مصارع الاستعباد


العوام هم قوة المستبد، بهم وعليهم يصولُ ويطولُ، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصبُ أموالهم فيحمدونه على إبقاء حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون: كريمًا، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعدونه رحيمًا، ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليهم منهم بعض الأباة قاتلوهم كأنهم بغاة.
والحاصل أن العوام يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل والغباوة، فإذا ارتفع الجهل وتنور العقل زال الخوف، وأصبح الناس لا ينقادون لغير منافعهم، كما قيل العاقل لا يخدمُ غير نفسه، وعند ذلك لا بد للمستبد من الاعتزال والاعتدال. ... والقول الحق أن الصدق لا يدخل قصور الملوك، بناء عليه لا يستفيد المستبد قط من رأي غيره، بل يعيش في ضلال وتردد وعذاب وخوف، وكفى انتقامًا منه على استعباد الناس وقد خلقهم ربهم أحرارًا.
إن خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفهم بأسه، لأن خوفه ينشأ عن علمه بما يستحقه منهم، وخوفهم ناشئ عن جهل، وخوفه عن عجزٍ حقيقي فيه.

المصدر :
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد / عبد الرحمن الكواكبي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات