تجريدية
- نعم، كنتُ أراقبُهما منذُ فترةٍ، أتعلم؟.. في البداية كانا هادئين جدًا، لم يكونا قط كما أصبحا في أيامهما الأخيرة.
- أرى أن كلامك تقليديٌ بشكلٍ كبير، أنت تقسِّمُ البشرَ إلى فئاتٍ ثابتة لكنَّ هذه سذاجة، البشر يتغيرون ياصديقي يتغيرون أكثرَ مما تعرف.
- ....
- غريبٌ، لكنه يحدث كل الوقت، أتدري؟ التقلبات المفاجأة في تصرفاتهما أربكتني حقا في البداية، كنتُ أحبُ أن أنظرَ إليهما، أن أنصتَ إلى كلماتِهما الحنون، مؤخرًا كلماتهما كانت تصلني رغما عني، أسدُّ أذنيَّ أحيانَا، لكنها تصلني رغم ذلك. المبالغات في أفعالهما صارت تقززني كثيرًا.
بالأمس تمشيت في رأسيهما قليلا، ما رأيتُه كان مزعجا، كان كلاهما ممسوخًا؛ الغضبُ، الحزنُ، المللُ، الافتقادُ، شكلت مزيجا مرعبًا، لوحةً مقبضة. الضوضاءُ هي كلُ ما سمعته في رأسيهما، تنويعات مختلفة من الصراخ.
- ....
- لا، على العكس، موتُهما كان أكثر متعةً مما تتخيل، كأنها لوحةٌ أخذَ كلُّ لونٍ فيها أخيرًا مكانَه المناسب: الدمُ فوق الجدران البيضاء، السجادةُ المهترئة، رأساهما المحطمان، الزهورُ الصناعيةُ المبعثرة، قطعُ أثاث الغرفة، الستائرُ نصفُ المفتوحة، الزجاجُ المهشَّمُ في كلِّ مكان؛ امتزجت الألوانُ بشكلٍ مبهجٍ: الأبيضُ، الأسودُ، الأخضرُ، الأزرقُ.... وطبعًا الأحمر.
في لحظة اكتمال المشهد، شعرتُ فجأةً أن كلَّ هذا الضجيج كان جميلا وذا معنى، كلَّ المبالغات المبتذلة، والتصنعَ المقرف في رأسيهما صارَ جزءًا من كلٍّ مبهجٍ، ليتك كنت هناك.
يقهقه باستمتاع
كتبتُ هذا النص كارتجالة في جلسة المغامير يوم 27 أغسطس 2010
أحمد الحضري
ارتجالةرائعة..!
ردحذفشكرًا ليك يا إيثار وسعيد بمرورك الأول ..
ردحذف