، وطار الغراب بعيدًا. وعندما توقف كيلهام ليعيد حشو مسدسه عاد الغراب وطار فوق رأسه وأسقط بقايا التوت البري الذي كان يأكله على قبعته، فاستنتج كيلهام أن الغربان، بالإضافة إلى كونها ذكية، لديها حس الدعابة أيضًا. 

*** *** *** 


 
وتقول حكاية منسوبة تقليديًا إلى الحكيم اليوناني إيسوب Aesop، الذي يقال أنه قد عاش في جزيرة ساموس في القرن السادس قبل الميلاد، إن غرابًا  عثر على جرة مليئة بالماء وكانت أثقل من أن يستطيع قلبها، فبدأ الغراب بإلقاء الحصى من فتحة الجرة حتى ارتفع منسوب الماء واستطاع الشرب منها. ونقل الموسوعي بليني الأكبر في القرن الأول أن الناس شاهدوا فعلا غرابًا في حقبة القحط يقوم بتكديس حجارة في مدفن تذكاري يحتوي على ماء المطر. اعتقد العلماء في غالبية القرن الثاني عشر أن الطيور غير قادرة على القيام بمثل هذا النوع من التفكير، وبالرغم من ذلك فإنه في السبعينيات من القرن العشرين، راقب علماء أمريكيون طائر أبو زريق سجينًا، وهو طائر من أقارب الغربان، يقوم بعفوية بإسقاط أجسام صلبة في كأس من الماء ليرفع مستوى الماء فيه تمامًا مثل الحكاية المذكورة. 
 


لقد قام العديد من المراقبين، بمن فيهم علماء رفيعو الشأن، بالإبلاغ عن أعمال ذهنية استثنائية من قبل الغربان. ويعتقد بعض الباحثين أن فصيلة من الغربان توجد في جزيرة كاليدونيا الجديدة في المحيط الهادي هي، بعد الإنسان، أكثر صانعي الأدوات احترافًا بين الحيوانات. ويتضمن "صندوق الأدوات" الخاص بها قضيبًا مصنوعًا من فرع حاد الرأس ويستخدمه الغراب لإخراج الديدان من أوراق أشجار النخيل. وهناك أيضًا كَلاَّب، منحوت بدقة من فرع مقوس، يستطيع بواسطته الغراب سحب الديدان من الثقوب. وربما الأكثر غرابة أن لديه منشارًا مصنوعًا من هيكل ورقة الشجر يستخدمه لتقطيع وتقشير الديدان. كل هذه الأدوات صنعت بتصميم ودقة استثنائية. 

وفي مدينة سينداي في اليابان قامت الغربان آكلة الجيف باكتشاف طريقة حاذقة لكسر الجوز. فهي تأخذ الجوز وتنتظر قرب الطريق حتى يتحول لون الإشارة إلى الأحمر فتهبط وتضع الجوزة أمام عجلة سيارة وتحلق ثانية، وعندما يتحول لون الإشارة إلى الأخضر تعود لتأكل قطع الجوزة التي كسرتها السيارة. وفي فنلندا، حيث يقوم الصيادون بترك خيوط صنانيرهم في الحفر التي حفروها في الجليد، تقوم الغربان ذات القلنسوة بصورة منهجية بسحب الخيط من الماء وسرقة ما اصطادته. وقد قام العديد من الباحثين خلال العقود الماضية بالإبلاغ عن حوادث تؤكد ذكاء الغربان. [...]ٍ

ومن المحتمل أن أغلب الأدلة الدراماتيكية عن ذكاء الغربان تم اكتشافها في عام 2002 في مختبر أوكسفورد الخاص بالعالم أليكس كاسيلنيك، الذي قام بوضع غرابين من جزيرة كاليدونيا الجديدة ويدعيان أبل وبيتي في مواجهة أحجية، اتضح أنها كانت بدائية جدًا بالنسبة لمثل هذه الطيور الذكية. وقد تم تزويدها بمقدار كبير من الطعام من الأنبوب، وقد لاحظًا مباشرة ما هي الأداة المناسبة. بدأ أبل العمل باستخدام السلك المعقوف في حين قامت بيتي بثني السلك المستقيم بدقة وصنعت منه كلَّابًا وحصلت على وجبتها. وبعد تجربة هذا الأمر لأكثر من مرة لم يقم الغراب فقط بحل الأحجية بل في كل مرة كانت بيتي تبتكر طرقًا جديدة لثني السلك. وفي بعض الأحيان تمسكه بقدميها وتثنيه باستخدام منقارها، وفي أحيان أخرى ثبتت أحد الأطراف باستخدام شريط لاصق وقامت بثني الطرف الآخر. وقد تم مواجهة الشامبانزي والقردة بالمهمة نفسها ولكن لم يستطع أي منها التوصل لطريقة إنجازها.




مقاطع من كتاب: 
الغراب: التاريخ الطبيعي والثقافي
بوريا ساكس
ترجمة: ايزميرالدا حميدان
كلمة، أبو ظبي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

قصائد من الشعر الأفريقي المعاصر