الحلقة المفقودة (مقاطع)


الانجراف القاري (continental drift)

وإضافة إلى التعليق الصادر عن عالم الأحياء الأمريكي -ذي الأصل الأوكراني- "ثيودوسيوس دوبهانسكي" بأن "لاشيء ذا معنى في علم الأحياء، إلا فيما يتعلق بالتطور"، يمكننا القول إن الكثير من أحجيات التطور -مثل هذه الأحجية- لا معنى له إلا في ضوء الانجراف القاري (continental drift)؛ أي الحقيقة المذهلة أن الأرض تتحرك. 

منذ عدة ملايين من السنوات، راحت الكثير من يابسة العالم تتحرك عبر عدة آلاف من الأميال، شرقًا وغربًا، وشمالا وجنوبًا، وأحيانًا  أخرى تدور 90 درجة كاملة أو تزيد، وأحيانًا تلتحم بأجزاء أخرى من اليابسة، وأحيانًا تنشق. وبوسعنا أن نرى هذا يحدث الآن، فلم تزل جبال "الهيملايا" في الهند تشق طريقها إلى آسيا فيما تتحرر أفريقيا الشرقية من بقية القارة على طول وادي "ريفت" (Rift Valley).
 
وعندما لاحظ "ألفريد واجنر" أن العديد من الصخور على الجانب الشرقي من أمريكا الجنوبية يصطف تمامًا بصخور مماثلة لتلك التي على الساحل الغربي لأفريقيا، بدا الأمر وكأن صحيفة ما قد تمزقت تاركة قطع الورق المتناثرة في مكانها، لتكون على حالتها الأولى. في بادئ الأمر، وجد الكثير من العلماء في هذا فكرة مثيرة جدًا. ولكن بمرور السنوات، اتفق الكثير منهم على أن الفكرة غير قابلة للتصديق، فببساطة لم تكن هناك ثم آلية من شأنها تفسير هذا الأمر الغريب.

ولكن في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، اتضحت هذه الآلية، ففي نوافذ الكاتدرائيات القديمة، كان الزجاج أكثر سمكًا لدى قاعدته من أعلاه، إذ انزلق منخفضًا نحو الأسفل، على مدار العقود والقرون. وهكذا الحال مع الحركة القارية شديدة البطء، إلا أنها على مر ملايين السنوات -حيث يقاس الزمن الجيولوجي بفترات من هذا القبيل- تفضي إلى حركات هائلة.
 
*** *** ***

  
وبالنسبة إلى أصول قرد إنسان الغابة، فإننا ندين بكثير من الفضل لبقعة في مصر تبلغ مساحتها حوالي 37 ميلا (60 كيلو مترًا) تقع في جنوب القاهرة، ويعود تاريخها إلى أواخر العصر الإيوسيني (منذ حوالي 40 مليون عام مضت) ومنتصف العصر الأوليجوسيني (منذ زهاء 31 مليون عام مضت) ويدعى هذا الموقع "منخفض الفيوم"، عبارة عن مجرد امتداد آخر للصخور التي تمنع الصحراء، ولكن ذلك المكان كان من قبل غابة استوائية. والعديد من الحفريات محمية بشكل جيد، ويشمل ضمن أشياء أخرى كثيرة – العظام الإبرية النحيلة لطيور "الجاكانا" Jacana؛ كما تدعى أحيانا "ليلي تروتر" أو الزنبق الجوال، وهو ما يوضح وجود بحيرة في ذلك المكان في وقت ما من الماضي، بالإضافة إلى نباتات الزنبق.
   
يجدر توجيه الشكر الوفير إلى المجهودات المضنية التي قام بها عالم الحفريات الأمريكي "إيلوين سيمونز" الذي بدأ العمل في منخفض الفيوم في ستينيات القرن العشرين، كما قدمت الفيوم العديد من الرئيسيات الرائعة؛ حوالي 17 من أنواع الرئيسيات المختلفة ...

من كتاب: الحلقة المفقودة : الكشف عن الأصل البشري الأول

كولين تادج
ترجمة: مروة هاشم
كلمة ، 2011

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

ألبرت أينشتاين وميليفا ماريتش: قصة حب (اقتباس)

قصائد من الشعر الأفريقي المعاصر