الرهان على ديلان






بقلم: أحمد ع. الحضري

في بداية مقال مثير للاهتمام نُشر في موقع New Republic قبل أسبوع تقريبًا من إعلان جائزة نوبل للآداب يُذَكرنا أليكس شيبارد (Alex Shephard) بالمفاجأة التي أثارها فوز سفيتلانا ألكسيفيتش (Svetlana Alexievich) بنوبل للآداب في العام الماضي، من ضمن ما استغربه المقال هو أن الكثيرين راهنوا على فوز سفيتلانا وقتها على موقع المراهنات Ladbrokes، يقول: "سيظل سرًا لِمَ فازَ من راهنوا على ألكسيفيتش، آخذين في الاعتبار أن نوبل تميل بشدة نحو السرد التخييلي (fiction)، وأن كتب ألكسيفيتش هي تاريخٌ شفوي يجمع بين السرد التخييلي والواقعي. في الغالب وضع أحدهم يده على القائمة القصيرة بالغة السرية للجائزة ووضع بالتالي رهانه على ألكسيفتيش." يوضح كاتب المقال لاحقًا سبب ازدهار المراهنات على نتائج الجائزة من وجهة نظره؛ فيشير إلى عدم وجود قوائم قصيرة ولا طويلة معلنة لجائزة نوبل خلافًا لجوائز أخرى كالبوكر مثلًا، وإلى عدم وجود وسيلة لمعرفة الفائز بجائزة نوبل قبل الإعلان عنها رسميًا. 


كان المقال مسليًا وجاذبًا للانتباه بالنسبة لي، أولًا لأنه كان يستعرض بعض أبرز الأسماء التي راهن الناس عليها في الموقع المذكور في عامنا هذا، وثانيًا نتيجة للهجته المبالغة في اليقين، يقول شيبارد: "عاشق الباستا هاروكي موراكامي لن يفوز بجائزة نوبل. المغردة السيئة (Bad tweeter) جويس كارول أوتس لن تفوز بجائزة نوبل. الموقف في سوريا محبط للغاية لدرجة أن حتى أعضاء لجنة جائزة نوبل للآداب، الشغوفين بالاحتفاء بوعيهم المنفتح، لن يمسوها حتى بعصا طولها عشرة أقدام، وهو ما يعني أن الشاعر والمرشح الدائم لجائزة نوبل أدونيس لن يفوز بها في الغالب. الكاتب الكيني جوجي وا تيونجو (Ngugi wa Thiong’o) قد تكون لديه فرصة، لكن الفكرة هي أن: موراكامي، وأوتس، وأدونيس، وجوجي، قادوا الترشيحات على موقع المراهانات Ladbrokes لسنوات ليس لأنهم بالضرورة مرشحين لكن لأن الناس يراهنون عليهم." 

بعد استعراضه الأسماء التي لها فرصة للفوز، والأسماء الشهيرة أو شبه الشهيرة من خارج أمريكا التي راهن الناس عليها ولن تفوز (قائمة طويلة نوعًا وضع فيها: هاروكي موراكامي، وميلان كونديرا، ومارجريت آتوود، وآخرين) يأتي مقطع يثير استمتاعي الآن بشكل خاص؛ يقول شيبارد: "أنا آسف، لكن هؤلاء الأمريكيين لن يفوزوا:
  • فيليب روث (روائي أمريكي)الاحتمالات: 7 إلى 1.
  • بوب ديلان (كاتب أغاني أمريكي،ومذيع في الراديو) الاحتمال ٦٦ إلى ١.
  • ريتشارد فورد (روائي أمريكي وكاتب قصة قصيرة) الاحتمالات 66 إلى 1.... " بعد إعلان الجائزة كتبت أمريكية تدعى آن تعليقًا على هذا المقال في صفحة مدونتي على فيسبوك حيث كنت قد نشرته في وقتٍ سابق:"Hahahahahahaha!".
الاحتمالات المذكورة هنا أمام اسم بوب ديلان تعني أن هناك من سيجنون مبالغ كبيرة عند فوز ديلان بالجائزة، نظرًا لقلة احتمال فوزه مقارنةً بآخرين في أعلى القائمة. وهو ما يثير التساؤل بخصوص من قد يراهن على فوز بوب ديلان بجائزة نوبل؟! الإجابة على هذا السؤال قد تفاجئنا: الكثيرون. في هذا العام سبقت كثير من الأسماء المشهورة اسم بوب ديلان في احتمالات الفوز. لكن هذه ليست السنة الأولى التي يراهن فيها البعض على بوب ديلان، ففي الواقع تقدم بوب ديلان تفضيلات مواقع المراهنات في عام 2011، حيث بدأت المراهنات وقتها واحتمالاته: 100 إلى 1، لكن شعبيته وسط المراهنين زادت مع الوقت حتى تقدم الترشيحات لتصل الاحتمالات إلى 5 إلى 1. كتب مايكل شيلتون (Martin Chilton) في عام 2011: "لجنة نوبل لا تعلن على الاطلاق أسماء الكتاب الذين تضعهم في اعتبارها. وهو ما يجعل الأمر كله مجرد تخمينات. بالإضافة إلى ذلك لم تذهب الجائزة قط إلى كاتب أغاني." يشير المقال إلى ما قاله إنجولند (Englund)، وهو مؤلف ومؤرخ سويدي في هذا السياق، حيث وصف الأمر كله بالجنون، قائلًا أن هذه المواقع تضم الكثير من الأسماء التي لا تزيد عن كونها تكهنات. معتبرًا أنه من الطبيعي أن تضيف عددًا من الأسماء إلى ذيل القائمة، وأن يكون من ضمن الأسماء شخصًا غير محتمل بالمرة. هذا المقال وعدد من المقالات الأخرى اعتبروا إذن قيام هذا العدد الضخم من الأشخاص بالمراهنة على فوز ديلان بالجائزة بمثابة نكتة من نوعٍ ما. 

لكن حين ننظرُ الآن إلى الأمر بعد فوز ديلان بجائزة 2016، هل كان ما حدث في 2011 مجرد تخمينات، أم أن ثمة معلومات كانت قد تسربت وقتها تفيد أن اللجنة كانت تنظرُ في إمكانية منحه الجائزة منذ خمسة أعوام على الأقل!، وأنه كان من المحتمل بشكلٍ ما أن يفوز وقتها بالجائزة بدلًا من توماس ترانسترومر (Tomas Transtromer). أو ربما تم الأمر بشكلٍ عكسي، ربما لفتت مراهنات عام 2011 نظر لجنة نوبل لبوب ديلان كمرشح محتمل.

بالإضافة إلى ذلك حدث أمرٌ غريب في بعض مواقع المراهنات هذا العام؛ ذكرنا في البداية ما ذكره شيبارد، من أن موقع ديلان في المراهنات هذا العام كان في منتصف القائمة تقريبًا، وأن احتمالاته كانت 66 إلى1 قبل أسبوع من إعلان الجائزة، لكن Allen St. John، يذكر في مقاله على موقع فوربس الذي كتبه بعد فوز ديلان أن الاحتمالات تغيرت خلال هذا الوقت، حيث كانت بعدها قد وصلت إلى 50 إلى واحد، ثم  في الليلة السابقة على إعلان الجائزة إلى 9 إلى 1، وهو ما يعني أن عددًا متزايدًا بشكل ملحوظ من المراهنين قرروا المراهنة على ديلان قبل إعلان الجائزة مباشرة. وهو ما قد يشير وفقا للمقال إما إلى وجود تسريب ما في لجنة الجائزة، أو ربما إلى التأثير القوي لبعض ما نشرته وسائل إعلامية من قصص صحفية حول هذه المراهنات، وأن تكون تلك التغطيات الصحفية هي التي أدت إلى لفت أنظار مزيد من الأشخاص ليراهنوا. في السادس من أكتوبر كتب أحد المغردين على تويتر (Pierre Menard) تعليقًا بلهجة ساخرة يقول فيه ما معناه: "من هذا الذي يراهن على فوز بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب؟" تخيلوا معي الردود التي حصل عليها بيير بعد إعلان نتيجة الجائزة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل العالم حقيقي، أم أنه مجرد وهم أو هلوسة؟

مقتطفات عن أينشتاين

الغراب في التراث الشعبي: مقتبسات

ما هو الفن الطليعي؟ (Avant Garde)