ثقوبٌ سوداء

     بالقلم الرصاصِ أو بالفحم يعيدُ رسم الصورة كما مرت على خياله عدة مرات له وهو مسجى على أرض زنزانته ميتًا، مات كأن لم يكن، ودون تهمة يعرفها، سوى أنه لسبب ما كان مخيفًا للبعض.

     للموتِ أن يأتيَ مبتذلا بلا ضجة أو تأويل أو تفسير، بلا مشاعرٍ يثيرها، أو نتيجة جلية، بلا معنى ظاهر، سوى للمدقق، لكن غياب المعنى في هذه الحالات هو معنى بديل يظهر ويتألق في سياق تضاده مع الأصل.

     بالألوان المائية يرسم قطارًا محترقًا، في لوحةٍ يغزوها الأحمرُ والأسودُ، ويرسمُ أجسادًا طافيةً في لوحةٍ أخرى يغرقها الأزرقُ؛ حتى الألوان الهادئة يمكن أن تكونَ قاتلة، هكذا فكَّر الرسام ربما. في لوحات الموت الجماعي تلك يكونُ للموتِ نَفَسًا ملحميَّا قادرًا على إثارة التأمل والبكاء والغضب، أو ربما الملل واللامبالاه والعبث.

      يرسمُ بالجواش لوحات عدة متحركة وحية للحظات موتٍ صاخبٍ أو هادئٍ، تعددت الأسبابُ من الرصاصِ، إلى تقدمِ العمرْ؛ والموتُ ليس واحدًا.


      يجتذبُ الموتُ المعاني دائمًا، والتأويلات، والمشاعر، حتى يصيرَ هو المعنى أو أباه أو أمه التي تلده، كنتُ دومًا موقنًا من ذلك، لكنني مع ذلك استغربت الطوفان الذي صنعه هذا الموتُ تحديدًا.

تعليقات

  1. حتى الألوان الهادئة يمكن أن تكونَ قاتلة
    ....

    عجبتني

    ردحذف
  2. شكرا يا غادة على التعليق وعلى المرور، مبسوط إنها عجبتك

    ردحذف

إرسال تعليق

أفيدوني بانتقاداتكم وإطراءاتكم، أسعد بجميع الآراء

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

فن الكم = Quantum art

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات