الفاكهة المحرمة





بول كيرتز

إن السلوك الأخلاقي العليائي الديني يدعو إلى الوصايا المطلقة المستمدة من الرب، ولكن هذه في الغالب ليست أكثر من إنعكاس لما هو سائد في التراث السلوكي لشعب ما. على العكس من ذلك فإن علم الأخلاق الفلسفي هو سعي لإيجاد بعض الأساس العقلاني للسلوك. ثمة اختلاف مميز بين هذين السبيلين نحو السلوك: الأول يعرض مجموعة من المطلقات التي لا تقبل الجدل للإرشاد نحو السلوك، ويأخذ الثاني هذه الأشياء كونها معلومات للتأمل فيها وتحليلها وتعديلها.

عندما ينشغل الفلاسفة في البحث الأخلاقي ويفكرون عميقًا في القيم الأخلاقية، يبدأ الاستبداديون بالشعور بالضيق؛ عندما يشير الشكوكيون أن في دراسة السلوك الأخلاقي ثمة غالبًا الصراع بين الحقوق والواجبات والقيم، وأن ما هو حري به أن يقوم هو يمكن أن يقرر فقط بالرجوع إلى المواقف الملموسة، فإن نقادهم يشجبون "علم أخلاق المواقف". إنهم يدعون إلى معاييرهم الأخلاقية الثابتة ويصرون أن من غير الحقائق الخالدة تكون الأخلاق خادعة...
...

إنني لا أقصد إدانة كل شيء حول أنظمة السلوك الأخلاقي الدينية. ففي أفضل الأحوال، ألهمت الأخلاقية الدينية الولاء للآخرين والتقويم لأخوة الإنسان والالتزام بالإحسان، على الرغم من أن اللاهوتيين كانوا غالبًا ما يميلون إلى النقد القاسي، ومنقسمين في الإعلان عن أناجيلهم وثمة لاهوتيات مختلفة عن الفضيلة متضاربة فيما بينها، ليس ثمة من ضمانات أن الإيمان بأبوة الرب ستؤدي إلى واقعية أخلاقية لأخوة الإنسان. على العكس من ذلك فإن التطبيق المتزمت للنظم الدينية يمكن أن يولد أجواء حرب بين الأخوة...

إن تلك الأشكال المبنية على الأنظمة الأخلاقية المتسامية هي في أدنى التقويم السلوكي، خصوصًا عندما تمجد الطاعة للوصايا والولاء الجامد للقواعد بدلًا من الاختيار الأخلاقي المستقل ذاتيًا. على الضد من ذلك، فإن علم الأخلاق الإنساني، يبحث في تطوير أفراد بالغين متمكنين من التعمق في دراسة الأخلاق. وفيما يتعلق برغبة الفرد في افتراض بعض المسؤولية على اختياراته هل يمكننا ألا نقول أنها أو أنه توصل أو توصلت إلى مرحلة أكثر نضجًا من التطور الأخلاقي؟ إن اختياراته أو اختياراتها ليست مستندة إلى طاعة عمياء لقانون ما، بل إلى عملية إيجابية مسؤولة من البحث الأخلاقي. 

هل تقود الإنسانية إلى الفساد الأخلاقي كما يزعم منتقدوها؟ هل هي تحرر الشياطين الجشعة في صدر الإنسان؟ هل هي عديمة الإحساس لتهبط بالسلوك البشري غير عابئة بحاجات الآخرين؟ إن الإنسانين يمكنهم أن يتنصلوا بحق من تبني أشكال الخلود. وهم لا يرون أن من دون الإيمان بالنظام الإلهي ستنهار الحياة، ولا يرون أنه إن لم يكن هناك ختم الرب على الكون فلن يكون لأي شيء دلالة أخلاقية. إن العدمية ليست هي البديل الوحيد للاهوتية، وليست القضية هي أن الإمبراطورية الدينية ذات الوصايا وحدها يمكن أن تحد من بوهيمية الإنسان. الكثير من اللاهوتيين العليائيين غير منتبهين أو لا يشعرون بالفروق الدقيقة العميقة للحياة الأخلاقية. إنهم ينعمون بهالة الجهل بالطبيعة المعقدة للخيار الأخلاقي. 

الأمر الأشد أهمية أن "كل الأنظمة السلوكية والأخلاقية هي بشرية" في الأصل والمضمون والعمل. إن رجل الدين يخدع نفسه إن اعتقد أن قانون سلوكه الأخلاقي منزل من الرب. وهو مخطئ إن احتج بأن المسيحيين المنتشين بالرب وحدهم واليهود الأرثوذكس والمسلمين المتزمتين أو الهندوس المتحمسين يمكن أن يكونوا أخلاقيين. وما دامت الأنظمة الدينية عن السلوك الأخلاقي هي من صنيعة الثقافة البشرية، أوجدها وعززها الناس، فإن هذا يدحض الإدعاء بأن البشر لا يمكن لهم الاعتماد على أنفسهم في خلق منظومة أخلاقية أو سلوك أخلاقي. 
...
ولكن بديل علم الأخلاقي الديني ليس بالضرورة أن يكون عدم الأخلاق. إن النظم الدينية لعلم الأخلاق المسلم بها تتخذ خطوة إلى ما بعد البربرية السلوكية من خلال فرض درجة معينة من النظام قسرًا على السلوك البشري من أجل الحد من وحشية الإنسان وبواعث الأنانية فيه وتحضره. قد يناقش أحد أن الأخلاق الدينية قد تعالج على الأقل عواطف الجشع. ولكنها قد فشلت في الوقت نفسه. لأن هذه الأنظمة بقيت أقل بدرجة أو درجتين من مرحلة أعلى منها في التطور الفكري والأخلاقي. 

مقطع من: 
الفاكهة المحرمة: أخلاقيات إنسانية
بول كيرتز
ترجمة: ضياء السومري
منشورات الجمل
2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

ألبرت أينشتاين وميليفا ماريتش: قصة حب (اقتباس)

قصائد من الشعر الأفريقي المعاصر