من وجهة نظر آخرين
بقلم : هوارد زن
ترجمة: شعبان مكاوي
في أول كتاب صدر له بعنوان عالم مستعاد (A World Restored) كتب هنري كيسنجر يقول: "التاريخ هو ذاكرة الدول" وفيه انطلق المؤلف مستعرضًا تاريخ أوروبا القرن التاسع عشر من وجهة نظر قادة النمسا وإنجلترا، متجاهلا الملايين التي عانت من سياسات هؤلاء القادة. وتتمثل وجهة نظر كيسنجر في أن "السلام" الذي كان يسود أوروبا قبل الثورة الفرنسية، قد تمت "استعادته" عن طريق الجهود الديبلوماسية لعدد من القادة القوميين، لقد كان هذا العالم الذي يتحدث عنه كيسنجر بالنسبة لعمال المصانع في إنجلترا والفلاحين في فرنسا والملونين في آسيا وأفريقيا والنساء والأطفال في كل مكان – باستثناء الطبقات الغنية – عالمًا من الغزو والجوع والاستغلال، لم يكن ذلك عالمًا مستعادًا، بل عالمًا مفسخًا.
وتختلف وجهة نظري بخصوص كتابة تاريخ الولايات المتحدة، اختلافًا جذريًا عن هذا الكلام، وتتلخص وجهة نظري في أنه لا ينبغي النظر للتاريخ حسب التعريف الذي ذكره كيسنجر، فليست الأمم – ولم تكن في يوم من الأيام - مجرد جماعة من الجماعات. إن كتابة تاريخ أي دولة على أنه تاريخ أسرة ما مثلا، إنما يخفي التصارع الحاد للمصالح بين المنتصرين والمهزومين، بين السادة والعبيد، بين أصحاب رؤوس الأموال والعمال، وبين المستبدين والمظلومين سواء في العرق أو في الجنس. وفي عالم متصارع كهذا العالم؛ عالم الجلادين والضحايا، يكون دور المفكرين، حيث يتوجب عليهم - كما يقول ألبير كامو- ألا يقفوا إلى جوار الجلادين، وبالتالي فإنني أفضل، في ظل حتمية اختيار الوقوف إلى جوار [جانب من] الجانبين، وهو الاختيار الذي يأتي من انتقاء بعض حوادث التاريخ وتأكيدها، أن أحكي قصة اكتشاف أمريكا كما رآها هنود أراوك، وأن أحكي عن الدستور من وجهة نظر العبيد، وعن أندرو جاكسون من خلال عيون هنود الشيروكي، وعن الحرب الأهلية كما رآها الأيرلنديون الذين يقطنون نيويورك، وكذلك أفضل أن أكتب عن الحرب المكسيكية كما رآها جنود جيش سكوت الهاربون، وعن ازدهار التصنيع كما رأته الشابات العاملات في مصانع لويل للنسيج، وعن الحرب الإسبانو – أمريكية كما رآها الكوبيون، وعن غزو الفلبين من خلال عيون الجنود السود على جزيرة لوزون، وأفضل الكتابة عن الحرب العالمية الأولى كما رآها الاشتراكيون، والحرب العالمية الثانية كما عاشها دعاة رفض حمل السلاح، وأفضل الكتابة عن الصفقة الجديدة(New Deal) من خلال عيون السود في هارلم، وعن الإمبراطورية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية كما يراها الكادحون من شعوب أمريكا اللاتينية وهكذا .. وذلك إلى الدرجة التي يستطيع بها أي شخص أن يرى التاريخ من وجهة نظر الآخرين.
المصدر: التاريخ الشعبي للولايات المتحدة/ هارود زن؛ ترجمة شعبان مكاوي.- القاهرة المجلس الأعلى للثقافة؛ 2005.- 2مج.- المشروع القومي للترجمة (736، 794).
تعليقات
إرسال تعليق
أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء