المشاركات

النوافذ

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (1) قد تُفتَح على نهرٍ، أو صحراءٍ، أو حديقةٍ واسعةٍ، أو بناياتٍ شاهقةٍ، أو حارةٍ ضيقةٍ، أو حتى على منورٍ مختنق يدخل النور منه بالكاد. قد نطلُّ عليها بدلًا من أن نُطِلَّ منها، إن كانت مزخرفةً بالنقوشِ والرسوماتِ كما في الأديرة أو القصور القديمة. مستطيلة، أو مربعة، أو دائرية … ربما توجدُ منها أشكالٌ لم أَرَهَا ولا أعرفها؛ لعلَّ بعضها مثلًا على شكل مثلث، أو متوزاي أضلاع، أو أي أشكال أخرى غريبة. قد تُغلَق بمصراعين خشبيين، وقد تكون مصنوعة من الزجاج المعتم، أو الشفَّاف، أو المُلوَّن، قد تُغطِّيها الستائر، أو قد تخلو من كل ذلك لتعود كأسلافها مجرد فتحة في جدار. قد نفتحها للضوء، ثم نغلقها في وجه الغبار والريح. نغلقها، نفتحها، نغلقها، نفتحها، نقفزُ منها لنسقط، أو لنطير إن كُنَّا داخل قصة من القصص الخيالية، قد يتسلقُ إليها «روميو» في إحدى المسرحيات ليكلم حبيبته «جولييت»؛ تمهيدًا لموتهما الشاعري المرتقب. نافذة كبيرة موجودة بمتحف محمد محمود خليل وحرمه من الزجاج الملون المعشق بالرصاص،  موقعه باسم الفنان الفرنسى:  "LUCIEN METTE" PARIS 1907 النافذة ه

أن تملك أو أن تكون: الإنسان بين الجوهر والمظهر

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) كتاب «إريك فروم» الذي ترجمه «سعد زهران» إلى العربية بعنوان «الإنسان بين الجوهر والمظهر» -سلسلة عالم المعرفة (١٩٨٩)- ليس هو الكتاب الوحيد ولا الأول الذي يحاول الدخول لإشكاليات الحضارة الصناعية الحديثة، ربما حتى ليس الأفضل أو الأعمق؛ لكنه مع ذلك كتاب مضيء، يمكنكَ أن تلمح النور في بعض أفكاره، وفي كثيرٍ من مقاطعه. كما نلاحظ من العنوان الأجنبي للكتاب to have or to be «أن تملك أو أن تكون»؛ تقوم فكرة الكتاب على التفريق بين نمطين من أنماط الشخصية: نمط التملُّك، ونمط الكينونة أو الوجود. وهو يبيِّن كيف كان هذا التفريق أو هذا الاختيار بين النمطين قضيةً أساسيةً في تعاليم أساتذة الحياة العِظَام، مشيرًا في هذا السياق إلى بوذا، والمسيح، وإيكهارت. ومن أجل توضيح الفارق بين النمطين، يشير في البداية إلى قصيدتين تناولتا ظاهريًّا موضوعًا واحدًا؛ إحداهما للشاعر الإنجليزي «تنسون» (القرن التاسع عشر)، والأخرى للشاعر الياباني «باشو» (القرن السابع عشر). يقول تنسون: يا زهرةً في الجدارِ المتصدع إني أنتزعُكِ منْ بينِ الشقوق وأقبضُ عليكِ، هنا في يدي بجذورِكِ وكيانِكِ كلِّ

طُرُق

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري (١) لنتخيَّلْ طريقًا ما ينقسم مثلًا إلى ثلاثة طُرُق فرعية، ينقسمُ كلُّ طريقٍ فرعيٍّ بدوره بعدَ مسافةٍ إلى ثلاثة طُرُق أخرى، وهكذا باستمرار. يتفرَّقُ الناس إذن مع الوقت في الطُّرُق التي كانت طريقًا واحدًا؛ سيأخذ فريقٌ من الأشخاص دائمًا الطريقَ الأوَّلَ دون تفكير، وسيأخذ فريقٌ آخرُ الطريقَ الثالثَ دون كثيرٍ من التمهُّل، بينما سيأخذ فريقٌ الطريقَ الثانيَ. لو أنَّ أحدَهم تمكَّنَ من النظر إلى شبكة الطُّرُق هذه من أعلى فقَدْ تبدو كشجرةٍ كبيرةٍ كثيفةِ الفروع؛ حين يتحرَّك الناسُ في طُرُقها، ستبدو لوهلة كأنَّها تتحرَّك أيضًا. وقد يُحِسُّ مَنْ ينظرُ وقتها أنها، كأيِّ شجرة، بها الكثير من الفروع والأوراق، بعضها حيٌّ وبعضها ميتٌ، لكنها ستُواصل النموَّ حتى النهاية: نهايتها.    (2) سواءٌ أَدْرَكْنا هذا أو لم نُدْرِكْ؛ كلُّنا يمتلك تصوُّرًا ما للحياة. قد يكونُ هذا التصوُّرُ ناضجًا وقد يكونُ غيرَ ناضجٍ، قد يتبدَّل بتبدُّلِ مواقعنا، وقد يَظلُّ ساكنًا أو شِبْهَ ساكنٍ، قد يكونُ واضحًا أو مشوَّشًا. لكننا نَسِيرُ على هَدْيِهِ على أيِّ حالٍ كأنَّه مصباحٌ متخيَّلٌ، أو

عصر السريالية (مقتطف)

صورة
بقلم: والاس فاولي أصبحت كلمة "سريالية" تشير إلى مرحلة تاريخية معينة، مع أنها لم تدخل لغة المعاجم إلا منذ وقت وجيز. وهي تستعمل بصورة جامعة مانعة لوصف تلك الحركة الفنية التي اتخذت من باريس مركزًا لها في فترة ما بين الحربين العالميتين 1919-1939. لقد كانت السريالية في عشرينيات هذا القرن وثلاثينياته حركة منظمة ذات طبيعة ثورية ترفض القيم والأعراف القديمة، ولها قادتها ومريدوها، وبياناتها ومنشوراتها، كما كان لها معارضها وتظاهراتها. في تلك السنوات صارت حركة عالمية حتى أن أربعة عشر بلدًا اشتركت في معرضها الذي أقيم سنة 1938.  ولكن للسريالية (فوق الواقعية) معنى آخر، قد يكون أبديًا، كما أن لها مضمونًا يتجاوز مضمون جماعة أندريه بريتون التي خلفت الدادائية حوالي عام 1924. وفي تقسيمنا لهذا الكتاب حافظنا على النسبة العادلة بين الإنجازات التاريخية لسريالية القرن العشرين من ناحية، ومعناها الفلسفي الأعمق من ناحية أخرى. لذلك سنتناول في بعض الفصول السرياليين الذين يعتبرون أنفسهم مؤسسي الحركة، أمثال بريتون وإليوار، بينما نتناول في الفصول الأخرى الفنانيين الذين كانوا قري

الرسم الصيني (مقتطفات)

صورة
وفقًا لطريقة وأسلوب الرسم ينقسم الرسم الصيني التقليدي إلى رسم قونق بي والرسم التعبيري بالحبر.  رسم قونق بي هو "رسم الخطوط الدقيقة". خطوطه منتظمة ودقيقة، يهتم برسم المنمنمات، ثم زخرفتها بألوان ثقيلة زاهية. معظم أصباغه من المعادن،، لذا تبقى وقتًا طويلًا، ولا يذهب لونها. ولأن هذا الرسم يبدو زاهيًا فخمًا، لذلك كان الرسامون يستخدمونه في البلاط الإمبراطوري على مدار تاريخ الصين تعبيرًا عن عظمة وجلالة الأباطرة.  الرسم التعبيري هو "رسم الخطوط الغليظة"، يعبر عن ملامح هيئات الأشياء بخطوط مختصرة، ولا يركز على التشابه الدقيق للمرسومات. والرسام يستخدم دائمًا الأساليب المختصرة والمبالغة والتخيلية في التعبير عن مشاعره، وشخصيته. لذلك لهذا النوع من الرسم نوع من الارتجال والعفوية ويحقق أحيانًا نتائج غير متوقعة، يصعب تقليده، يرسم بالحبر المائي، فيبدو رزينًا وبسيطًا، وفي الفترة الأخيرة يحتل هذا الرسم نسبة كبيرة من أعمال الرسم الصيني.  في بواكيره الأولى قبل القرن الثاني عشر، كان الرسم الصيني كله من رسم قونق بي بالألوان الثقيلة، بينما معظمه في الفترة المتوسطة والأخيرة ينتمي

بهجة الشعر (اقتباس)

صورة
بقلم:  ديلان توماس وجربت يدي الغرة، كل شكل شعري تقريبًا،  فكيف يمكنني أن أتعلم سر الصنعة إذا لم أحاول أن أقوم بالعمل بنفسي! تعلمت أن الأساليب الرديئة تأتي بسهولة، أما أسرار الصنعة الجيدة التي تساعدك في قول ما تظن أنك ترغب في قوله بأكثر الطرق المؤثرة ذات المعنى، فما زلت أتعلمها –في صحبة جادة عليك بتسمية هذه الوسائل بأسماء مختلفة: حيل تكتيكية مثلا، أو تجارب في فن نظم الشعر ... إلخ.  *** *** *** لوحة بعنوان بعث ( Resurrection ) للفنان صلاح عناني أنا أستخدم كل شيء لأجعل قصائدي تعمل وتسير في الاتجاه الذي أريده لها، وسائل قديمة أو جديدة، تورية، كلمات منحوتة أو مركبة، تناقض ظاهري، إشارات تلميحية، جناس، استعمال الألفاظ استعمالا خاطئًا، العامية، التناغم السجعي، القوافي اللينة، التناغم المطلق المفاجئ، كل حيلة أو وسيلة موجودة في اللغة يمكنك أن تستخدمها إذا أردت، على الشعراء أن يمتعوا أنفسهم أحيانًا، تحريف ولف الكلمات، واختراع ونحت كلمات جديدة .. كلها أجزاء من عملية الفرح التي هي جزء من العمل المؤلم الإرادي. 

ماذا لو؟

صورة
بقلم: أحمد ع. الحضري يحكي «ديدرو» في «رسالة حول العميان»، عن حدَّاد أعاد له الطبيبُ نَظَرَه الذي حُرِم منه طوال عمره. كان قد تعوَّد طوال خمسة وعشرين عامًا أن يتحرَّك ويتعامل مع العالم فقط بواسطة حواس السمع واللمس والشم والتذوق؛ فلما عاد له نظره صار لفرط ارتباكه يغلق عينيه حتى يتمكَّن من التعامل مع العالم الذي تعوَّده، أو بالأحرى لكي يتجنَّب التعامل مع ارتباكات الحاسة الجديدة التي لا يعرف كيف يتعامل بها بَعْدُ. يذكر «ديدرو» كيف اضطر الطبيب إلى إجباره في أوقاتٍ على فتح عينيه حتى يتمكَّن من التدرب على الرؤية؛ «فكان «دافيل» يقول له وهو يُوسِعُه ضربًا: هلَّا نظرتَ أيها الفَظُّ؟!» James Christensen من ضمن الأمور المثيرة للاهتمام والفضول عند التفكير في مسألة العمى، هو ما نتعلَّمه عن أنفسنا عندما ننظر إلى حال مَنْ فَقَدَ بصَرَه. نُصَابُ بالدهشة في أوقاتٍ كثيرةٍ مِنْ حِدَّة ودِقَّة استغلالِهِ لحواسِّه الأخرى، بشكلٍ قد نظنُّ بشكلٍ تلقائيٍّ أنه غير ممكن. لكنَّ جانبًا آخر مثيرًا للاهتمام يُلِحُّ علينا في هذا السياق، هو الطريقة التي يتمثَّل بها شخصٌ وُلِدَ أعمى العالمَ. يقول «ديدرو»: «