المؤلف (مقطع)

غلاف الترجمة العربية


يبدأ بارت مقاله بطلب يوجهه إلى قرائه بأن يتمعنوا في جملة من قصة بلزاك القصيرة: "سارازين"، التي تصبح بعينها موضوع كتابه التالي س/ز، وتعكس هذه الجملة تأملًا استثنائيًا "للشفرات" المختلفة لقصة بلزاك. تحتوي الجملة على وصف لبطل القصة، وهو رجل مخصي يتنكر في هيئة امرأة: "لقد بدا كامرأة، بمخاوفها المفاجئة، ونزواتها اللاعقلانية، وقلقها الفطري، وجرأتها المتهورة، واهتياجها، وأحاسيسها العذبة المرهفة" (بارت، 1995، ص125) ويتساءل بارت: "من الذي يتحدث؟" ويجيب أننا لا يمكن أن نعرف مطلقًا من هو المتحدث. ويقترح أيضًا أن المتحدث قد يكون المخصي ذاته، أو بلزاك شخصيًا، أو بلزاك المؤلف معلنا عن بعض من أفكاره "الأدبية"من خلال " حكمة كونية"، أو عبر فكرة شخص تقترحها "السيكولوجية الرومانسية". ويجادل بارت مؤكدًا أنه لا يمكننا أن نعرف المتحدث أبدًا، لأن الكتابة تشتمل على "تدمير لكل صوت وكل مصدر" (ص 125) ويوافق بارت، ستيفن ملارميه في إعلانه أن العمل الأدبي أو "العمل النظري"، يعكس "فناء صوت الشاعر" (مقتبس من قبل نيسبت،1987) إن جملة بارت المدوية التي يفتتح بها مقاله، "موت المؤلف"، تُبطل صوت المؤلف، وتلغيه كأصل أو كمصدر، أو كتعبير عن الهوية والوحدة، أو كما يسميها فوكو، "مبدأ وحدة معينة في الكتابة" (فوكو 1979). ويعلن بارت: "إنها اللغة التي تتحدث وليس المؤلف" (بارت 1995).

نجد في الواقع، طرقًا أخرى أكثر تقليدية يمكن من خلالها تفسير جملة بلزاك وتحديدًا أصولها. فيمكن قراءتها، على سبيل المثال، داخل إطار تقليدي يوزع المهام بين الراوي وما يسميه وين بوث (Wayne Both) "المؤلف الضمني" (وهو صورة أو فكرة تعبر عن المؤلف ويوحي بها النص، وهذه طريقة للحديث عن المؤلف تتجنب تجاوز النص إلى العوامل التاريخية التي تكمن وراءه). ويمكننا أيضًا أن ندرس الطرق التي من خلالها يستغل بلزاك الأسلوب الواقعي الشائع في القرن التاسع عشر، المعروف "بالخطاب الحر اللامباشر"، الذي يتحدث من خلاله الراوي ذو المعرفة اللامحدودة – بطريقة تشبه التكلم من خلال البطن- عبر كلمات تنطق بها الشخصيات أو من خلال منظور تلك الشخصيات، مما يجعل من المستحيل تحديد موقع الراوي أو المؤلف أو الشخصية، بدقة. إلا أن هذه الاستراتيجيات المتبعة لتفسير المصدر أو "الصوت" الذي ينطق بجملة بلزاك تعتمد في نهاية المطاف على بلزاك كفكرة في حد ذاته، وعلى سيطرة المؤلف، وعلى فكرة مفادها أن النص تنظمه وتوجهة ذاتية مترابطة مفردة، فريدة من نوعها، وهي عقلية بلزاك؛ صاحب المقام الرفيع ووعيه. وعلى النقيض من بلزاك، يعتقد بارت أن الكتابة تدمر بشكل راديكالي شعورنا بوجود صوت ثابت وأصل راسخ للكلام أو اللغة. ويضيف كذلك أن افتقار صوت النص ومصدره للثبات والتوكيد، يرتبط في رواية بلزاك بالاختفاء الراديكالي، أو حتى بعدم ظهور المؤلف في النص. ويستغل بارت جملة بلزاك ليطرح جدلا يؤكد فيه أن الكتابة، في أساس الأمر، لا أصل لها. ومن ثم، يسعى بارت إلى تجريد المؤلف، الذي طالما عُدَّ مصدر النص ومنبعًا للمعرفة والمعنى، من سلطته، ودفعه نحو نظام اللغة والشيفرات النصية التي تنتج الآثار (الشيفرات) الموحية بالمعنى. إذن فاللغة هي التي تتحدث وليس المؤلف بالنسبة إلى بارت.

مقطع من كتاب:
المؤلف
أندرو بينيت
ترجمة: سُري خريس
مراجعة: د. أحمد خريس
كلمة، أبو ظبي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات