المشاركات

ما يمكن للرواية وحدها أن تكشفه (مقتطفات)

صورة
ميلان كونديرا ترجمة: بدر الدين عرودكي تصاحب الرواية الإنسان على الدوام وبإخلاص منذ بداية الأزمنة الحديثة. لقد سيطر "هوى المعرفة" (هذا الهوى الذي يعتبره هوسرل جوهر الروحانية الأوروبية) آنئذ على الإنسان كيما يدرس الحياة المحسوسة للإنسان ويحميه ضد "نسيان الكائن"، حتى يضع "عالم الحياة" تحت إنارة مستمرة. بهذا المعنى إنما أفهم وأشارك عناد هرمان بروخ عندما كان يكرر بلا هوادة: اكتشاف ما يمكن للرواية وحدها أن تكشفه، هو ذا ما يؤلف مبرر وجود الرواية. إن الرواية التي لا تكشف جزءًا من الوجود لا يزال مجهولا هي رواية لا أخلاقية. إن المعرفة هي أخلاقية الرواية الوحيدة.  *** *** *** إن روح الرواية هي روح التعقيد. كل رواية تقول للقارئ: "إن الأشياء أكثر تعقيدًا مما تظن". إنها الحقيقة الأبدية للرواية، لكنها لا تُسمِعُ نفسها إلا بصعوبة في لغط الأجوبة البسيطة والسريعة التي تسبق السؤال وتستبعده. في نظر روح عصرنا: إما أن تكون أنا كارنينا على حق، أو أن يكون زوجها على حق، وتبدو حكمة سرفانتس القديمة التي تحدثنا عن صعوبة المعرفة وعن الحقيقة التي ل

الجسد الراقص والتقدم في العمر

صورة
تأليف: ستيفن ب وينرايت، وبرايان س تيرنر ترجمة: أسامة الغزولي التجسيد والصورة المشتركة عند الراقص اللوحة لإدجار ديجا (Edgar Degas) غالبًا ما يقال في علم الاجتماع الحديث: إن الجسد أصبح مشروعًا في المجتمع المعاصر، حيث الحمية والتدريب وأسلوب الحياة، بل والجراحة التجميليلة تستخدم لإنتاج جسد يتسق مع تعريفنا لأنفسنا، فالجسد يمكن أن نراه "ككيان هو بسبيله إلى أن يكون؛ كمشروع يجب أن نشتغل عليه وننجزه كجزء من الهوية الذاتية للفرد" (شيلينغ 1993: 5) وبالنسبة للراقص المحترف، قد تبدو فرضية شيلينغ معتدلة أكثر من اللازم، لأن التحول إلى راقص باليه كلاسيكي يتطلب أن يكون الجسد جوهر الهوية ذاته. ونظام الباليه ينتج نوعًا معينًا من الجسد ويحافظ عليه، فلا يمكن فصله عن هوية الراقص. وكما قال رودولف نورييف: "أنا راقص" ( سولواي 1998) ويقول بول (1999: 275): "لو أمكن للجسد أن ينطق فإن لغة البالية الكلاسيكي يجب أن تكون الأكثر طلاقة في الوجود". لكن الطلاقة في هذه اللغة الخاصة بالجسد لا تتحصل إلا عبر جدول بدني عقابي". وتعلق راقصة البالية الأولى في البا

يلحقُ بالوحدة

صورة
loneliness  by  Lanre Buraimoh مال إلى الانفراد، إذا رأي اثنين يتحدثان نأى، إذا أفسح الخطى وأوشك على الاقتراب من أحدهم يتجاوزه بسرعة فكأنه يلحق بالوحدة.! (مقتطف من:  هاتف المغيب ل جمال الغيطاني)

الخوف ونظرية التطور (مقتطفات)

صورة
دايفيد باس تبدي الجرذان رهابًا مذهلا من الجديد، أو نفورًا قويًا من الأطعمة الجديدة (غير المألوفة). توزع الجرذان بشكل نموذجي الأطعمة الجديدة وغير المألوفة في عينات جد صغيرة. وعندما تفعل ذلك فإنها تأكل الأطعمة الجديدة كل على حدة – ولا يحدث أبدًا أن تأكلها مع بعضها. ومن خلال الإبقاء على صغر عينات الطعام الجديد وفصلها عن بعضها بعضًا يكون لدى الجرذان فرصة كي تتعلم ما الذي يجعلها تمرض، وهو ما يجنبها الإفراط في استهلاك السموم التي قد تحمل خطر الموت. ومن الطريف أن الجرذ الذي يأكل طعامًا مألوفًا وآخر جديدًا في الوجبة نفسها ويمرض على إثرها، فإنه يتجنب بعد ذلك الطعام الجديد وحدة. ويبدو كأنه يفترض أن الطعام المألوف سليم، وأن الطعام الجديد هو مصدر المرض.  وهكذا يمتلك الجرذ طاقمًا من الآليات المتطورة لحل المشكلات التكيفية الخاصة بانتقاء الطعام.  *** *** *** أصبح الطعام واستهلاكه من المجازات شائعة الاستعمال. حيث تصبح القصص الطويلة "صعبة الابتلاع" والنثر المتقعر "صعب الهضم"، وضربة الحظ السعيدة "حلوة"، والكتاب الجديد "مثمر" والخيبة ال

يستحيل أن تنزل نفس النهر مرتين (مقاطع من كتاب: "التطور الخالق")

صورة
هنري بيرجسون هنري برجسون إني ألاحظ أولا أنني أنتقل من حال إلى حال، فأنا أشعر بالحر أو أحس البرد، وقد أكون مبتهجًا أو حزينًا، وقد أعمل أو لا أقوم بعمل ما، وألاحظ ما يحيط بي أو أفكر في شيء آخر، فالإحساسات والعواطف والإرادات والتصورات هي التغيرات التي تتقاسم وجودي، والتي تلونه كل منها بلون خاص واحدة بعد أخرى. فأنا إذن في تغير مستمر، بل ليس هذا القول كافيًا فإن التغير أكثر أصالة مما عسى يظن المرء في الوهلة الأولى.  وحقيقة أني أتحدث عن حالة من حالاتي، كما لو كانت حالة واحدة، نعم إنني أتغير، غير أن التغير لا يعدو أن يكون انتقالا من حالة إلى تلك التي تليها؛ ويحلو لي، فيما يتعلق بكل حالة على حدة، أن أعتقد أنها تظل على ما هي عليه طيلة الوقت التي تحدث فيه. ومع هذا، فإن مجهودًا ضئيلا من الانتباه أبذله ربما كشف لي أنه ما من وجدان، وما من تصور، وما من إرادة إلا وتتغير في كل لحظة، ولو أن حالة نفسية ما توقفت عن التغير لتوقف زمنها عن الجريان. فلنأخذ أشد الحالات الداخلية ثباتًا، وهي الإدراك البصري لموضوع خارجي ثابت. فمهما ظل هذا الموضوع هو بعينه، ومهما لاحظته من جانب بعينه، ومن نفس الزاوية

عن حياة لدفيغ فتجنشتين (مقتطفات)

صورة
ويروي رسل عنه هذه الرواية التي تعبر عن عدم استقراره في إحدى فترات حياته فيقول إن فتجنشتين جاءه بعد نهاية الفترة الدراسية الأولى التي قضاها في كمبردج وسأله "أرجو ان تخبرني إن كنت غبيًا" فأجبته: "إنني لا أعرف لماذا تسألني"، فقال: "لأنني إذا كنت غبيًا فسأصبح ملاحًا جويًا، وإذا لم أكن غبيًا فسأصبح فيلسوفًا" حينئذ طلبت إليه أن يكتب لي شيئًا أثناء العطلة حول أي موضوع فلسفي وسوف أخبره عندئذ ما إذا كان غبيًا أم لا، ومع بداية الفترة الدراسية التالية أحضر لي ما طلبته منه، وبعد أن قرأت جملة واحدة منه قلت له: "لا، يجب عليك ألا تصبح ملاحًا جويًا". *** ***  *** ويعبر فون رايت عن هذا المعنى أيضًا بقوله: "إن فتجنشتين كان رجلًا غير عادي، فهو بلا شك كان يقف متميزًا عن كل من حوله. وقد يكون قولنا بأنه كان يعيش على حافة المرض العقلي، أقرب إلي الصدق – ولقد ظل الخوف من الوصول إلى حافة المرض ملازمًا له طوال حياته". وهو في هذا قريب الشبه بالفيلسوف الألماني نيتشه الذي ظل خوفه من الجنون ملازمًا له حتى أصيب به بالفعل في أواخر سني حياته. إلا أن

بورخيس: أتعجب إن كانت كتاباتي تحمل أية حداثة (مقتطفات)

صورة
Jorge Luis Borges حوار: دانيل بورن، وستيفن كاب ترجمة: محمد هاشم عبد السلام دانيل بورن: أنت بالطابع كاتب نهم القراءة. هل يمكن أن تعطينا فكرة عامة عن كيف أن عملك كأمين مكتبة وتذوقك المتخصص في الكتب القديمة أو النادرة قد ساعدك في كتابتك فيما يخص حداثتها؟ بورخيس: أتعجب إن كانت كتاباتي تحمل أي حداثة، أعتبر نفسي منتميًا بالأساس إلى القرن التاسع عشر. أنا ولدت في نهايته، فقط في السنة الأخيرة من القرن 1899. وأيضًا انحسرت قراءاتي في نطاق ضيق –حسنًا، قرأت أيضًا الكتاب المعاصرين- لكنني نشأت على ديكنز والإنجيل، ومارك توين. بالطبع أنا مهتم بالماضي ربما كان أحد أسباب ذلك أننا لا يمكن أن نغير الماضي أو نعيد صياغته. أعني أنك بمقدورك بالكاد تغيير الحاضر لكن الماضي برغم كل شيء هو مجرد شريط الذكريات، أو الأحلام. أظنك تعرف أن الماضي الخاص بي يبدو متغيرًا باستمرار عندما أتذكره، أو عندما أقرأ الأشياء الممتعة بالنسبة لي. أعتقد أنني مدين بالفضل لعديد من الكتاب، ربما الكتاب الذين قرأت لهم أو الذين كانوا بالفعل جزءًا لا يتجزأ من لغتهم، جزءًا من تقاليدهم. اللغة هي في حد ذاتها تقليد. *