مجرد 2 فقط




رواية: مجرد 2 فقط
إبراهيم نصر الله
المؤسسة العربية للدراسات والنشر
صدرت في طبعتها الأولى سنة 1992
وأعتمد هنا على ط 2 1999


في المجمل هي رواية جيدة: ليست من الروايات التي تأسرك بأحداثها أو بالرؤية المفارقة -وليس هذا عيبًا فيها- لكن أكثر ما يمتع فيها حقًا هو الأسلوب الشعري الذي لا يعتمدُ على الإنشاء أو التشبيهات بقدر ما يرتكزُ على بناءٍ شعري يمتد على مدار الرواية؛ فنراه مثلا يلعبُ على ظهورٍ مستمرٍ للونِ الأسود، أو على حضورٍ متكررٍ للمذياع بشكلٍ يكوِّنُ مفارقات شعرية نابعة من البنية نفسها.

التنقل بين زمنين -على الأقل- متوازيين على طول الرواية كان تقنيةً مناسبةً أعفت الكاتب من الاضطرار للاعتماد على الأحداث بشكل مكثف (رغم امتداد الفترة الزمنية للرواية لسنواتٍ)، والاكتفاء بأحداث مركزية يتم نقل تفاصيلها على امتداد الرواية، وفي هذا الإطار نرى أن الرواية تتنقل بين ثلاثة مراكزٍ أساسية في رأيي: مشاهد الاحتلال أو المذبحة، ومشاهد العلاقة مع الحبيبة، ومشاهد السفر لحضور المهرجان (ينتقلُ فيها بين دولتين لكنها نسيج واحد مع ذلك).

أيضًا الموازنة بين نقل قسوة الحال وقتامة الوضع، وبين السخرية والمفارقة التي تدفعك للابتسام جعل الرواية محتملة وجيدة.

في هذه الرواية هناك حضورٌ واضحٌ للمشهد البصري ككل، وضُحَ أولا في الاهتمام بنقل تفاصيل المكان والبيئة المحيطة، وتمثل ثانيًا في اللعب على تيمات بصرية تتكرر لتخلقَ إيقاعًا داخليًا، مثل الحضور المستمر للون الأسود كما أسلفنا، أو تتناقض لتخلق المفارقة كمشاهد المهرجان مثلا مع مشاهد المذبحة.

لكن حضورَ الحواسِ الأخرى واضحٌ كذلك ومهمٌ في بنية الرواية؛ فيمكن الحديث عن حضورِ صوت المذياع، وأصوات الرصاص، أو رائحة الحبيبة، ورائحة الفندق، ورائحة الوطن ...، ويمكن الحديثُ عنها بشكل مشابه للحديث عن المشهد البصري.

في النهاية هي رواية جيدة كما قلت، لكني أحسستُ أن حضورَ الشاعرِِ فيها كان أكبر من حضور الروائي، وقد حرصتُ  في أكثر من موضعٍ على القراءة بصوتٍ مرتفع للاستمتاع باللغة، التي لم تخلُ من موسيقى ما.  


6 يوليو 2011


ـــــــــــــــــ
اقرأ أيضًا: 
السواد 
الآن

تعليقات

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات