نقطة زرقاء باهتة/ كارل ساجان

   

Earth Viewed by Apollo 8



بقلم: كارل ساجان

انظر إلى تلك النقطة. إنها هناك. إنها الوطن. إنها نحن. عليها يوجد كل من أحببت، كل من عرفت، كل من سمعت عنه. كل إنسان عاش وقضى. إنها ملتقى أحزانك ومعاناتك، آلاف الديانات المطمئنة، والأيدولوجيات، والمذاهب الاقتصادية. كل صائد حيوانات وبهائم في الغابات. كل بطل وكل جبان، كل بانِ ومدمر للحضارات. كل ملك وكل مزارع، كل شابين في حالة حب. كل أب وأم وكل طفل ممتلئ بالأمل. كل مخترع ومستكشف. كل معلم للأخلاق، وكل سياسي فاسد. كل إنسان مشهور، وكل قائد ملهم. كل قديس وكل عاصٍ.  كل واحد من هؤلاء من بني جنسنا عاش هناك، فوق تلك الذرة من الغبار المعلقة بشعاع الشمس.
    

الأرض مسرح صغير جدًا في حلبة الكون الفسيحة.

فكر في أنهار الدماء التي سالت بسبب هؤلاء الجنرالات والأباطرة، حتى يصبحوا للحظة، أسياد جزء صغير من تلك النقطة.

فكر في القسوة اللانهائية التي يمارسها سكان جزء لا نكاد نراه من تلك النقطة نحو سكان آخرين في جزء آخر.

كبير هو توقهم كي يقتل بعضهم بعضًا. مشتعل هو حقدهم المتبادل.

إن تلك النقطة الشاحبة من الضوء تتحدى عجرفتنا والوهم الذي يجعلنا نحس أن لنا موقعا متميزا من هذا الكون.

إن كوكبنا هو بقعة وحيدة ضئيلة في الكون العظيم المظلم الذي يلفنا.

الأرض هي المكان الوحيد المعلوم لنا حتى الآن الذي يحتضن الحياة. لا يوجد مكان آخر، يمكن لجنسنا أن يهاجر إليه. على الأقل في المستقبل القريب.

يمكن ان نزور أماكن أخرى، لكن أن نستقر فيها، ليس بعد.

وسواء شئنا أم أبينا فالأرض، حتى الآن، هي المكان الوحيد الذي نعيش فيه. لقد قيل: إن علم الفلك هو أكثر التجارب تعليمًا للتواضع وتربية للنفوس.

ليس هناك ما هو أكثر وضوحًا على جنون وعجرفة الإنسان من تلك الصورة البعيدة لعالمنا المتناهي في الصغر. إنها بالنسبة لي، تحثنا أن نتعاطف مع بعضنا، وأن نحب تلك النقطة الزرقاء الباهتة.

إنها الوطن الوحيد الذي نملكه.

(مقطع من كتاب: نقطة زرقاء باهتة/ كارل ساجان .- عن كتاب: فصول من الكتابة العلمية الحديثة/ تحرير: ريتشارد دوكنز)


تعليقات

  1. للأسف نتناسى دائما حجمنا في هذا الكون الفسيح .
    ونعتقد اننا نملك الكون كله بما فيه .
    ونحن ضعفاء بلهاء . لا نعرف أن قيمتنا لا تكون الا اذا عرفنا مقدارنا .

    الارض هي الوطن الوحيد لنا ولا شيء أخر يستطيع ان يتحمل ما يتحملة هذا الكوكب .
    دمرناه بأيدينا . ولم نبالي .

    تشكراتي كامل احترامي وتقديري . دعواتي وتحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك يا شرقاوي، وممتن لتعليقك، وسعيد أن أعجبك المقطع.

      حذف

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات