المشاركات

أن تحكيَ حُلمًا

صورة
أحمد ع. الحضري يحدث أحيانًا أن يتقدم الحالم في حلمه كما يتقدم الكاتب في العمل على مسودته الأولى؛ يتضمن كلاهما القيام بكثير من الشطب والتعديل أثناء التقدم. يحدث مثلًا أن يتم تبديل وجه أو صفة، دون تغيير الاسم، أو الدور الذي يقوم به في الحكاية. كأن اللاوعي الحالم، اكتشف وجهًا آخر أكثر ملائمة، أو ربما لأن التماسك المنطقي ليس من شروط الحلم (الجيد)، يقوم اللاوعي بتغيير ما يناسب أثناء عمله، يركز على المشاعر والرموز مضحيًا بتماسك الأماكن والأزمنة والهويات. Dali Atomicus, By: Philippe Halsman (1948) يحدث أحيانًا أثناء الحلم، أن تتم إضافة موقف أو حدث، يحتاج لكي يؤدي دوره في قصة الحلم أن يكون له جذرٌ ما: حدثٌ ماضٍ يفترضه الموقف الحالي، قد يقوم الحلم هنا بإضافة التفصيلة المفتقدة إلى الأحداث، يقوم بحشرها ببساطة كما قد يفعل الكاتب في مسودة نصه. تظهرُ بعض التفاصيل فجأة كذكريات، تجد نفسك وأنت تتذكر بشكلٍ غامض حدثًا مررت به يوضح لك ما يحدثُ الآن، حدثًا لم يكن حاضرًا في عقلك من قبل، كأنه قد هبط عليك فقط في هذه اللحظة، كأنك اكتشفت الذكرى للتو. ربما يكون هذا التلاعب هو الطريقة التي يكتب بها الحل

الفن والحرية (اقتباس)

صورة
ولقد كان الفنان في ذلك المجتمع ومضطرًا إلى العمل في ظروف من القهر لو طبقنا عليها النظريات الجمالية التحررية الحديثة، لاستحال أساسًا إنجاز أي عمل ثقافي أصيل منذ البداية. ومع ذلك فإن بعضًا من أروع الأعمال الفنية قد ظهرت هنا في الشرق القديم، على وجه التحديد، وذلك في ظل أقسى ضغط يمكن تصوره، مما يثبت أنه لا توجد علاقة مباشرة بين الحرية الشخصية للفنان وبين القيمة الجمالية لأعماله. ذلك لأن من الحقائق التي ينبغي الاعتراف بها أن كل مقصد للفنان ينبغي أن يشق طريقه خلال شبكة شديدة الإحكام. فكل عمل فني ينتج بفضل التوتر بين سلسلة من المقاصد وسلسلة من العوامل التي تقاوم تحقيق هذه المقاصد -أعني توترًا بين عوامل مقاومة مثل عدم السماح بموضوعات معينة، ومظاهر التعصب الاجتماعي، وسوء الحكم لدى الجماهير، وبين المقاصد التي إما أن تكون قد استوعبت بالفعل عوامل المقاومة هذه، وإما أن تقف في وجهها صراحة ودون مواربة. فإذا كانت عوامل المقاومة في اتجاه معين مما يستحيل التغلب عليه، فعندئذ تتحول ملكة الابتكار لدى الفنان وقدرته على التعبير إلى هدف لا يعترض طريقه شيء، ولكنه نادرًا ما يكون لديه مجرد الشعور بأن

المفارقة

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) في إحدى قصائد الهايكو اليابانية يقول الشاعر: «كانت العصافير تطيرُ من فزَّاعةٍ إلى أخرى.» والاقتباس الوارد هنا هو القصيدة كلها لا مقطع منها؛ فقصائد الهايكو معروفة بتكثيفها الشديد. لكن القصيدة هنا رغم قِصَرِهَا تحمل مفارقة تلفِت الانتباه، وتدفع إلى الابتسام. ففي صورةٍ بصريةٍ - تبدو عاديةً- تم الْتِقاطها ببراعة، يلمح الشاعر التناقض الظاهر بين دور الفَزَّاعة المفترض، وحالها الفعلي في هذه اللحظة. وبالْتِقاطه للحظة في تكثيف، وشاعرية، وصياغة محكمة يبرز التناقض المحبَّب.  By: M.C. Escher تقول قصيدة هايكو أخرى: «بائع المراوح … يحملُ حِملًا من الهواء … يا للحرارة!» في هذا النص القصير للغاية أكثر من مفارقة؛ تظهر المفارقة الأولى في تعبيره «حِملًا من الهواء.» الهواء كما نعلم خفيف للغاية، حتى إننا نستخدم الكلمة للتعبير عن الخفة المتناهية، لكن القصيدة هنا من خلال الصياغة البارعة تجعل البائع يرزح تحت حِملٍ من الهواء. تكمن المفارقة الثانية في أن من يحمل حِمل الهواء ويبيعه للآخرين لكي يقاوموا به حرارة الجو، هو أكثر من يقع فريسة لهذه الحرارة، خصوصًا مع حمله ال

الأحلامُ نصوصٌ أدبية

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (1) في رواية «مائة عام من العزلة» للروائي العالمي «جابرييل جارثيا ماركيز» حكاية صغيرة عن فتاة شديدة الجمال عاشت في «ماكوندو» وأَحَبَّها كثيرٌ من الرجال. تصِف الرواية مشهدًا جميلًا تصعد فيه «ريميديوس» إلى السماء بينما كانت تقومُ بطيِّ الملاءات. يحكي ماركيز كيف أن هذا المشهد كان مستوحًى من حدثٍ حقيقيٍّ جرى في قريته، قرَّرَتْ في سياقه إحدى النساء -بعد هروب حفيدتها مع أحد شباب القرية- أن تغطِّي على ما حدث بالفعل، بحكايةٍ عن صعود الفتاة إلى السماء. يقول أيضًا إن تفصيلة صعودها إلى السماء حين كانت تطوي الملاءات تحديدًا أتته حين رأى في أحد الأيام امرأة تجمع الملاءات أثناء هبوب رياح عنيفة. في هذا المشهد اختار ماركيز أن يحكي فقط ما قالته الجَدَّة، متجاهلًا الحدث الواقعيَّ الأصليَّ، أضاف بعض عناصر من مشاهد مختلفة لتكتمل الصورة التي تناسب سياق الرواية. ومن خلال عملية الاختيار والتكثيف التي قام بها أثناء خلقه للمشهد، نجح في صياغة مشهدٍ مبهرٍ، يروي فيه حكايةً غير منطقية بمعايير الحسِّ اليوميِّ العادي، لكنها في سياق الرواية حين يتم توظيفها بشكل سليم، تكون شديدة الإي

النوافذ

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (1) قد تُفتَح على نهرٍ، أو صحراءٍ، أو حديقةٍ واسعةٍ، أو بناياتٍ شاهقةٍ، أو حارةٍ ضيقةٍ، أو حتى على منورٍ مختنق يدخل النور منه بالكاد. قد نطلُّ عليها بدلًا من أن نُطِلَّ منها، إن كانت مزخرفةً بالنقوشِ والرسوماتِ كما في الأديرة أو القصور القديمة. مستطيلة، أو مربعة، أو دائرية … ربما توجدُ منها أشكالٌ لم أَرَهَا ولا أعرفها؛ لعلَّ بعضها مثلًا على شكل مثلث، أو متوزاي أضلاع، أو أي أشكال أخرى غريبة. قد تُغلَق بمصراعين خشبيين، وقد تكون مصنوعة من الزجاج المعتم، أو الشفَّاف، أو المُلوَّن، قد تُغطِّيها الستائر، أو قد تخلو من كل ذلك لتعود كأسلافها مجرد فتحة في جدار. قد نفتحها للضوء، ثم نغلقها في وجه الغبار والريح. نغلقها، نفتحها، نغلقها، نفتحها، نقفزُ منها لنسقط، أو لنطير إن كُنَّا داخل قصة من القصص الخيالية، قد يتسلقُ إليها «روميو» في إحدى المسرحيات ليكلم حبيبته «جولييت»؛ تمهيدًا لموتهما الشاعري المرتقب. نافذة كبيرة موجودة بمتحف محمد محمود خليل وحرمه من الزجاج الملون المعشق بالرصاص،  موقعه باسم الفنان الفرنسى:  "LUCIEN METTE" PARIS 1907 النافذة ه

أن تملك أو أن تكون: الإنسان بين الجوهر والمظهر

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) كتاب «إريك فروم» الذي ترجمه «سعد زهران» إلى العربية بعنوان «الإنسان بين الجوهر والمظهر» -سلسلة عالم المعرفة (١٩٨٩)- ليس هو الكتاب الوحيد ولا الأول الذي يحاول الدخول لإشكاليات الحضارة الصناعية الحديثة، ربما حتى ليس الأفضل أو الأعمق؛ لكنه مع ذلك كتاب مضيء، يمكنكَ أن تلمح النور في بعض أفكاره، وفي كثيرٍ من مقاطعه. كما نلاحظ من العنوان الأجنبي للكتاب to have or to be «أن تملك أو أن تكون»؛ تقوم فكرة الكتاب على التفريق بين نمطين من أنماط الشخصية: نمط التملُّك، ونمط الكينونة أو الوجود. وهو يبيِّن كيف كان هذا التفريق أو هذا الاختيار بين النمطين قضيةً أساسيةً في تعاليم أساتذة الحياة العِظَام، مشيرًا في هذا السياق إلى بوذا، والمسيح، وإيكهارت. ومن أجل توضيح الفارق بين النمطين، يشير في البداية إلى قصيدتين تناولتا ظاهريًّا موضوعًا واحدًا؛ إحداهما للشاعر الإنجليزي «تنسون» (القرن التاسع عشر)، والأخرى للشاعر الياباني «باشو» (القرن السابع عشر). يقول تنسون: يا زهرةً في الجدارِ المتصدع إني أنتزعُكِ منْ بينِ الشقوق وأقبضُ عليكِ، هنا في يدي بجذورِكِ وكيانِكِ كلِّ

طُرُق

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) لنتخيَّلْ طريقًا ما ينقسم مثلًا إلى ثلاثة طُرُق فرعية، ينقسمُ كلُّ طريقٍ فرعيٍّ بدوره بعدَ مسافةٍ إلى ثلاثة طُرُق أخرى، وهكذا باستمرار. يتفرَّقُ الناس إذن مع الوقت في الطُّرُق التي كانت طريقًا واحدًا؛ سيأخذ فريقٌ من الأشخاص دائمًا الطريقَ الأوَّلَ دون تفكير، وسيأخذ فريقٌ آخرُ الطريقَ الثالثَ دون كثيرٍ من التمهُّل، بينما سيأخذ فريقٌ الطريقَ الثانيَ. لو أنَّ أحدَهم تمكَّنَ من النظر إلى شبكة الطُّرُق هذه من أعلى فقَدْ تبدو كشجرةٍ كبيرةٍ كثيفةِ الفروع؛ حين يتحرَّك الناسُ في طُرُقها، ستبدو لوهلة كأنَّها تتحرَّك أيضًا. وقد يُحِسُّ مَنْ ينظرُ وقتها أنها، كأيِّ شجرة، بها الكثير من الفروع والأوراق، بعضها حيٌّ وبعضها ميتٌ، لكنها ستُواصل النموَّ حتى النهاية: نهايتها.    (2) سواءٌ أَدْرَكْنا هذا أو لم نُدْرِكْ؛ كلُّنا يمتلك تصوُّرًا ما للحياة. قد يكونُ هذا التصوُّرُ ناضجًا وقد يكونُ غيرَ ناضجٍ، قد يتبدَّل بتبدُّلِ مواقعنا، وقد يَظلُّ ساكنًا أو شِبْهَ ساكنٍ، قد يكونُ واضحًا أو مشوَّشًا. لكننا نَسِيرُ على هَدْيِهِ على أيِّ حالٍ كأنَّه مصباحٌ متخيَّلٌ، أو