مقاطع من كتاب "الكاتب وعالمه" لـ تشارلس مورجان





مقاطع من كتاب:
"الكاتب وعالمه" لـ تشارلس مورجان
ترجمة: شكري محمد عياد




 

     كتب جورج مور هذه الكلمات إلى شابة صغيرة كانت تحاول ممارسة فنه: "إذا خرجت لتتسلي عندما تعجزين عن الكتابة، فسوف ينتهي فنك إلى لا شيء. إن حياة الفنان هي في هذه كحياة البهلوان؛ يجب أن يمارس صنعته كل يوم، حين يسعفه الإلهام، وحين ينأى عنه. إنه يجب ألا ينتظر الإلهام، بل يظل يناديه ويستنزله دائمًا، وسيجيبه أخيرًا، ... إذا أردت أن تسمعي صوت آلهة الوحي، فيجب أن تعدي لها ساعات صمت ولا تيأسي إذا أخلفت موعدها معك، ولتستقبلي آلهة الوحي كما ينبغي استقبالها، يجب أن يكون لك مسكن، وأن تتناولي عشاءك فيه وحدك في معظم الأحيان"


***

     المبدأ الأساسي، والديدن الثابت لكل النظم الاستبدادية هما تجميد الخيال، ومنع الرجال والنساء من أن يفكروا لأنفسهم، والمبدأ الأساسي للفن هو أن يذيب جمود الخيال، وأن يمكن الرجال والنساء من أن يفكروا لأنفسهم.

***

     لماذا يعذب الناس بعضهم بعضًا من أجل ملك هذه الدنيا، وهو تافه عندما يصلون إليه؟ ولماذا يعذبُ بعضهم بعضًا من أجل مملكة السماء، وهي في باطنهم؟ إن كان عند الفن درس يعلم فهو أن التعذيب باطل، وأن الزعم بأن جانبًا واحدًا من الحقيقة – يظن- هو الحق نفسه، وحبس تطلعات الناس وطموحهم – بذلك- في زنزانة أيدولوجية ما، هو الإثم الذي لا يغتفر إزاء روح الإنسان.  

     والفنان ملزم بحكم وظيفته أن يعرف أن دعوى الاستبدادي احتكار الحقيقة إثم. ولهذا السبب نفسه لا يمكن استبعاد كلمة الحقيقة من جوابيه عن السؤالين الحيويين السابقين. فعندما يسأل: ماذا يمكن الناس من أن يتخيلوا؟ فإنه يجيب مجملا: "وجوه الحق"، وعندما يسأل بأي طريقة يفعل ذلك، فإنه يجيب مجملا أيضًا: "بأن أنقل إليهم رؤاي للحق"، ولعلكم تلاحظون كلمة "رؤى" في صيغة الجمع؛ فهي "رؤى" وليست رؤية؛ ولعلكم تذكرون أن توماس هاردي سمى أحد دواوينه "لحظات الرؤية"، وأنه حرص على يبرأ من كل زعم باحتكار الحقيقة. فقد كتب: " ليس لي فلسفة، بل ما أوضحت مرارًا أنه كومة مختلطة من الانطباعات، كانطباعات طفل حائر أمام عرض ساحر" . ولعله لم يغب عن أذهانكم أنه عندما بلغ ذلك الفنان العملاق تولستوي تلك المرحلة من حياته التي تعرف بتحوله إلى الإيمان، أي عندما استبدل برؤاه الكثيرة للحق رؤية واحدة له، وأسس مذهبًا أخلاقيًا – ابتعد كثيرًا عن ممارسة الفن بل أنكر الفن كله حسبما كان يفهمه من قبل. ولكن قول هاردي أنه لا فلسفة له يحب ألا يؤخذ على معنى أنه ليست له وجهة نظر، لقد كان يقف على قمة يطل منها على التجربة، وكانت قمته هو ولم يكن متغيرًا (بمعنى الخلو من الفردية المتميزة، التجربة، بحيث تتقاذفه آراء الآخرين هنا وهناك، فينضم إلى العصب والأندية والجماعات التي تعد محدثة، وينظر إلى الحياة من خلال غيماتهم) بل حافظ على أمانته، واحتفظ بفرديته، ونظر من فوق قمته هو، على أنه لم ينظر إلى الشمال فقط ولا إلى الجنوب فقط، ولا إلى الشرق أو الغرب فقط ولم يلزم منظرًا أعجبه، ليقول " هذا هو الحق ولا حق غيره"  لقد تأمل منظر التجربة كله بقدر ما طاقت عيناه، وقال لنا: انظروا: ماذا ترون بعيونكم المختلفة؟ ونظرنا، ومع أننا لم نر ما رآه، فقد رأينا ما لم نر من قبل، ولم نكن لنراه لولا لمح رؤيته.
 
***

     هذا القول "لا تفكر في الغد"  لم يكن قط نهيًا عن تخيل المستقبل، إنما هو نهي عن أنواع القلق الأكال التي تشبه الصدأ ، تأكل حياتنا وثقتنا فيها.
 
     وهناك بدع في القلق كما أن هناك بدعًا في كل شيء آخر، وأخطر أنواع القلق الحديثة نوع جماعي، شعور عند بعض الناس بأنهم راكبون في ترام هارب يحملهم إلى هاوية، في سرعة أي سرعة، وبلا ضابط أي ضابط، حتى أنه أصبح لا معنى للتطلع إلى المنظر، وقد نسمي هذا الخوف من كارثة جماعية بأسماء شتى: الحرب، الذرة ، الشيوعية، الأزمة، بل والوجودية أيضًا، إذا كنا مثقفين من آخر طراز. ولكن تأثيرها واحد مهما كان الاسم، فهي إنكار للحاضر، إنها لا تبقي للحياة طعمًا، إنها تجعل الإيمان سخافة، والحب إفرازًا.

تعليقات

  1. المبدأ الأساسي، والديدن الثابت لكل النظم الاستبدادية هما تجميد الخيال، ومنع الرجال والنساء من أن يفكروا لأنفسهم، والمبدأ الأساسي للفن هو أن يذيب جمود الخيال، وأن يمكن الرجال والنساء من أن يفكروا لأنفسهم.


    الكاتب وعالمه/ تشارلس مورجان، ترجمة شكري محمد عياد)

    كتاب ماشاء الله لاقوة إلا بالله مهم جدا يعطى أفكار وافرة عن الكتابة لمن يريد أن يكتب .

    ردحذف
  2. الكتاب انا قريته بالجد افادنى كتير جدا ، وعملى نقطات ضوء كتيرة جدا على حاجات اضافت ليا كتير بالتوفيق برد

    ردحذف
    الردود
    1. وبالتوفيق ليكي يا قسمة :) ومنورة برد دايما :)

      حذف

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

ألبرت أينشتاين وميليفا ماريتش: قصة حب (اقتباس)

قصائد من الشعر الأفريقي المعاصر