وجوه السيدة العجوز
لوحة للفنان المصري طه حسين adaptation of the dance By: Taha Hussein acrylic on canvas 150 x 190 cm 2009 |
(الخريف)
[1]
الفرح ... ترتدي الضجة، مع زينتها، مع أفضل بسماتها، مع الرقص، وتمضي بينهم، ها هي تزوج آخر أبنائها، الناس حضروا ليؤدوا واجب الفرح، كما يحضرون ليؤدوا واجب العزاء، لا نشوة حقيقية في أي الوجوه، كل الحركات مصطنعة، حتى ابنها وعروسه، كانا متعبين وخائفين. المهم بالنسبة لها أنها أدت ما عليها، هكذا تقول لنفسها.
***
تقول: "تلبس الأسود تخيل فيه، تلبس الأحمر تخيل فيه، تلبس الأزرق تخيل فيه، تلبس الجديد تخيل فيه، تلبس القديم تخيل فيه."
تتحدث عنها بفتنة هل لأنها تعتبرها انتصارها الصغير، أم أنها تتخذ القصة مجرد حجة لكي تواصل الكلام، الكلام الذي تفتقده، الذي انطلق فور أن وجدت أذنا نصف غريبة، نصف منصتة، أذنًا يمكنها أن تخرج لها ما في جوفها بأمان نسبي، دون أن تخشى لومًا أو أذى، هل شجعهها التأييد الذي وجدته لبعض آرائها ومواقفها؟ هل هي امرأة ضاق صدرها بالهم فأرادت أن تزيحه عن صدرها؟
أو لعلها تشير من خلال ممدوحتها بطرف خفي إلى النصيب/القسمة/ القدر: تلك القوة الخفية التي تتحكم فينا وتقذفنا إلى حيث لا نريد ولا نخطط، القوة التي لا تستطيع أفهامنا البشرية فهمها بشكل كامل مهما ادعينا ومهما رددنا حكمنا المعلبة المجوفة، ربما هذا كل ما في الأمر. تشير إلى هذا الابن غير الجميل الذي نال حظًا يفوق إخوته دون سبب واضح، ودون شطارة أو براعة خاصة. هل تشير من خلال هذه المرأة الجديدة على البيت إلى نفسها، إلى بدايتها وإلى حيث انتهت بها الحال. أم أنها تعوض بشكل لا واعٍ الذنب الذي تحسه حين تفكر كيف نظرت وتنظر إلى ابنها، كيف تراه قبيحًا، كيف عجزت عن النظر له كند لإخوته في هذا المضمار. أو ربما يكون الأمر أبسط من هذا لعلها ببساطة تريد اكتساب تعاطفها طمعًا في بعض المال؟
[2]
تحكي عن الغضب: "قلتُ له لا تدخل لهم بيتًا ... قال لكنهم جيراننا وأمهم مريضة، حين ألح أخبرته بالسبب، بعد أن أكدت عليه ألا يبدأ شجارًا. غضب حين علم، قال: أيسبك هذا الفأر دون أن تخبريني ... قلت لا أريد المشاكل. زارهم الكثيرون حتى الآن لكن أحدًا منا لم يطأ دارهم. كنت راضية، بشكل ما اعتبرت ما حدث لها عقابا مناسبًا. يمهل ولا يهمل."
[3]
في هذه اللحظة كانت تحس كأنها لم تتكلم مع أحد طوال عمرها، كبرت، نظفت، طهت، ذهبت للسوق بائعة ومشترية، ثم تزوجت، ضوجعت، طهت، نظفت، أنجبت أربعة ذكور، أرضعت، ربت بطًا وإوزًا وماشية، وأطفالًا إلى أن صاروا رجالا، دون أن تتكلم، بداخلها كلام كثير للغاية لم تقله. بحلقها عدة آهات لم تخرجها، وصراخ لم تطلقه بعد.
[4]
تقول: "طوال عمري تحملت أشياءً كثيرة، تحملت الجوع والشبع، تحملت البرد والحر، كنت أمشي من بيتي إلى الغيط يوميا في عز البرد والحر لأوصل الطعام للرجل، ثم أغسل وأنظف، وأربي، ثم يغضب مني لأقل سبب فيضربني، لم أكن طيعة بدوري، كنت أرد له الصاع صاعين كلما تمكنت. لكن رغم كل ما فعله بي، وفعلته به، كان موته أمرًا غير محتمل، كان حسًا يملأ الدار، ويدًا تساعد، في ضبط الأمور وقت الحاجة.
(الربيع)
تفاؤلٌ قد تدركُ لاحقًا سذاجته.
(الصيف)
"احنا بنشتغل النهاردة عشان نرتاح بكرة، لو ما تعبتش وانت صغير هتتعب إمتى، هي الحياة كدا: متعبة، إنما ليها معنى، وليها لازمة. لازم نستحمل."
(شتاء)
صوت ميكروفون الجامع يعلو: الله الله الله ... بسم الله الرحمن الرحيم... الله الله الله .... يصدر مكبر الصوت بعض الفرقعات الصغيرة قبل أن ينتظم الصوت: إنا لله وإنا إليه راجعون توفيت إلى رحمة الله تعالى الحاجة .... زوجة المرحوم الحاج ... والدفنة عقب صلاة المغرب ... تتكرر الجملة عدة مرات ... فرقعة صغيرة ... صمت
مدونة رائعة اتمني زيارة موقعي
ردحذفاخبار مكان
أخبار مصر و الشرق الأوسط و العالم مع تغطيات سياسية و رياضية واقتصادية