الشك: مقطع من رواية بندول فوكو

Umberto Eco
أمبرتو إيكو



(مقطع من رواية بندول فوكو/ لأومبرتو إيكو؛ ترجمة: أماني فوزي حبشي؛ مراجعة: حسين محمود.- القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2011)

     والشك لا يستبعد الفضول بل يرضيه، لا أثق في سلاسل الأفكار، وإنما أحب من الأفكار تعدد أصواتها، يكفي ألا تصدق، لتتمكن فكرتان، كلاهما مزيفتان، من الاصطدام ليخلقا فاصلا محببًا، على طريقة "الشيطاني في الموسيقى". لم أكن احترم الأفكار التي يقسم الآخرون على صحتها بحياتهم، ولكن فكرتين أو ثلاث من تلك التي لم أكن أحترمها كان يمكنها أن تصنع نوعًا من الألحان، أو إيقاعًا، وأستحسن أن يكون جاز.
     

     بعد عدة أعوام قالت لي ليا: "أنت تعيش على الأشياء السطحية، تبدو أحيانا شخصًا عميقًا وذلك لأنك تعشق الكثير من تلك الأشياء وتكون منها انطباعًا بالعمق والتماسك، ولكن سينهار هذا التماسك على الفور إذا حاولت إيقافه على قدميه".
- أتقصدين بذلك أني سطحي؟
أجابتني: "لا، إن ذلك الذي يسميه الآخرون عمقًا ليس سوى مكعب ثلاثي الأبعاد، تدخله أنت من جهة وتخرج منه من الأخرى، وتجد نفسك في عالم لا يمكن أن يتوافق مع عالمك".

     (ليا لا أعرف إذا كنت سأراك مرة أخرى، الآن بعد أن دخلوا هم من الجانب الخطأ للمكعب وغزوا عالمنا، وذلك بسبب خطأي: فلقد جعلتهم يعتقدون أنه يوجد عمق ما، ذلك العمق الذي تمنوه هم في لحظة ضعفهم)

     ما الذي كنت أفكر فيه بالفعل منذ خمسة عشر عامًا؟ عند إدراكي بأنني لا أصدق شيئًا كنت أشعر بالذنب في تواجدي بين العديد ممن يصدقون. ونظرًا لأنني كنت أشعر أنهم يقفون على الجانب الصواب، قررت أن أصدق، ولكن كنت أفعل ذلك وكأنني أتناول مسكنًا ما، مسكنًا لا يتسبب في أعراض جانبية ويشعرك بالتحسن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوافذ

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

قصائد من الشعر الأفريقي المعاصر