نصل السكين: مقتطف من كتاب منشيوس

كتاب منشيوس: أحد الكتب الأربعة الصينية المقدسة 


وتكلم الملك ليانغ هوي مع منشيوس، فقال: "قد بذلت قلبي وعيني لأجل بلادي، فما قصرت في شيء، وكنت إذا نزل القحط بجانب النهر الغربي، مددت يد العون لشعبي وعبرت به إلى الشاطئ الشرقي، أو إذا تعذر على ذلك حملت لهم ما يقيم أودهم من الطعام (فلا أدعهم يهلكون جوعًا) فإذا نزلت النوائب بجانب النهر الشرقي، سلكت مع الناس هناك مثلما فعلت في المرة الأولى، وتأملت بعد هذا، سياسات الممالك المجاورة مع رعاياها، وتكشف لي أنها لا تسير معهم مثلما أتصرف حيال مواطنيها، ومع ذلك، فما كان مثل هذا الإهمال من جانب تلك الممالك بناقص من ملكها شيئًا، ولا كان اهتمامي بشؤون الناس تحت سلطاننا يزيد مما نملك قيد أنمله، فما تعليلك لذلك؟ فأجابه منشيوس قائلا: أما وأن جلالتك تحذق فنون الحرب والقتال، فاسمح لي أن أستعير من تعبير الحرب وفنونها ما يوضح قولي.. فإنه إذا دعا داعي القتال وبرزت إلى الساحات الدروع والمغافر، ونشب الطعن وتعانقت الرماح، كان نفر من المحاربين، تقاعست هممهم، فولوا الأدبار؛ منهم من أسرع بالفرار من الميدان (مائة خطوة)، فحينئذٍ تجد هؤلاء المبتعدين خمسين خطوة يسخرون من الفارين ويتهمونهم بالجبن والتخاذل.. أفلا ترى أن معهم الحق في سخريتهم تلك؟ 

وأجاب الملك قائلا: "كلا بل إن كليهما ليس على الحق في شيء، فكلاهما متخاذل جبان." فقال الفيلسوف: "ما دام الأمر كذلك، فلماذا ترغب في أن يزيد تعداد الناس في الممالك المجاورة!؟

إنه لولا التوازن القائم بين مواسم الزرع والحصاد، لزاد الثمر عن الجني، ولو كانت شباك الصيد متينة الصنع دقيقة المسام، لما بقيت في قاع البحر من أسماك. ولولا ضرب الفؤوس في جذوع أشجار الغاب، حسب نظام محدد ومواسم فصلية معلومة، لما بقيت الأشجار قائمة على وجه الأرض (فتأمل ذلك) واعلم أن في الوفرة أمن وأمان رعاياك، وعليه تقوم حياتهم؛ بل تهنأ به أرواح موتاهم في القبور، فإذا ما أصبحت الحياة أمنا ورخاء، وصار الموت خاتمة كريمة بعد عمر مديد لمواطني بلدك؛ فقد أقمت مملكة الخير الباقية أبد الدهر.

ما ظنك بحقل مساحته خمسة أفدنة مزروع بأشجار التوت، أما يمكن لصاحب مثل هذا الحقل (ما دام ميسور الحال هكذا) أن يرفل هانئًا في الحرير والديباج، حتى لو كان كهلا متقدم السن!

وما قولك في حظائر الدواجن والماشية، مهولة العدد، إذا روعيت فيها وسائل التدجين الصحيحة، أفلا يستطيع صاحبها حتى لو كان شيخًا في السبعين أن يتخذ طعامه من اللحوم، في كل وجبة كيف شاء؟

وما رأيك في أرض مساحتها مائة فدان، تقلب فيها الزرع واحتشدت خطوطها بالبذور، أليس ذلك كفيلا بأن يدفع عن المزارعين المقيمين بأطرافها شر الجوع وغائلة السغب؟

وكيف لو تأسست دور العلم على مبادئ الفهم وأسس الاحترام أما كان ذلك حقيقًا بأن يؤدب النشء ويرحب الشيبة.

فتأمل ذلك كله واعلم أنك باتباع السبيل الصحيحة واصل إلى غرضك بالغ سبيل الحكمة والخير في مملكتك، فأما إذا صارت دواب الأغنياء في بلادك تمرح في الطرقات كيف شاءت، تخطف الخبز من فم رعاياك وتتركهم يتضورون جوعا في الشوارع، فيقعون في التهلكة وأنت تنظر وتقول ليس هذا من شأني بل هو القضاء والقدر! فأنت عندئذٍ مثل قاتل يزعم أنه لم يجن على أحد مع أنه هو نصل السكين الذي أزهق روح الضحية.

المصدر: 
كتاب منشيوس (نقلا عن كتاب الكتب الأربعة المقدسة/ ترجمة عن الصينية محسن سيد فرجاني)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات